كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

قَدَّمَ الْحَلِفَ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ أَخَّرَهُ لِاتِّهَامِهِ بِالْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْذَرَ الْعَوَامُّ لِأَنَّ الْعَوَامَّ يُسَامِحُونَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ بِالطَّلَاقِ إنْ اتَّهَمَهُ أَيْ لِقَاعِدَةِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ

وَلَمَّا كَانَ الْحِرْصُ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) (رَفَعَ) شَهَادَتَهُ لِلْحَاكِمِ (قَبْلَ الطَّلَبِ) فَشَهِدَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَشْهِدَ (فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ) وَهُوَ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ وَكَانَ الْأَوْلَى لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْأَدَاءِ كَرَفْعِ إلَخْ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

(وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ) وَهُوَ مَا لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ إسْقَاطُهُ (تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ) بِالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ (بِالْإِمْكَانِ) أَيْ بِقَدْرِهِ لَا مُطْلَقًا بَلْ (إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ) أَيْ تَحْرِيمُ خِلَافِ مُقْتَضَاهُ (كَعِتْقٍ) لِرَقِيقٍ، وَالسَّيِّدُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ اسْتِخْدَامٍ وَبَيْعٍ وَصَدَقَةٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِهَا (وَطَلَاقٍ) لِزَوْجَةٍ وَالزَّوْجُ يُعَاشِرُهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ مِنْ خَلْوَةٍ بِهَا وَاسْتِمْتَاعٍ (وَوَقْفٍ) وَوَاضِعُ الْيَدِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَيَمْنَعُ الْمُسْتَحِقِّينَ حُقُوقَهُمْ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ مَسْجِدًا أَوْ مَدْرَسَةً أَوْ رِبَاطًا (وَرَضَاعٍ) بَيْنَ زَوْجَيْنِ (وَإِلَّا) يَسْتَدِمْ تَحْرِيمُ حَقِّ اللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرَافُعِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُخَاصَمَةِ هُنَا تَأَمُّلٌ

(قَوْلُهُ قَدَّمَ الْحَلِفَ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ أَخَّرَهُ) قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَأَمَّا الْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَهَادَتِهِ إذَا أَدَّاهَا وَذَلِكَ قَادِحٌ فِيهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ دَلِيلٌ عَلَى التَّعَصُّبِ وَشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى نُفُوذِهَا اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْيَمِينَ الْقَادِحَةَ هِيَ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ الْأَدَاءِ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِعَبِقِ قَدَّمَ الْحَلِفَ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ أَخَّرَهُ كَذَا بَحَثَ بْن وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ قَدَّمَ الْحَلِفَ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ أَخَّرَهُ يَعْنِي فِي صِيغَةِ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ شَهَادَتِي حَقٌّ أَوْ شَهَادَتِي وَاَللَّهِ حَقٌّ وَالْحَالُ أَنَّ تَأْدِيَةَ الشَّهَادَةِ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ الْيَمِينِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الشَّارِحِ وَكَلَامِ التَّبْصِرَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ بِالطَّلَاقِ) مِثْلُ الْقَاضِي الْمُحَكَّمِ وَأَمَّا الْخَصْمُ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ كَمَا فِي مَيَّارَةَ عَلَى الزُّقَاقِيَّةِ وَقَوْلُهُ بِالطَّلَاقِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ كَمَا هُوَ نَصُّ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ اهـ شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ

(قَوْلُهُ قَبْلَ الطَّلَبِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَفْعَ الشَّاهِدِ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَهُوَ الْمُدَّعِي لَا يَجُوزُ وَمُبْطِلٌ لِشَهَادَتِهِ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا إنْ عَلِمَهُ فَقَطْ وَكِفَائِيًّا إنْ عَلِمَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا لَهُ إسْقَاطٌ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مَا لَا حَقَّ فِيهِ لِلَّهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ إذْ مَا مِنْ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ إلَّا وَلِلَّهِ فِيهِ حَقٌّ وَهُوَ أَمَرَهُ بِإِيصَالِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَنَهْيِهِ عَنْ أَكْلِهِ بِالْبَاطِلِ فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ مَحْضَ كَانَ أَوْلَى

