كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(وَإِنْ) عَمِلَهُ الصَّانِعُ (بِبَيْتِهِ أَوْ) عَمِلَهُ (بِلَا أَجْرٍ) وَسَوَاءٌ تَلِفَ بِصَنْعَتِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَنْعَتِهِ تَغْرِيرٌ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ، وَكَذَا الْخِتَانُ وَالطِّبُّ فَلَا ضَمَانَ إلَّا بِالتَّفْرِيطِ.

وَأَشَارَ لِشُرُوطِ ضَمَانِ الصَّانِعِ بِقَوْلِهِ (إنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ) لِعُمُومِ النَّاسِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ خَاصٍّ بِشَخْصٍ أَوْ بِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ (وَغَابَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى السِّلْعَةِ الْمَصْنُوعَةِ بِأَنْ صَنَعَهَا بِغَيْرِ حُضُورِ رَبِّهَا وَبِغَيْرِ بَيْتِهِ فَإِنْ صَنَعَهَا بِبَيْتِهِ، وَلَوْ بِغَيْرِ حُضُورِهِ أَوْ صَنَعَهَا بِحُضُورِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ كَسَرِقَةٍ أَوْ تَلَفٍ بِنَارٍ مَثَلًا بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ نَشَأَ عَنْ فِعْلِهِ مِمَّا فِيهِ تَغْرِيرٌ كَمَا مَرَّ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَصْنُوعُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ لَا نَحْوَ عَبْدٍ يُرْسِلُهُ سَيِّدُهُ لِلْمُعَلِّمِ فَيَدَّعِي هُرُوبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَابَ عَلَيْهَا، وَإِذَا ضَمِنَ الصَّانِعُ (فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ دَفْعِهِ) إلَّا أَنْ يُرَى عِنْدَهُ بَعْدَهُ فَلِآخِرِ رُؤْيَةٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الصَّانِعُ أَنَّهُ تَلِفَ أَوْ ضَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ إذْ ذَاكَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الدَّفْعِ أَوْ الرُّؤْيَةِ فَيَغْرَمُهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَبَالَغَ عَلَى الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ شَرَطَ) الصَّانِعُ (نَفْيَهُ) أَيْ نَفْيَ الضَّمَانِ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ (أَوْ) (دَعَا) الصَّانِعُ رَبَّهُ (لِأَخْذِهِ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَنْعَتِهِ فَتَرَاخَى رَبُّهُ فَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَيَضْمَنُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَقْبِضْ الصَّانِعُ أُجْرَتَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَاءٌ كَانَ عَمَلُ الْمَصْنُوعِ يَحْتَاجُ لَهُ أَمْ لَا وَالثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ كَمَا يَضْمَنُ مَصْنُوعَهُ يَضْمَنُ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ حُضُورِهِ عِنْدَهُ، سَوَاءٌ احْتَاجَ لَهُ الصَّانِعُ أَوْ الْمَصْنُوعُ وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْمَوَّازِ كَمَا يَضْمَنُ الْمَصْنُوعَ يَضْمَنُ مَا يَحْتَاجُ لَهُ فِي عَمَلِهِ مِثْلَ الْكِتَابِ الْمُنْتَسَخِ مِنْهُ دُونَ مَا يَحْتَاجُ لَهُ الْمَعْمُولُ كَظَرْفِ الْقَمْحِ هَكَذَا فِي التَّوْضِيحِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ عَنْ الْبَيَانِ وَاَلَّذِي عَزَاهُ الْمَوَّاقُ لِابْنِ الْمَوَّازِ الثَّانِي وَذَكَرَ أَنَّ اللَّخْمِيَّ اخْتَارَهُ ثُمَّ قَالَ فَانْظُرْ مَنْ رَجَّحَ الْقَوْلَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. اهـ. بْن.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ بِبَيْتِهِ) أَيْ هَذَا إذَا عَمِلَهُ الصَّانِعُ فِي حَانُوتِهِ بَلْ، وَإِنْ عَمِلَهُ فِي بَيْتِهِ أَيْ بَيْتِ نَفْسِهِ وَبَالَغَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِمَا يَتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ ضَمَانِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَمِلَهُ فِي بَيْتِهِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُنَصِّبْ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِلنَّاسِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَنْعَتِهِ تَغْرِيرٌ) أَيْ تَعْرِيضٌ لِلْإِتْلَافِ، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَضَمِنَ صَانِعٌ فِي مَصْنُوعِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ، وَإِلَّا أَنْ يَحْضُرَهُ بِشَرْطِهِ لِأَجْلِ أَنْ تَكُونَ الْحَالَاتُ الَّتِي لَا يَضْمَنُ فِيهَا مُجْتَمِعَةً بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ أَوْ يَأْتِيَ بِهَذَا شَرْطًا رَابِعًا لِلضَّمَانِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَصْنُوعُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الصَّنْعَةِ تَغْرِيرٌ (قَوْلُهُ: كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ) وَكَذَا خَبْزُ الْعَيْشِ فِي الْفُرْنِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْخِتَانُ وَالطِّبُّ) فَإِذَا خَتَنَ الْخَاتِنُ صَبِيًّا أَوْ سَقَى الطَّبِيبُ مَرِيضًا دَوَاءً أَوْ قَطَعَ لَهُ شَيْئًا أَوْ كَوَاهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا فِي مَالِهِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ تَغْرِيرٌ فَكَأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الَّذِي عَرَّضَهُ لِمَا أَصَابَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْخَاتِنُ أَوْ الطَّبِيبُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ فَإِذَا كَانَ أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عُوقِبَ، وَفِي كَوْنِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ فِي مَالِهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي لِمَالِكٍ، وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ عَمْدًا.
(قَوْلُهُ: فَلَا ضَمَانَ) مَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ بِالْفِعْلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ، وَأَتَى بِهَا تَالِفَةً أَمَّا لَوْ ادَّعَى ضَيَاعَهَا أَوْ تَلَفَهَا، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا فَالضَّمَانُ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَقَوْلُهُ: إلَّا بِالتَّفْرِيطِ أَيْ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَالَجَهَا عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَعْهُودِ فِي عِلَاجِهَا.

