كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَلَوْ قَالَ دَابَّتُك الْبَيْضَاءُ أَوْ الْحَمْرَاءُ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا لِاحْتِمَالِ إبْدَالِهَا مَا لَمْ يَقُلْ هَذِهِ أَوْ الَّتِي رَأَيْتهَا مَعَك بِالْأَمْسِ بِعَيْنِهَا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ، وَمَحْمِلٍ وَدَابَّةٍ وَسَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا إنْ لَمْ تُوصَفْ وَتَعَيَّنَتْ بِالْإِشَارَةِ، وَإِلَّا فَمَضْمُونَةٌ

(وَلَيْسَ لِرَاعٍ) اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رَعْيِ غَنَمٍ (رَعْيُ) غَنَمٍ (أُخْرَى) مَعَهَا (إنْ لَمْ يَقْوَ) عَلَى رَعْيِ الْأُخْرَى مَعَهَا لِغَيْرِ رَبِّهَا لِكَثْرَتِهَا (إلَّا بِمُشَارِكٍ) يُعَاوِنُهُ فَلَهُ رَعْيُ أُخْرَى مَعَ الْأُولَى (أَوْ تَقِلُّ) الْأُولَى بِحَيْثُ يَقْوَى عَلَى رَعْيِ الْأُخْرَى مَعَهَا (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) عَلَيْهِ رَبُّ الْأُولَى (خِلَافَهُ) أَيْ عَدَمَ رَعْيِ غَيْرِهَا فَلَهُ رَعْيُ أُخْرَى، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ قَلَّتْ وَاشْتَرَطَ رَبُّهَا عَلَيْهِ عَدَمَ رَعْيِ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ رَعْيُ الْأُخْرَى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ شَرَطَ خِلَافَهُ أَيْ عَدَمَ رَعْيِ غَيْرِهَا فَتَجَرَّأَ وَرَعَى غَيْرَهَا مَعَهَا (فَأَجْرُهُ) لِمَا رَعَى مِنْ غَيْرِهَا (لِمُسْتَأْجِرِهِ) أَيْ رَبِّ الْغَنَمِ الْأُولَى (كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ آجَرَ نَفْسَهُ) حَتَّى فَوَّتَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضَهُ فَأُجْرَتُهُ تَكُونُ لِمُسْتَأْجِرِهِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ أَسْقَطَ عَنْ نَفْسِهِ أُجْرَةَ مَا فَوَّتَهُ فَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا بِأَنْ وَفَّى لَهُ بِجَمِيعِ مَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ فَلَا كَلَامَ لَهُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَأَجْرُهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ وَقَوْلُهُ: آجَرَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ مَجَّانًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ كِرَائِهِ بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا عَمِلَ (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الرَّاعِيَ (رَعْيُ الْوَلَدِ) الَّذِي تَلِدُهُ الْغَنَمُ فَعَلَى رَبِّهَا أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِرَاعٍ آخَرَ لِرَعْيِهَا أَوْ يَجْعَلَ لِلْأَوَّلِ أُجْرَةً فِي نَظِيرِ رَعْيِ الْأَوْلَادِ (إلَّا لِعُرْفٍ) فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ.

(وَعُمِلَ بِهِ) أَيْ بِالْعُرْفِ أَيْضًا (فِي الْخَيْطِ) فِي كَوْنِهِ عَلَى الْخَيَّاطِ أَوْ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ (وَ) فِي (نَقْشِ الرَّحَى) الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلطَّحْنِ فِي كَوْنِهِ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ (وَ) فِي (آلَةِ بِنَاءٍ) فَيُقْضَى بِمَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الْعُرْفُ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ عُرْفٌ فِيمَا ذَكَرَ (فَعَلَى رَبِّهِ) أَيْ رَبِّ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ مِنْ ثَوْبٍ وَدَقِيقٍ وَجِدَارٍ وَذَلِكَ (عَكْسُ إكَافٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَكِتَابٍ وَتُضَمُّ كَغُرَابٍ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ بَرْذَعَةٍ أَوْ شَيْءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى رَبِّهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إلَخْ) مُبَالَغَةً فِي عَدَمِ الْفَسْخِ وَلُزُومِ رَبِّهَا الْخَلَفُ (قَوْلُهُ: لَا يُفِيدُ ذَلِكَ) أَيْ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا قَالَ دَابَّتَك الْبَيْضَاءَ أَوْ الْحَمْرَاءَ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَضْمُونَةِ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهَا لِعَدَمِ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَ قَوْلَهُ إنْ لَمْ تُوصَفْ مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ، وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ وَنَوْعٌ وَذُكُورَةٌ إنْ لَمْ تُوصَفْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَضْمُونَةَ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا إمَّا بِذِكْرِ الْجِنْسِ، وَمَا مَعَهُ، وَإِمَّا بِالْوَصْفِ (قَوْلُهُ: وَمَحْمِلٌ وَدَابَّةٌ وَسَفِينَةٌ) أَيْ وُعِّينَ مَحْمِلٌ وَدَابَّةٌ وَسَفِينَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَضْمُونَةٌ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ بِالْإِشَارَةِ بَلْ بِذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ أَوْ بِالْوَصْفِ فَمَضْمُونَةٌ.

