كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ ضَاعَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ مَاتَتْ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا لِحَمْلِ مِثْلِهِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَفَعَلَ الْمَأْذُونَ فِيهِ لَا أَضَرَّ (أَوْ ثَوْبٍ) أَيْ يُكْرَهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ أَنْ يُكْرِيَهُ (لِمِثْلِهِ) وَلِكَوْنِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ يَضْمَنُهُ الْأَوَّلُ إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى تَلَفِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ ضَمَانَ التُّهْمَةِ يَزُولُ بِالْبَيِّنَةِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ إذَا جُهِلَ حَالُ الْمُكْرِي، وَأَمَّا إنْ عُلِمَ رِضَاهُ فَجَائِزٌ، وَإِنْ عُلِمَ عَدَمُ رِضَاهُ لَمْ يَجُزْ.

(وَ) كُرِهَ (تَعْلِيمُ فِقْهٍ، وَفَرَائِضَ) بِأُجْرَةٍ مَخَافَةَ أَنْ يَقِلَّ طَلَبُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَآلَتُهُ مِنْ نَحْوٍ وَبَيَانٍ كَذَلِكَ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ عَمَلِ الْفَرَائِضِ بِالرَّسْمِ فَلَا يُكْرَهُ (كَبَيْعِ كُتُبِهِ) أَيْ مَا ذَكَرَ، وَكَذَا كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالْمَصَاحِفُ وَالتَّفْسِيرُ.

(وَ) كُرِهَ (قِرَاءَةٌ بِلَحْنٍ) أَيْ تَطْرِيبٍ بِأَنْغَامٍ حَيْثُ لَا يُخْرِجُهُ عَمَّا عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ، وَإِلَّا حُرِّمَتْ كَقِرَاءَتِهِ بِالشَّاذِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالْمُنَاسِبُ هُنَا كَرَاهَةُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ

(وَ) كُرِهَ (كِرَاءُ دُفٍّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَقَدْ تُفْتَحُ، وَهُوَ الْمُدَوَّرُ الْمَغْشِيُّ مِنْ جِهَةٍ كَالْغِرْبَالِ (، وَمِعْزَفٍ) وَاحِدُ الْمَعَازِفِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْمَعَازِفُ الْمَلَاهِي فَيَشْمَلُ الْمِزْمَارَ وَالْأَعْوَادَ وَالسِّنْطِيرَ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَتِهَا (لِعُرْسٍ) أَيْ نِكَاحٍ وَقِيلَ هِيَ جَائِزَةٌ فِي النِّكَاحِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا جَوَازُ كِرَائِهَا وَالرَّاجِحُ أَنَّ الدُّفَّ وَالْكَبَرَ جَائِزَانِ لِعُرْسٍ مَعَ كَرَاهَةِ الْكِرَاءِ، وَأَنَّ الْمَعَازِفَ حَرَامٌ كَالْجَمِيعِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ فَيَحْرُمُ كِرَاؤُهَا.

