كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

أَيْ يُقْضَى بِهَا لِلْمُعَلِّمِ عَلَى وَلِيِّ الطِّفْلِ أَوْ عَلَى الْقَارِئِ الرَّشِيدِ (وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ) ، وَمَحَلُّهَا مَا تَقَرَّرَتْ فِيهِ عُرْفًا مِنْ السُّوَرِ كَسَبِّحْ وَعَمَّ وَتَبَارَكَ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَقَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَقْرًا وَغِنًى

(وَ) جَازَ (إجَارَةٌ مَاعُونٍ) أَيْ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ (كَصَحْفَةٍ وَقِدْرٍ) ، وَفَأْسٍ وَدَلْوٍ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أَوْ لَا.

(وَ) جَازَ الْعَقْدُ (عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ إجَارَةً وَجَعَالَةً) فَالْإِجَارَةُ فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ الْأَرْضِ، وَفِيمَا لَا يَمْلِكُ كَالْمَوَاتِ إذَا عَيَّنَ لَهُ مِقْدَارَ الْحَفْرِ مِنْ طُولٍ وَعَرْضٍ كَخَمْسَةِ أَذْرُعٍ فِي خَمْسَةٍ، وَالْعُمْقُ عَشَرَةٌ فَإِنْ انْهَدَمَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ، وَالْجَعَالَةُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَقَطْ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْوَصْفِ كَالْإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا تَتَمَيَّزُ عَنْ الْإِجَارَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَعَالَةِ بِأَنْ يُصَرِّحَ بِهَا أَوْ يَقُولَ، وَلَك بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَذَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَعَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا لَا يَحْصُلُ لِلْجَاعِلِ فِيهِ نَفْعٌ حِينَ التَّرْكِ لَوْ تَرَكَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَلِذَا لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْحَفْرِ فِيمَا يَمْلِكُ كَانَ إجَارَةً، وَلَا تَصِحُّ الْجَعَالَةُ فِيهِ فَإِنْ صَرَّحَ فِيهِ بِالْجَعَالَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ

وَلَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَمْنُوعِ وَالْجَائِزِ ذَكَرَ الْمَكْرُوهَ بِقَوْلِهِ (وَيُكْرَهُ حُلِيٌّ) أَيْ إجَارَتُهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ إذَا كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِلَّا مُنِعَ (كَإِيجَارِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ) لِرُكُوبٍ أَيْ يُكْرَهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِمِثْلِهِ خِفَّةً، وَأَمَانَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَيْ يَقْضِي بِهَا، وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ) أَيْ إذَا جَرَى الْعُرْفُ بِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقْضَى بِهَا إذَا اُشْتُرِطَتْ أَوْ جَرَى بِهَا عُرْفٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجُ إنَّمَا يُقْضَى بِهَا بِالشَّرْطِ، وَلَا يُقْضَى بِهَا عِنْدَ عَدَمِهِ، وَلَوْ جَرَى بِهَا عُرْفٌ وَاعْلَمْ أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ إنْ أَقْرَأَ الْمُتَعَلِّمَ مُعَلِّمٌ آخَرُ قَبْلَ مَحَلِّهَا بِيَسِيرٍ كَالسُّدُسِ لَا إنْ تَرَكَ الْمُتَعَلِّمُ الْقِرَاءَةَ أَوْ أَقْرَأَهُ الثَّانِي قَبْلَ مَحَلِّهَا بِكَثِيرٍ فَلِلثَّانِي (قَوْلُهُ: وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ) أَيْ فَفِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَالْبِلَادِ تُؤْخَذُ عَلَى سَبِّحْ، وَلَا تُؤْخَذُ عَلَى لَمْ يَكُنْ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ: فَقْرًا وَغِنًى) أَيْ وَجَوْدَةَ حِفْظٍ وَقِلَّتَهُ فَحَذْقَةُ الْحَافِظِ أَكْثَرُ مِنْ حَذْقَةِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَحَذْقَةُ الْمُوسِرِ أَكْثَرُ مِنْ حَذْقَةِ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ أَوْ لَا) أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْعَطَّارِ فِي الثَّانِي حَيْثُ قَالَ فِيهِ بِالْمَنْعِ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ كَصَحْفَةٍ إلَخْ) أَيْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَاعُونِ فِي الْآيَةِ هَذَا الْمَعْنَى، وَإِلَّا لَكَانَتْ إعَارَةُ مَا ذَكَرَ مِنْ الصَّحْفَةِ، وَمَا مَعَهَا وَاجِبَةً فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ عَدَمَ الْإِعَارَةِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ الزَّكَاةُ بِدَلِيلِ قَرْنِهِ بِقَوْلِهِ يُرَاءُونَ فَالْمَعْنَى الَّذِينَ يُرَاءُونَ فِي الصَّلَاةِ وَيَمْنَعُونَ الزَّكَاةَ.

