كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

أَوْ بَعِيدِ غَيْبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ) أَيْ ذَاتٍ (قَصْدًا) احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ اسْتِئْجَارِ شَجَرٍ لِأَكْلِ ثَمَرِهِ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةَ الظِّئْرِ لِلرَّضَاعِ (وَلَا حَظْرَ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ اسْتِئْجَارِ شَخْصٍ لِعَصْرِ خَمْرٍ أَوْ رَقْصٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ (وَ) بِلَا (تَعَيُّنٍ) يَأْتِي بَيَانُهُ، وَمُحْتَرَزُهُ (وَلَوْ مُصْحَفًا) لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ فَيَصِحُّ إجَارَتُهُ لَهَا وَيَجُوزُ ابْتِدَاءً خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ (وَ) لَوْ (أَرْضًا غَمَرَ) أَيْ كَثُرَ (مَاؤُهَا وَنَدَرَ انْكِشَافُهُ) هُوَ مَحَلُّ الْمُبَالَغَةِ إذْ لَوْ كَانَ شَأْنُهَا الِانْكِشَافُ فَلَا نِزَاعَ فِي الْجَوَازِ كَمَا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي الْمَنْعِ إذَا كَانَتْ لَا تَنْكَشِفُ (وَ) لَوْ (شَجَرًا لِتَجْفِيفٍ) لِنَحْوِ ثِيَابٍ (عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا تَتَأَثَّرُ بِهِ وَيُنْقِصُ قُوَّتَهَا فَهِيَ مَنْفَعَةٌ تَتَقَوَّمُ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى الْأَحْسَنِ) يُغْنِي عَنْهُ الْمُبَالَغَةُ.

ثُمَّ أَشَارَ إلَى مُحْتَرَزِ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقُيُودِ فَذَكَرَ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا بِقَوْلِهِ (لَا) اسْتِئْجَارُ شَجَرٍ (لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ أَوْ) اسْتِئْجَارُ (شَاةٍ لِلَبَنِهَا) أَيْ لِأَخْذِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اشْتَرَى لَبَنَ شَاةٍ أَوْ شَاتَيْنِ غَيْرِ مُعَيَّنَتَيْنِ جُزَافًا مِنْ شِيَاهٍ كَثِيرَةٍ عِنْدَ الْبَائِعِ كَعَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ مُتَسَاوِيَةٍ فِي اللَّبَنِ عَادَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ مُلْتَبِسَةً بِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا، وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ أَصْلًا أَوْ كَانَ هُنَاكَ اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَالْأُولَى كَإِجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ وَالثَّانِي كَإِجَارَةِ الشَّجَرِ لِلتَّجْفِيفِ عَلَيْهَا وَكَإِجَارَةِ الشَّاةِ لِلَّبَنِ فَإِنَّ فِيهِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ، وَهُوَ ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْصُودٍ. (قَوْلُهُ: اسْتِئْجَارِ شَجَرٍ لِأَكْلِ ثَمَرِهِ) أَيْ أَوْ شَاةٍ لِأَخْذِ نِتَاجِهَا أَوْ صُوفِهَا (قَوْلُهُ: مَسْأَلَةَ الظِّئْرِ لِلرَّضَاعِ) وَكَذَا مَسْأَلَةُ اسْتِئْجَارِ أَرْضٍ فِيهَا بِئْرٌ أَوْ عَيْنٌ، وَمَسْأَلَةُ اسْتِئْجَارِ شَاةٍ لِلَبَنِهَا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ كَمَا يَأْتِي فَإِنَّ فِيهَا اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا، وَهُوَ اللَّبَنُ وَالْمَاءُ (قَوْلُهُ: وَلَا حَظْرَ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَنْعَ أَيْ وَحَالَةَ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ مُلْتَبِسَةً بِعَدَمِ الْحَظْرِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ) أَيْ كَاسْتِئْجَارِ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ كَافِرٍ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ كَمَا يَأْتِي وَكَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى اسْتِصْنَاعِ آنِيَةٍ مِنْ نَقْدٍ (قَوْلُهُ: وَبِلَا تَعَيُّنٍ) أَيْ وَحَالَ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ مُلْتَبِسَةً بِعَدَمِ التَّعَيُّنِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُصْحَفًا) مُبَالَغَةً فِي الصِّحَّةِ إذَا تَوَافَرَتْ الشُّرُوطُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ أَيْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ إذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهَا هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ غَيْرَ مُصْحَفٍ بَلْ، وَلَوْ كَانَ مُصْحَفًا.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ) حَيْثُ قَالَ بِمَنْعِ إجَارَتِهِ لَا بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ إجَارَتَهُ كَالثَّمَنِ لِلْقُرْآنِ وَبَيْعَهُ ثَمَنٌ لِلْوَرَقِ وَالْخَطِّ، وَقَدْ رَدَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِلَوْ لَكِنْ مُقْتَضَى الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْجَوَازِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي مَحْذُوفٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ إذَا تَوَافَرَتْ الشُّرُوطُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُؤَجَّرُ غَيْرَ مُصْحَفٍ بَلْ، وَلَوْ كَانَ مُصْحَفًا، وَمَحَلُّ جَوَازِ إجَارَتِهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُؤَجِّرُ بِإِجَارَتِهِ التَّجْرَ، وَإِلَّا كُرِهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرْضًا غَمَرَ مَاؤُهَا) أَيْ كَثُرَ مَاؤُهَا حَتَّى عَلَاهَا، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ نَقْدُ الْأُجْرَةِ بِشَرْطٍ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ نَقْدٌ أَصْلًا أَوْ حَصَلَ تَطَوُّعًا، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ النَّقْدُ بِشَرْطٍ فَسَدَ الْعَقْدُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي بْن خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ النَّقْدُ، وَلَوْ تَطَوُّعًا مُنِعَ