(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَقْوَ) أَيْ وَجَازَ إنْ قَوِيَ كَأَنْ تَقِلَّ أَوْ يَكُونَ مَعَهُ مُشَارِكٌ يُعَاوِنُهُ كَمَا قَالَ بَعْدُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي رَاعٍ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رَعْيِ عَدَدٍ مِنْ الْغَنَمِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَأَمَّا رَاعٍ مَلَكَ جَمِيعَ عَمَلِهِ فَأَجِيرُ خِدْمَةٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا قَوِيَ عَلَى الْأُخْرَى أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بِمُشَارِكٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِرَاعٍ رَعْيُ أُخْرَى مَعَ شَرْطِهِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لِرَاعٍ انْتَفَتْ قُوَّتُهُ رَعْيُ أُخْرَى إلَّا بِمُشَارِكٍ يُعَاوِنُهُ عَلَى الرَّعْيِ فَيَجُوزُ لَهُ رَعْيُ الْأُخْرَى مَعَ الْأُولَى، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الشَّرْطِ وَحْدَهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ قُوَّتِهِ بِمُشَارِكٍ مَعَ أَنَّ الْمُشَارِكَ لَيْسَ سَبَبًا فِي عَدَمِ الْقُوَّةِ وَقَوْلُهُ: إلَّا بِمُشَارِكٍ أَوْ تَقِلَّ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ اعْتِبَارِهِ لَهُ لِأَجْلِ تَقْيِيدِهِ بِالْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ خِلَافَهُ.
(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَقْوَى عَلَى رَعْيِ الْأُخْرَى) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْأُخْرَى كَثِيرَةً (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إلَّا بِمُشَارِكٍ أَوْ تَقِلُّ خِلَافًا لِظَاهِرِ الشَّارِحِ مِنْ رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ أَوْ تَقِلُّ فَقَطْ أَيْ إلَّا بِمُشَارِكٍ أَوْ تَقِلُّ الْأُولَى وَالْحَالُ أَنَّ رَبَّ الْغَنَمِ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الرَّاعِي خِلَافَهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مُعَاوِنٌ يُعَاوِنُهُ أَوْ قَلَّتْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ عَدَمَ رَعْيِ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ رَعْيُ أُخْرَى (قَوْلُهُ: فَأَجْرُهُ لِمُسْتَأْجَرِهِ) أَيْ تَخْيِيرًا وَإِنْ شَاءَ نَقَصَهُ مُسْتَأْجِرُهُ الْأَوَّلُ مِنْ مُسَمَّاهُ مَا نَقَصَ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ مَا أُجْرَتُهُ عَلَى رَعْيِهَا وَحْدَهَا فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةً مَثَلًا قِيلَ، وَمَا أُجْرَتُهُ إذَا كَانَ يَرْعَاهَا مَعَ غَيْرِهَا فَإِذَا قِيلَ ثَمَانِيَةً فَقَدْ نَقَصَ الْخُمُسُ فَيُخَيَّرُ مُسْتَأْجِرُهُ بَيْنَ أَنْ يَنْقُصَهُ خُمُسَ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ أَخْذِ مَا آجَرَ بِهِ نَفْسَهُ وَيَدْفَعُ لَهُ الْمُسَمَّى بِتَمَامِهِ وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا) أَيْ فَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى الْأَوَّلِ شَيْئًا مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ كِرَائِهِ) أَيْ لِلْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا عَمِلَ أَيْ لِلثَّانِي (قَوْلُهُ: بِرَاعٍ آخَرَ لِرَعْيِهَا) أَيْ لِيَرْعَاهَا مَعَ رَاعِي الْأُمَّهَاتِ لَا مُنْفَرِدًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُقَيِّدُ مَا أَطْلَقَاهُ وَيُفَسِّرُ مَا أَجْمَلَاهُ وَيَكُونُ شَاهِدًا لِمَنْ ادَّعَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَعُمِلَ بِهِ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِهِ (قَوْلُهُ: فِي كَوْنِهِ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ مَالِكِ الرَّحَى (قَوْلُهُ: فَيُقْضَى بِمَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ) أَيْ فَإِنْ جَرَى بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الْخَيَّاطُ وَالطَّحَّانُ وَالْبَنَّاءُ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَإِنْ جَرَى بِأَنَّهُ عَلَى رَبِّ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَدَقِيقٍ) جَعْلُ النَّقْشِ عَلَى صَاحِبِ الدَّقِيقِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ صَاحِبَ الطَّاحُونِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا يَطْحَنُ لَهُ فِيهَا دَقِيقَهُ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ الطَّاحُونَ لِيَطْحَنَ فِيهَا لِلنَّاسِ أَوْ لِنَفْسِهِ كَانَ النَّقْشُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ عَلَى صَاحِبِهَا لَا عَلَى صَاحِبِ الدَّقِيقِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ النَّقْشُ

الصفحة 23