(قَوْلُهُ: وَجَازَ الْعَقْدُ) قَدَّرَ الْفَاعِلَ عَقْدٌ دُونَ إجَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِتَقْسِيمِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ: إجَارَةً) أَيْ وَيَكُونُ إجَارَةً إنْ صَرَّحَ بِهَا أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهَا كَقَوْلِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ: وَإِنْ انْهَدَمَتْ قَبْلَ التَّمَامِ فَلَكَ بِحِسَابِ مَا عَمِلْتَ (قَوْلُهُ: وَجَعَالَةً) أَيْ إنْ صَرَّحَ بِهَا أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ لِلْعَامِلِ إنْ انْهَدَمَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَلَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ بِتَمَامِ الْعَمَلِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ انْهَدَمَتْ إلَخْ) أَيْ وَعَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا إنْ انْهَدَمَتْ إلَخْ فَهَذَا قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ بِالْعَقْدِ الْإِجَارَةُ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِيمَا سَبَقَ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِالصِّيغَةِ وَيَكُونُ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ فِي الْإِجَارَةِ لَا فِي الْجَعَالَةِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّ الْجَعَالَةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: حِينَ التَّرْكِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِدَفْعِ مَا يُقَالُ قَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ الْمُجَاعَلَةِ عَلَى حَمْلِ خَشَبَةٍ لِمَحَلٍّ وَبِجَوَازِ تَرْكِ الْعَامِلِ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ مَعَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَحَمَلَهَا رَبُّهَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ نَفْعٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُجَاعَلَةُ؟ . وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ حِينَ التَّرْكِ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُجَاعِلِ نَفْعٌ بَلْ كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا أَثْنَاءَ الطَّرِيقِ تَعْرِيضٌ لِضَيَاعِهَا.
(قَوْلُهُ: وَلِذَا لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْحَفْرِ فِيمَا يَمْلِكُ كَانَ إجَارَةً) أَيْ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالْإِجَارَةِ أَوْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا فَإِنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَعَالَةِ كَانَ جَعَالَةً فَاسِدَةً لِانْتِفَاعِ الْمُجَاعِلِ بِمَا قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ بَاطِلًا بِلَا عِوَضٍ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْحَفْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فَإِنْ صَرَّحَ بِالْإِجَارَةِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ، وَإِنْ انْهَدَمَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَلَكَ بِحِسَابِ مَا عَمِلْت كَانَ إجَارَةً، وَإِنْ صَرَّحَ بِالْجَعَالَةِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ، وَلَك بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَذَا كَانَ جَعَالَةً، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فَانْظُرْ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِجَارَةِ أَوْ الْجَعَالَةِ أَوْ يَكُونُ فَاسِدًا.

(قَوْلُهُ: حُلِيٌّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ مُفْرَدًا وَبِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ جَمْعًا (قَوْلُهُ: أَيْ إجَارَتُهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْحُلِيُّ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أُوجِرَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِيهِمَا أَوْ أُوجِرَ بِغَيْرِهِمَا كَعَرَضٍ وَطَعَامٍ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِلَّا مُنِعَ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَنْعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي كَرَاهَةِ إجَارَةِ الْحُلِيِّ أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ عَارِيَّتَهُ زَكَاتُهُ وَاَلَّذِي أَسْقَطَ اللَّهُ زَكَاتَهُ وَجَعَلَ زَكَاتَهُ عَارِيَّتَهُ غَيْرُ مُحَرَّمِ الِاسْتِعْمَالِ، وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ لَا عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ الْعَطَّارِ الْكَرَاهَةَ بِأَنَّ إجَارَتَهُ تُؤَدِّي إلَى نَقْصِهِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَدْ أَخَذَ رَبُّهُ فِي مُقَابَلَتِهِ نَقْدًا فَكَأَنَّهُ نَقْدٌ فِي مُقَابَلَةِ نَقْدٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحَقَّقًا فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ إجَارَتِهِ مُطْلَقًا كَانَ مُحَرَّمَ الِاسْتِعْمَالِ أَمْ لَا وَيَقْتَضِي عَدَمَ كَرَاهَةِ إجَارَتِهِ بِغَيْرِ النَّقْدِ (قَوْلُهُ: كَإِيجَارِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ) أَيْ كَمَا يُكْرَهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِمِثْلِهِ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إنْ لَمْ يُؤَجِّرْهَا بِحَضْرَةِ رَبِّهَا أَوْ يَبْدُو لَهُ إذَا كَانَ مُسَافِرًا الْإِقَامَةُ

الصفحة 17