(قَوْلُهُ: أَوْ صَنَعَهَا بِحُضُورِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ بَيْتِهِ وَقَوْلُهُ: كَسَرِقَةٍ أَيْ أَوْ غَصْبٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَلِفَ بِنَارٍ مَثَلًا أَوْ مَطَرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ نَشَأَ عَنْ فِعْلِهِ مِمَّا فِيهِ تَغْرِيرٌ) أَيْ، وَأَمَّا مَا نَشَأَ عَنْ فِعْلِهِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَغْرِيرٌ كَقَطْعِ ثَوْبٍ أَوْ إحْرَاقِهِ مِنْ الْمَكْوِيِّ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ دَحُونٍ الْقَائِلِ بِعَدَمِ ضَمَانِ مَا صَنَعَ بِحَضْرَةِ رَبِّهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ تَلَفُهُ بِمَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ أَوْ بِمَا نَشَأَ مِنْ فِعْلِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَابَ عَلَيْهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْبَةِ عَلَى الْمَصْنُوعِ أَنْ لَا يَعْمَلَهُ فِي بَيْتِ رَبِّهِ، وَلَا بِحَضْرَتِهِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُوجَدُ الشَّرْطَانِ مَعًا وَقَدْ يُوجَدُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَدْ يَرْتَفِعَانِ (قَوْلُهُ: فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ) أَيْ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ رَبُّهُ إلَيْهِ وَبِالْمَوْضِعِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ الَّذِي تَلِفَ بِالْغَرَرِ الْفِعْلِيِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمَوْضِعِ التَّلَفِ كَمَا مَرَّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَصْنُوعٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ فَلَوْ أَرَادَ رَبُّهُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا لَمْ يَجِبْ لِذَلِكَ كَمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ الصَّانِعُ أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُنَاقِضٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَقَوْلُهُ: وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ أَيْ إذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، ثُمَّ مَحَلُّ الْفَسَادِ بِالشَّرْطِ مَا لَمْ يُسْقِطْهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْعَمَلِ، وَإِلَّا صَحَّ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ: أَوْ دَعَا الصَّانِعُ رَبَّهُ لِأَخْذِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَنْعَتِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إحْضَارٍ لَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَقْبِضْ إلَخْ) أَيْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَحَلُّ ضَمَانِهِ إذَا دَعَاهُ لِأَخْذِهِ فَتَرَاخَى فَادَّعَى ضَيَاعَهُ إنْ لَمْ يَقْبِضْ الصَّانِعُ أُجْرَتَهُ إلَخْ

الصفحة 28