كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُفَرِّطَ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا شُرِطَ أَوْ كُتِبَ عَلَى الْخُفَرَاءِ فِي الْحَارَاتِ وَالْأَسْوَاقِ مِنْ الضَّمَانِ (وَلَوْ حَمَّامِيًّا) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا ضَاعَ مِنْ الثِّيَابِ مَا لَمْ يُفَرِّطْ، وَمِنْ التَّفْرِيطِ مَا لَوْ قَالَ رَأَيْت رَجُلًا يَلْبَسُهَا فَظَنَنْت أَنَّهُ صَاحِبُهَا.

(وَأَجِيرٍ) لِصَانِعٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَأَنْ يَعْمَلَ بِحَضْرَةِ صَانِعِهِ أَمْ لَا (كَسِمْسَارٍ) يَطُوفُ بِالسِّلَعِ فِي الْأَسْوَاقِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (إنْ ظَهَرَ خَيْرُهُ) أَيْ أَمَانَتُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQطَعَامًا تُسْرِعُ لَهُ الْأَيْدِي وَادَّعَى تَلَفَهُ أَوْ ضَيَاعَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ رَبُّهُ، وَلَمْ يَكُنْ التَّلَفُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ حَضْرَةِ وَكِيلِهِ، وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِصِدْقِهِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ غَيْرَ طَعَامٍ أَوْ كَانَ طَعَامًا لَا تُسْرِعُ إلَيْهِ الْأَيْدِي أَوْ تُسْرِعُ لَهُ الْأَيْدِي وَصَدَّقَهُ رَبُّهُ فِي دَعْوَى تَلَفِهِ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى تَلَفِهِ أَوْ كَانَ التَّلَفُ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ أَوْ وَكِيلِهِ.
وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ بِالْفَتْحِ عَلَى حَمْلٍ إذَا تَعَدَّى عَلَى الْمَحْمُولِ وَضَمِنَ فَإِنَّ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِسَابِ مَا سَارَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجَرُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا كِرَاءَ لَهُ قَالَ بْن: وَهَذَا الْكَلَامُ أَصْلُهُ لِلشَّيْخِ يُوسُفَ الْفِيشِيِّ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَمْ يُوَافِقْ قَوْلًا مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي مَسْأَلَةِ تَلَفِ الْمَحْمُولِ، وَهِيَ لَهُ الْكِرَاءُ مُطْلَقًا وَيَلْزَمُهُ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ أَوْ بِسَمَاوِيٍّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ الثَّانِي لَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ إنْ هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ، وَإِنْ هَلَكَ بِسَمَاوِيٍّ فَلَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ وَيَلْزَمُهُ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَحَلِّ الْهَلَاكِ. وَالرَّابِعُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إنْ هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ فَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَإِنْ هَلَكَ بِسَمَاوِيٍّ فَلَهُ الْكِرَاءُ وَيَلْزَمُهُ حَمْلُ مِثْلِهِ، وَظَاهِرُهُ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ ضَمِنَ أَوْ لَا كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ وَالْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي قَدْ جَرَى عَلَى الْأَوَّلِ لِتَشْهِيرِ ابْنِ رُشْدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ، وَفُسِخَتْ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا بِهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَلِفَ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمِثْلِ مَا هَلَكَ بِحَمْلِهِ وَلَهُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) أَيْ بِأَنْ يَقَعَ مِنْهُ خِيَانَةٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ يُفَرِّطَ أَيْ بِأَنْ نَامَ اخْتِيَارًا فِي وَقْتٍ لَا يَنَامُ فِيهِ الْحَارِسُ أَوْ تَرَكَ الْعَسَّ فِي وَقْتٍ يَعُسُّ فِيهِ الْحَارِسُ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى إلَخْ أَيْ أَوْ يَجْعَلَ حَارِسًا لَا يُعَاشِرُهُ، وَإِلَّا ضَمِنَ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَا شُرِطَ أَوْ كُتِبَ عَلَى الْخُفَرَاءِ فِي الْحَارَاتِ وَالْأَسْوَاقِ مِنْ الضَّمَانِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَلْزَمُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ مَنْ الْتَزَمَ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانَ وَرَضَوْا بِهِ يَضْمَنُونَ لِالْتِزَامِهِمْ الضَّمَانَ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْإِجَارَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَعْرُوفًا، إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّرْطَ مَتَى كَانَ فِي مَقَامِ عَقْدٍ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا وَلِأَنَّ ضَمَانَهُمْ حِينَ إجَارَتِهِمْ ضَمَانٌ بِجُعَلٍ فَيَكُونُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ. اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُفَرَاءَ جَمْعُ خَفِيرٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، يُقَالُ خَفَرَهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ حَرَسَهُ وَأَخْفَرَهُ نَقَضَ عَهْدَهُ فَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَمَّامِيًّا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْحَارِسُ غَيْرَ حَمَّامِيٍّ بَلْ، وَلَوْ كَانَ حَمَّامِيًّا وَرَدَّ بِلَوْ عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِضَمَانِهِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْحَمَّامِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُفَرِّطْ) أَيْ أَوْ يَدْفَعْ لَهُ الشَّخْصُ الثِّيَابَ رَهْنًا عَلَى الْأُجْرَةِ، وَإِلَّا ضَمِنَهَا الْحَارِسُ ضَمَانَ الرِّهَانِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْمَذْهَبِ عَدَمُ تَضْمِينِ الْخُفَرَاءِ وَالْحُرَّاسِ وَالرُّعَاةِ وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَضْمِينَهُمْ نَظَرًا لِكَوْنِهِ مِنْ
الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَأَجِيرٍ لِصَانِعٍ) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ عِنْدَ صَانِعٍ أَيْ، وَأَمَّا الصَّانِعُ نَفْسُهُ فَسَيَأْتِي ضَمَانُهُ ثُمَّ إنَّ أَجِيرَ الصَّانِعِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا لِلصَّانِعِ، وَلَا لِرَبِّ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ الَّذِي تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ لِلصَّانِعِ مَا لَمْ يُفَرِّطْ، وَقَوْلُهُ: كَأَنْ يَعْمَلَ بِحَضْرَةِ صَانِعِهِ أَمْ لَا أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ غَابَ عَلَى مَصْنُوعِهِ أَمْ لَا، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْغَسَّالِ تَكْثُرُ عِنْدَهُ الثِّيَابُ فَيُؤَاجِرُ آخَرَ يَبْعَثُهُ لِلْبَحْرِ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَغْسِلُهُ فَيَدَّعِي تَلَفَهُ أَنَّهُ ضَامِنٌ. اهـ. وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ يُفِيدُ أَنَّ كَلَامَ أَشْهَبَ تَقْيِيدٌ لِلْمَشْهُورِ لَا مُقَابِلٌ لَهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِمَا إذَا لَمْ يَغِبْ الْأَجِيرُ عَنْ الصَّانِعِ بِالشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ خِلَافًا لتت الْقَائِلِ إنَّ كَلَامَ أَشْهَبَ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ، وَهُوَ عَدَمُ ضَمَانِ أَجِيرِ الصَّانِعِ مُطْلَقًا اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: يَطُوفُ بِالسِّلَعِ فِي الْأَسْوَاقِ) أَيْ لِلْمُزَايَدَةِ، احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ السِّمْسَارِ الْجَالِسِ فِي حَانُوتِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا ظَهَرَ خَيْرُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ السِّلَعَ عِنْدَهُ فَصَارَ كَالصَّانِعِ (قَوْلُهُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ خَيْرُهُ) أَيْ إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَقَوْلُهُ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْ لَا فِي الثَّوْبِ مَثَلًا، وَلَا فِي ثَمَنِهَا إذَا ضَاعَا، وَلَا فِيمَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ تَمْزِيقٍ أَوْ خَرْقٍ بِسَبَبِ نَشْرٍ أَوْ طَيٍّ إذَا

الصفحة 26