(وَ) كُرِهَ (كِرَاءُ كَعَبْدٍ كَافِرٍ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ " كَافِرٍ " نَعْتٌ لِعَبْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ لِكَافِرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَدَمُ الرُّكُوبِ لِلْمَحَلِّ الَّذِي أَكْرَاهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ ضَاعَتْ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ قَامَتْ عَلَى الضَّيَاعِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا لِحَمْلِ مِثْلِهِ إلَخْ) قَيَّدَ اللَّخْمِيُّ جَوَازَ كِرَائِهَا إذَا كَانَتْ مُكْتَرَاةً لِلْحَمْلِ بِمَا إذَا صَحِبَهَا رَبُّهَا فِي السَّفَرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُكْتَرِي هُوَ الَّذِي سَافَرَ بِهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي لِلرُّكُوبِ وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَبِلَهُ. اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: أَيْ يُكْرَهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ إلَخْ) قَالَ عبق الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِي الثَّوْبِ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ فِيهِ شَيْئًا فَلَا يُكْرَهُ أَيْ يُؤَاجِرُهُ فِي حَمْلِ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يُكْرِيَهُ لِمِثْلِهِ إلَخْ) مِثْلُ الثِّيَابِ الْكُتُبُ عَلَى الظَّاهِرِ لِاخْتِلَافِ اسْتِعْمَالِ النَّاسِ فِيهَا (قَوْلُهُ: يَضْمَنُهُ الْأَوَّلُ) أَيْ فَفَرَّقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصُّهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي الثَّوْبِ إذَا أَكْرَاهُ مِنْ مِثْلِهِ كَالدَّابَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ إذَا هَلَكَ بِيَدِ الْغَيْرِ لِاخْتِلَافِ حَالِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ، وَلَا يَضْمَنُهُ إنْ هَلَكَ بِيَدِهِ اهـ بْن (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ رِضَاهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَى الظَّاهِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ أَنْ يُكْرِيَ لِمِثْلِهِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمُقْتَضَاهُ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَعْلِيمُ فِقْهٍ، وَفَرَائِضَ) كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ الصَّوَابُ جَوَازُ الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَقِلَّ طَلَبُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ) أَيْ وَالْمَطْلُوبُ كَثْرَةُ طَلَبِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِهِ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِهِ كَمَا مَرَّ لِرَغْبَةِ النَّاسِ فِي تَعَلُّمِهِ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَلِأَخْذِ السَّلَفِ الْأُجْرَةَ عَلَى تَعْلِيمِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى» (قَوْلُهُ: بِالرَّسْمِ) أَيْ بِالْغُبَارِ وَالشِّبَاكِ وَقَوْلُهُ: فَلَا يُكْرَهُ أَيْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَنْعَةٌ (قَوْلُهُ: كَبَيْعِ كُتُبِهِ) أَيْ وَكَذَا إجَارَتُهَا اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى كُتُبِ الْعِلْمِ، وَفِي بَيْعِ كُتُبِهِ، وَلَا أَرَى أَنْ يُخْتَلَفَ الْيَوْمَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ النَّاسِ، وَأَفْهَامَهُمْ الْآنَ نَقَصَتْ فَلَوْ بَقِيَ الْعَالِمُ بِلَا كُتُبٍ لَذَهَبَتْ رُسُومُ الْعِلْمِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةٌ بِلَحْنٍ أَيْ تَطْرِيبٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِرَاءَةِ التَّدَبُّرُ وَالتَّفَهُّمُ وَالتَّطْرِيبُ يُنَافِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: أَيْ تَطْرِيبٍ الْمُرَادِ بِهِ تَقْطِيعُ الصَّوْتِ بِالْأَنْغَامِ (قَوْلُهُ: كَقِرَاءَتِهِ بِالشَّاذِّ) اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقِيلَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: كَرَاهَةُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ) أَيْ بِالتَّلْحِينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرِّرَ الْمَتْنُ بِذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ وَكُرِهَ إجَارَةٌ عَلَى قِرَاءَةٍ بِلَحْنٍ.

(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى كَرَاهَتِهَا) أَيْ كَرَاهَةِ الدُّفِّ وَالْمَعَازِفِ أَيْ كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهَا وَسَمَاعِهَا فِي الْعُرْسِ فَإِذَا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا وَسَمَاعُهَا مَكْرُوهًا كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا فِي الْعُرْسِ مَكْرُوهَةً، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فِي الْعَقِيقَةِ أَوْ الْخِتَانِ وَنَحْوِهِمَا فَحَرَامٌ فَيَكُونُ كِرَاؤُهُمَا فِيهِمَا حَرَامًا (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا جَوَازُ كِرَائِهَا) بَلْ كِرَاؤُهَا فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ جَازَتْ فِيهِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ إذْ لَوْ جَازَ كِرَاؤُهَا أَيْضًا فِي الْعُرْسِ لَتَوَصَّلَ بِهِ لِكِرَائِهَا فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: جَائِزَانِ لِعُرْسٍ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِمَا فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْجَوَازُ اخْتَصَرَهَا أَكْثَرُ الْمُخْتَصِرِينَ وَقَوْلُهُ: مَعَ كَرَاهَةِ الْكِرَاءِ أَيْ مَعَ كَرَاهَةِ كِرَائِهِمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمَعَازِفَ حَرَامٌ) أَيْ فِي الْعُرْسِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهَا فِيهِ وَلِمَنْ قَالَ بِجَوَازِهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: كَالْجَمِيعِ) أَيْ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ وَالْمَعَازِفِ أَيْ كَمَا يَحْرُمُ الْجَمِيعُ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الدُّفَّ وَالْكَبَرَ فِي النِّكَاحِ فِيهِمَا قَوْلَانِ الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ، وَفِي الْمَعَازِفِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ بِزِيَادَةِ الْحُرْمَةِ، وَهُوَ أَرْجَحُهَا فَتَكُونُ إجَارَتُهَا فِي النِّكَاحِ حَرَامًا، وَأَمَّا فِي غَيْرِ النِّكَاحِ فَالْحُرْمَةُ فِي الْجَمِيعِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ النِّكَاحِ يَشْمَلُ

الصفحة 18