(قَوْلُهُ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ) أَيْ لِلرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ لِلشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْخَصْمِ لِمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ بِقَدْرِهِ) أَيْ فَإِنْ أَخَّرَ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الرَّفْعُ كَانَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ (قَوْلُهُ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ) أَيْ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ حَقِّ اللَّهِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ ظَاهِرُهُ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَارَةً يَكُونُ دَائِمَ التَّحْرِيمِ وَتَارَةً لَا يَكُونُ دَائِمَ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَحَقُّ اللَّهِ فِي الْعِتْقِ النَّهْيُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعَتِيقِ بِالِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِهِمَا فَمَا دَامَ السَّيِّدُ يَسْتَخْدِمُ الْعَتِيقَ أَوْ يَطَأُ الْأَمَةَ الْمُعْتَقَةَ فَالْحُرْمَةُ دَائِمَةٌ بِدَوَامِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ عَلَى الشَّاهِدِ وَعَلَى السَّيِّدِ بِسَبَبِ ذَلِكَ النَّهْيِ وَكَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ فِي الطَّلَاقِ النَّهْيُ عَنْ مُعَاشَرَةِ الْمُطَلَّقَةِ مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ فَالْحُرْمَةُ دَائِمَةٌ بِدَوَامِ مُعَاشَرَتِهَا عَلَى الشَّاهِدِ وَالزَّوْجِ بِسَبَبِ النَّهْيِ عَنْ الْمُعَاشَرَةِ وَفِي الْوَقْفِ حَقُّ اللَّهِ النَّهْيُ عَنْ تَغْيِيرِهِ فَالْحُرْمَةُ عَلَى الشَّاهِدِ وَوَاضِعِ الْيَدِ دَائِمَةٌ بِدَوَامِ تَغْيِيرِهِ بِسَبَبِ النَّهْيِ عَنْ التَّغْيِيرِ وَحَقُّ اللَّهِ فِي الرَّضَاعِ النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الْمُتَرَاضِعِينَ فَمَا دَامَ النِّكَاحُ دَائِمًا فَالْحُرْمَةُ عَلَى الشَّاهِدِ وَالزَّوْجِ دَائِمَةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ النَّهْيِ وَأَجَابَ شَارِحُنَا بِجَوَابٍ آخَرَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ مَعْنَاهُ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُ خِلَافِ مُقْتَضَاهُ فَحَقُّ اللَّهِ فِي الْعِتْقِ النَّهْيُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعَتِيقِ بِاسْتِخْدَامِهِ وَوَطْئِهِ فَحَقُّ اللَّهِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاسْتِخْدَامِ وَالْوَطْءِ فَخِلَافُهُ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ وَالْوَطْءُ حَرَامٌ وَتِلْكَ الْحُرْمَةُ دَائِمَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدِ وَالسَّيِّدِ مَا دَامَ ذَلِكَ الْخِلَافُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي.
(قَوْلُهُ وَوَقْفٍ) أَيْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِيهِ غَيْرِ الْوَاقِفِ، وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَقْفَ إمَّا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَفِي كُلِّ الْوَاضِعِ يَدَهُ عَلَيْهِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهِ أَمَّا غَيْرُ الْوَاقِفِ أَوْ الْوَاقِفُ فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْوَاقِفِ وَجَبَ عَلَى الشُّهُودِ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ لِلْقَاضِي وَإِنْ كَانَ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ هُوَ الْوَاقِفُ فَلَا يَرْفَعُونَ إذْ لَا ثَمَرَةَ فِي رَفْعِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَرْفَعُونَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ إلَّا إذَا طُلِبُوا لِلشَّهَادَةِ كَانَ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا يَسْتَدِمْ تَحْرِيمُ حَقِّ اللَّهِ) أَيْ وَإِلَّا يَسْتَدِمْ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِ

الصفحة 174