كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

أَوْ تَقْدِيمُ كَافِرٍ عَلَى كَعَبْدٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَعَبْدٍ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى قِلَّةٍ، وَالْأَصْلُ كِرَاءُ كَافِرٍ عَبْدًا وَنَحْوَهُ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُكْرِيَ عَبْدَهُ أَوْ نَفْسَهُ أَوْ وَلَدَهُ لِكَافِرٍ حَيْثُ كَانَ الْكَافِرُ يَسْتَبِدُّ بِعَمَلِ الْمُسْلِمِ، وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَ يَدِهِ، وَلَمْ يَكْتَرِهِ فِي فِعْلِ مُحَرَّمٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِدَّ الْكَافِرُ بِعَمَلِ الْمُسْلِمِ كَخَيَّاطٍ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فَيَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ كَأَجِيرِ خِدْمَةِ بَيْتِهِ وَظِئْرٍ حَرُمَ وَفُسِخَتْ، وَلَهُ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ وَكَذَا إنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي مُحَرَّمٍ كَعَصْرِ خَمْرٍ وَرَعْيِ خِنْزِيرٍ، وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَدَبًا لَهُ.

(وَ) كُرِهَ (بِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ) أَيْ لِأَخْذِهِ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْجَوَازِ. (وَ) كُرِهَ (سُكْنَى) بِأَهْلِهِ (فَوْقَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ إنْ بَنَى الْمَسْكَنَ قَبْلَ وَقْفِهِ لَا بَعْدَهُ فَيَحْرُمُ كَمَا يَأْتِي لَهُ فِي الْمَوَاتِ فِي قَوْلِهِ، وَمُنِعَ عَكْسُهُ فَلَا مُعَارَضَةَ

، وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ (بِمَنْفَعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَجْرٍ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي، أَيْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ بِعَاقِدٍ، وَأَجْرٌ فِي مُقَابِلِ مَنْفَعَةٍ لَهَا شُرُوطٌ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ (تَتَقَوَّمُ) أَيْ لَهَا قِيمَةٌ شَرْعًا لَوْ تَلِفَتْ احْتِرَازًا عَنْ رَائِحَةِ الرَّيَاحِينِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا لِلشَّمِّ، وَكَذَا الْبَسَاتِينُ وَنَحْوُهَا لِلْفُرْجَةِ وَالدَّنَانِيرُ وَنَحْوُهَا لِتَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ، وَالْجُدْرَانُ لِلِاسْتِظْلَالِ، وَالسِّرَاجُ لِلِاسْتِصْبَاحِ، وَكَذَا آلَاتُ اللَّهْوِ وَتَعْلِيمِ الْأَنْغَامِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَا ذَكَرَ وَتُفْسَخُ إنْ وَقَعَتْ، وَلَا أُجْرَةَ (قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا) فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ شَيْءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْمُؤَجِّرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَقِيقَةَ وَالْخِتَانَ وَالْقُدُومَ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَقْدِيمَ كَافِرٍ عَلَى كَعَبْدٍ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ وَكِرَاءُ كَافِرٍ كَعَبْدٍ وَيَكُونُ إضَافَةُ كِرَاءٍ لِكَافِرٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى قِلَّةٍ) أَيْ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ
فَصْلُ مُضَافٍ شِبْهُ فِعْلٍ مَا نَصَبْ ... مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ
أَيْ أَجِزْ أَنْ يَفْصِلَ الْمُضَافُ الشَّبِيهُ بِالْفِعْلِ مَا نَصَبَهُ الْمُضَافُ حَالَةَ كَوْنِهِ مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ) أَيْ الثَّانِي؛ لِأَنَّ كِرَاءَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى إكْرَاءٍ وَمَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ الْكَافُ مِنْ كَعَبْدٍ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلَ (قَوْلُهُ: وَلَهُ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ) أَيْ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكِرَاءُ.