(قَوْلُهُ: أَوْ اسْتِئْجَارُ شَاةٍ لِلَبَنِهَا) كَأَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ أَسْتَأْجِرُ بَقَرَتَك مُدَّةَ الشِّتَاءِ بِكَذَا لِأَخْذِ لَبَنِهَا وَكَذَا إذَا قُلْت لَهُ أَشْتَرِي لَبَنَهَا مُدَّةَ الشِّتَاءِ بِكَذَا وَكُلْفَتُهَا مِنْ عِنْدِي فَإِذَا انْقَضَى الشِّتَاءُ رَدَدْتُهَا إلَيْك كَمَا يَقَعُ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا، وَإِطْلَاقُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْعَقْدِ عَلَى الشَّجَرِ لِأَخْذِ ثَمَرِهِ وَعَلَى الْعَقْدِ عَلَى الشَّاةِ لِأَخْذِ لَبَنِهَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا بَيْعُ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهِمَا بَيْعُ ذَاتٍ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِمَا فِي مُحْتَرَزٍ بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُمَا هُنَا نَظَرًا لِمَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ وَعَبَّرَا بِهِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اشْتَرَى لَبَنَ شَاةٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ شِرَاءَ لَبَنِ الشَّاةِ فِي ضَرْعِهَا لَا يَكُونُ مَمْنُوعًا مُطْلَقًا بَلْ تَارَةً يَكُونُ مَمْنُوعًا كَمَا مَرَّ وَتَارَةً يَكُونُ جَائِزًا بِشُرُوطٍ عَشَرَةٍ إنْ اشْتَرَاهُ جُزَافًا كَأَنْ يَقُولَ لِذِي أَغْنَامٍ كَثِيرَةٍ أَشْتَرِي مِنْك لَبَنَ شَاةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الشِّيَاهِ آخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّةَ شَهْرٍ وَبِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ إنْ اشْتَرَاهُ عَلَى الْكَيْلِ، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ جُزَافًا فَلَا بُدَّ فِي الْجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ الْمُشْتَرَى لَبَنُهَا قَلِيلَةً، وَأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ شِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَأَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ، وَأَنْ تَكُونَ مُتَسَاوِيَةَ اللَّبَنِ عَادَةً، وَأَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فِي إبَّانِ الْحِلَابِ، وَأَنْ يَعْرِفَ قَدْرَ حِلَابِ الْجَمِيعِ، وَأَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ لِأَجَلٍ لَا يَنْقُصُ اللَّبَنُ قَبْلَهُ، وَأَنْ يَشْرَعَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَخْذِ يَوْمَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ وَأَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ سَلَمٌ (قَوْلُهُ: مِنْ شِيَاهٍ كَثِيرَةٍ إلَخْ) إنَّمَا اشْتَرَطَ التَّعَدُّدَ بِكَثْرَةٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُتَعَدِّدَ الْكَثِيرَ لَا يَمُوتُ كُلُّهُ فِي وَقْتٍ فَإِذَا مَاتَ الْبَعْضُ بَقِيَ الْبَعْضُ الْمُوَفَّى قَالَ طفى وَتَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِشِرَاءِ شَاةٍ أَوْ شَاتَيْنِ غَيْرِ مُعَيَّنَتَيْنِ مِنْ الْكَثِيرِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ عج تَبَعًا لِجَدِّهِ خَطَأٌ بَلْ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْجَوَازَ الْمَشْرُوطَ بِالشُّرُوطِ جَوَازُ شِرَاءِ لَبَنِ الْغَنَمِ الْكَثِيرَةِ كَالْعَشَرَةِ كَأَنْ يَقُولَ لِشَخْصٍ أَشْتَرِي مِنْك لَبَنَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ شِيَاهٍ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّةَ شَهْرٍ بِكَذَا فَيَجُوزُ إنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ وَكَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي اللَّبَنِ وَكَانَ الشِّرَاءُ فِي إبَّانِ الْحِلَابِ، وَأَنْ يَعْرِفَ الْمُشْتَرِي قَدْرَ حِلَابِهَا، وَأَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ لِأَجَلٍ لَا يَنْقُصُ اللَّبَنُ قَبْلَهُ، وَأَنْ يَشْرَعَ فِي أَخْذِ اللَّبَنِ

الصفحة 20