كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَأَمَّا إنْ عَفَا الْمُسْتَأْجِرُ فَتَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ الْأُجْرَةُ.

(وَ) فُسِخَتْ (بِغَصْبِ الدَّارِ) الْمُسْتَأْجَرَةِ (وَغَصْبِ مَنْفَعَتِهَا) إذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ.

(وَ) فُسِخَتْ بِ (أَمْرِ السُّلْطَانِ) أَيْ مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ وَقَهْرٌ (بِإِغْلَاقِ الْحَوَانِيتِ) بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مُسْتَأْجِرُهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَيَلْزَمُ السُّلْطَانَ أُجْرَتُهَا لِرَبِّهَا إذَا كَانَ قَصْدُهُ غَصْبَ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ دُونَ الذَّاتِ (وَ) بِظُهُورِ (حَمْلِ ظِئْرٍ) أَيْ مُرْضِعٍ (أَوْ) حُصُولِ (مَرَضٍ) لَهَا (لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ) إنْ تَحَقَّقَ ضَرَرُ الرَّضِيعِ، وَإِلَّا كَانَ أَهْلُهُ بِالْخِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) بِسَبَبِ (مَرَضِ عَبْدٍ) لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى فِعْلِ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ (وَهَرَبِهِ لِ كَعَدُوٍّ) بِأَرْضِ حَرْبٍ أَوْ مَا نَزَلَ مَنْزِلَتُهَا فِي الْبُعْدِ فَإِنْ هَرَبَ لِقَرِيبٍ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ لَمْ تَنْفَسِخْ لَكِنْ تَسْقُطُ أُجْرَتُهُ مُدَّةَ هَرَبِهِ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ) الْعَبْدُ أَيْ يَعُودَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ هَرَبِهِ (فِي بَقِيَّتِهِ) أَيْ الْعَقْدِ أَيْ زَمَنِهِ فَلَا تَنْفَسِخُ وَيَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ الْعَمَلِ، وَكَذَا الظِّئْرُ تَصِحُّ فَيَلْزَمُهَا بَقِيَّةُ الْعَمَلِ وَيُسْقَطُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا عُطِّلَ زَمَنَ الْمَرَضِ أَوْ الْهَرَبِ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءَ لِقَوْلِهِ وَبِغَصْبِ الدَّارِ، وَمَا بَعْدَهُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَانِعِ فَلَا فَسْخَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْفَسْخِ أَنَّ لَهُ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَلْ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا عُطِّلَ زَمَنَ الْمَانِعِ كَمَا تَقَدَّمَ (بِخِلَافِ مَرَضِ دَابَّةٍ بِسَفَرٍ ثُمَّ تَصِحُّ) فَلَا تَرْجِعُ الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْفَسْخِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ فِي السَّفَرِ بِالصَّبْرِ، وَمِثْلُ الدَّابَّةِ مَرَضُ الْعَبْدِ فِي السَّفَرِ كَمَا أَنَّ الدَّابَّةَ فِي الْحَضَرِ مِثْلُ الْعَبْدِ فِيهِ فَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ جَوَابُ الْإِمَامِ فِيهِمَا لِاخْتِلَافِ السُّؤَالِ عَنْ الْعَبْدِ فِي الْحَضَرِ وَالدَّابَّةِ فِي السَّفَرِ، وَلَوْ عُكِسَ السُّؤَالُ لَكَانَ الْجَوَابُ مَا ذَكَرَ (وَخُيِّرَ) الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ (إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ مَثَلًا الْمُسْتَأْجَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ عَفَا الْمُسْتَأْجِرُ) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ عَفَا الْمُسْتَأْجِرُ وَغَيْرُهُ عَلَى الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: فَتَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ الْأُجْرَةُ) أَيْ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ فَفَائِدَةُ عَدَمِ الْفَسْخِ لُزُومُ الْأُجْرَةِ، وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ قَدْ سَقَطَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ لُزُومِ الْأُجْرَةِ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً كَمَا إذَا عُيِّنَتْ لَهُ الْأُجْرَةُ بِأَنْ قِيلَ لَهُ اقْتَصَّ مِنْ هَذَا وَلَك كَذَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ اقْتَصَّ مِنْ هَذَا، وَأَنَا أُعْطِيك أُجْرَتَك ثُمَّ عَفَا عَنْهُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ: وَبِغَصْبِ الدَّارِ) الدَّارُ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ إذْ مِثْلُهَا غَصْبُ الدَّابَّةِ وَغَصْبُ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ أَوْ غَصْبُ مَنْفَعَتِهَا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ كَانَ حَكِرَ عَلَى بَيْتٍ ثُمَّ غَصَبَهُ فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الْبَيْتِ دَفْعُهُ. اهـ. عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَغَصْبِ مَنْفَعَتِهَا) إنَّمَا صَرَّحَ بِلَفْظِ غَصْبِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِعَطْفِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الدَّارِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ كَوْنِ مَنْفَعَتِهَا مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ فَلَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ إلَّا بِغَصْبِ شَيْئَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ فَسْخِ الْإِجَارَةِ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ غَصْبِ مَنْفَعَتِهَا إذَا شَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ عَلَى إجَارَتِهِ فَإِنْ فَسَخَهَا كَانَ لِمَالِكِ الذَّاتِ الْمَغْصُوبَةِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ أَبْقَاهَا مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ صَارَ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَ الْغَاصِبِ إذَا زَرَعَ أَوْ سَكَنَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لَهُ، فَمَعْنَى الْفَسْخِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ) أَيْ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ فَلَا تَنْفَسِخُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِ مَا غُصِبَ مِنْهُ بِمَالٍ، وَلَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّهِ بِمَا خَلَّصَهُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: دُونَ الذَّاتِ) أَيْ لَا إنْ كَانَ قَصْدُهُ غَصْبَ الذَّاتِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ غَاصِبَ الذَّاتِ لَا يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الْمَغْصُوبِ إلَّا إذَا اسْتَعْمَلَهُ، وَلَا يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ مَا عَطَّلَ وَغَاصِبُ الْمَنْفَعَةِ يَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ أَوْ عَطَّلَ (قَوْلُهُ: وَحَمْلِ ظِئْرٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ قَبْلَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَظَهَرَ بَعْدَهُ أَوْ طَرَأَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: لَا تَقْدِرُ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ مَعَهُ عَلَى الرَّضَاعِ لَمْ تَنْفَسِخْ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهِ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ قَالَهُ عبق (قَوْلُهُ: إنْ تَحَقَّقَ ضَرَرُ الرَّضِيعِ) أَيْ بِلَبَنِ الْحَامِلِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ، وَإِلَّا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ بَلْ شَكَّ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَبِمَرَضِ عَبْدٍ) أَيْ أُوجِرَ لِلْخِدْمَةِ فِي الْحَضَرِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فِي بَقِيَّتِهِ) أَيْ فَلَا تَنْفَسِخُ وَيَرْجِعُ لِلْإِجَارَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ بِمَرَضِهِ وَهَرَبِهِ وَبِعَدَمِ الْفَسْخِ مَعَ الرُّجُوعِ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ إذَا عَادَ تَنَافٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَرِدُ إذَا أُرِيدَ بِفَسْخِهَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَرَضِ وَمَا مَعَهُ مِنْ الْفَسْخِ بِالْفِعْلِ مِنْ الْآنَ أَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ التَّعَرُّضُ لِلْفَسْخِ كَمَا قُلْنَا فَلَا يَرِدُ أَصْلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِثْنَاءِ حَالَةَ السُّكُوتِ لَا إنْ صَرَّحَ بِالْبَقَاءِ أَوْ الْفَسْخِ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا عَطَّلَ) أَيْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى قَضَاءِ مُدَّةِ الْهَرَبِ أَوْ الْمَرَضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَيَدْفَعُ الْأَجْرَ بِتَمَامِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ نَقَدَ الْأُجْرَةَ حِينَ الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ لَمْ يَنْقُدْهَا فَيَجُوزُ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْفَسْخِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: فَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ) أَيْ، وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا مَرِضَا فِي الْحَضَرِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ عَادَا فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ رَجَعَا لِلْإِجَارَةِ، وَإِنْ مَرِضَا فِي السَّفَرِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ عَادَا فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لَمْ يَرْجِعَا لِلْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ جَوَابُ الْإِمَامِ) حَيْثُ قَالَ فِي الدَّابَّةِ لَا تَعُودُ لِلْإِجَارَةِ بَعْدَ صِحَّتِهَا وَقَالَ فِي الْعَبْدِ إنَّهُ يَعُودُ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ السُّؤَالِ إلَخْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ

الصفحة 31