(قَوْلُهُ: لِأَخْذِهِ) أَيْ لِأَجْلِ أَخْذِ الْكِرَاءِ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ أَيْ، وَأَمَّا لَوْ بَنَاهُ لِلَّهِ ثُمَّ قَصَدَ أَخْذَ الْكِرَاءِ مِمَّنْ يُصَلِّي فِيهِ فَمُقْتَضَى النَّظَرِ مَنْعُ الْأَخْذِ حَيْثُ خَرَجَ عَنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْجَوَازِ إلَخْ) عِبَارَةُ بْن لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ أَوْ يُكْرِي بَيْتَهُ لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ غَيْرُهُ فِي الْبَيْتِ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لَا يَصْلُحُ هَلْ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ الْمَنْعِ فَعَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ سَحْنُونٍ هُوَ عَلَى الْمَنْعِ وَعَلَى مَا نَقَلَ عِيَاضٌ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ اهـ لَكِنْ عِبَارَاتُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا فِي ح فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الدَّرَكُ فِي مُخَالَفَتِهَا. اهـ كَلَامُهُ (قَوْلُهُ: بِأَهْلِهِ) الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ إذْلَالُ الْمَسْجِدِ بِوَطْءِ أَهْلِهِ فَوْقَهُ (قَوْلُهُ: فَوْقَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ يَعْنِي الْمُعَدَّ لِلْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْدَثُ عَنْهُ وَأَوْلَى مَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ، وَمَفْهُومٌ بِالْأَهْلِ أَنَّ السُّكْنَى فَوْقَهُ بِغَيْرِ الْأَهْلِ جَائِزَةٌ بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ جَوَازِ سُكْنَى الرَّجُلِ الْمُتَجَرِّدِ لِلْعِبَادَةِ فِيهِ، وَمَفْهُومُ فَوْقِهِ إنَّ السُّكْنَى تَحْتَهُ جَائِزَةٌ مُطْلَقًا بِالْأَهْلِ وَغَيْرِهِ بَنَى الْمَسْجِدَ لِلْكِرَاءِ أَوْ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنْ بَنَى إلَخْ) وَذَلِكَ بِأَنْ نَوَى حَالَةَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَوْ قَبْلَهُ بِنَاءَ مَحَلٍّ فَوْقَهُ لِلسُّكْنَى بِالْأَهْلِ أَوْ بَنَى عُلُوًّا وَسُفْلًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ السُّفْلَ مَسْجِدًا لِلَّهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَأَبْقَى الْأَعْلَى سَكَنًا بِالْأَهْلِ (قَوْلُهُ: فَلَا مُعَارَضَةَ) قَالَ بْن أَصْلُ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَارْتَضَاهُ ح، وَأَيَّدَهُ بِنُقُولٍ. اهـ.
وَقَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ الْكَرَاهَةُ هُنَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَنْعِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْجِدُ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِلْكِرَاءِ كَانَ التَّحْبِيسُ سَابِقًا عَلَى السُّكْنَى أَوْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا وَبِهَذَا الْحَمْلِ يَحْصُلُ التَّوَافُقُ بَيْنَ مَا هُنَا، وَمَا يَأْتِي فِي الْمَوَاتِ وَذَكَرَ خش جَوَابًا عَنْ الْمُعَارَضَةِ بِحَمْلِ مَا هُنَا مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مُتَّخَذًا لِلْكِرَاءِ، وَمَا يَأْتِي مِنْ الْمَنْعِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَّخَذٍ لِلْكِرَاءِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً عَلَى الْمُتَّخَذِ لِلْكِرَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا بَيْنَ كَوْنِ السُّكْنَى بَعْدَ التَّحْبِيسِ أَوْ قَبْلَهُ فَهَذِهِ أَجْوِبَةٌ ثَلَاثَةٌ عَنْ الْمُعَارَضَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلنَّقْلِ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا.

(قَوْلُهُ: تَتَقَوَّمُ) بِفَتْحِ التَّاءَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَازِمٌ لَا يُبْنَى لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَهَا قِيمَةٌ شَرْعًا لَوْ تَلِفَتْ) أَيْ لِكَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهَا) أَيْ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِسْكِ وَالزُّبَّادِ. وَقَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا لِلشَّمِّ أَيْ؛ لِأَنَّ شَمَّ رَائِحَةِ مَا ذَكَرَ لَا قِيمَةَ لَهُ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الْمَشْمُومِ وَالتَّأْثِيرُ فِيهِ إنْ وُجِدَ إنَّمَا هُوَ مِنْ مُرُورِ الزَّمَنِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالسِّرَاجُ لِلِاسْتِصْبَاحِ) أَيْ وَكَذَا لَا يَجُوزُ كِرَاءُ شَمْعٍ لِلْمَشْيِ بِهِ فِي الزِّفَافِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ كَالْمُسَمَّى فِي مِصْرَ بِشَمْعِ الْقَاعَةِ (قَوْلُهُ: قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا) أَيْ حِسًّا أَوْ شَرْعًا فَقَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ وَبَعِيدِ غَيْبَةٍ مُحْتَرَزُ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ اسْتِئْجَارُ الْأَخْرَسِ لِلتَّكَلُّمِ وَالْأَعْمَى لِلْكِتَابَةِ، وَأَشَارَ الْمُحْتَرَزُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ أَوْ شَيْءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْمُؤَجِّرِ وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِنَا وَشَرْعًا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَلَا حَظْرَ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفُ مُحْتَرَزِهِ مِنْ هُنَا

الصفحة 19