كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

فَرَشَدَ فِي أَثْنَائِهَا فَتَلْزَمُ الْإِجَارَةُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ حَيْثُ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ الثَّلَاثُ سِنِينَ فَدُونَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهِ لَا لِعَيْشِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بَلْ عَلَى مَالِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ آجَرَ السَّفِيهُ نَفْسَهُ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ مَا لَمْ يُحَابِ، وَكَذَا لَا كَلَامَ لَهُ إنْ رَشَدَ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كَالرَّشِيدِ.

(وَ) فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ وَقْفٍ آجَرَ) ذَلِكَ الْوَقْفَ فِي حَيَاتِهِ مُدَّةً (وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا) وَانْتَقَلَ الِاسْتِحْقَاقُ لِمَنْ فِي طَبَقَتِهِ أَوْ لِمَنْ يَلِيهِ، وَلَوْ وَلَدَهُ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهَا يَسِيرٌ (عَلَى الْأَصَحِّ) ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُؤَجِّرُ نَاظِرًا بِخِلَافِ نَاظِرٍ غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ (لَا) تَنْفَسِخُ (بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ) لِلذَّاتِ الْمُؤَجَّرَةِ بِأَنَّهُ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ آجَرَهَا لِآخَرَ قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَنَازَعَهُ الْمُكْتَرِي، وَلَا بَيِّنَةَ لِاتِّهَامِهِ عَلَى نَقْضِهَا وَيَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ فَيَأْخُذُهَا الْمُقَرُّ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى الَّذِي أُكْرِيَتْ بِهِ وَكِرَاءُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُقِرِّ (أَوْ خُلْفِ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى تَخَلُّفٍ أَيْ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَخَلُّفِ (رَبِّ دَابَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ أَمْ لَا (فِي) الْعَقْدِ عَلَى زَمَنٍ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَأَنْ يَكْتَرِيَهَا لِيُلَاقِيَ بِهَا رَجُلًا أَوْ وَفْدًا أَوْ لِيُشَيِّعَ بِهَا رَجُلًا يَوْمَ كَذَا أَوْ شَهْرَ كَذَا فَتَخَلَّفَ رَبُّهَا عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الزَّمَنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَقِيَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ الْيَسِيرُ أَوْ الْكَثِيرُ فَالْإِطْلَاقُ رَاجِعٌ لِلْحَالَتَيْنِ قَبْلَهُ.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ صُوَرَ الْعَقْدِ عَلَى سِلَعِهِ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَبْلُغَ سَفِيهًا أَوْ رَشِيدًا وَقَدْ ظَنَّ الْوَلِيُّ عَدَمَ بُلُوغِهِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بَقِيَ بَعْدَ رُشْدِهِ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا وَقَدْ ظَنَّ بُلُوغَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا فَلَهُ الْخِيَارُ كَانَ الْبَاقِي مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: فَرَشَدَ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: فَتَلْزَمُ الْإِجَارَةُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ) أَيْ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي السَّفِيهِ ظَنُّ عَدَمِ رُشْدِهِ، وَلَا ظَنُّ رُشْدِهِ حَالَ الْعَقْدِ عَلَى سِلَعِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ لِعَيْشِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ ظَنُّ الْبُلُوغِ وَعَدَمُهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: حَيْثُ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ الثَّلَاثُ سِنِينَ فَدُونَ) أَيْ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي أَكْثَرَ خُيِّرَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا كَلَامَ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ حَيْثُ آجَرَ نَفْسَهُ ثُمَّ رَشَدَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كَالرَّشِيدِ) أَيْ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي نَفْسِهِ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهِ كَتَصَرُّفِ الرَّشِيدِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ عِنْدَ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيِّ، وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ فَسْخِهَا بِمَوْتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ، وَلَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَهُ) إنْ قُلْت أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ وَارِثِ الْمَالِكِ إذَا مَاتَ مُوَرِّثُهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَوَارِثِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَهُ ذَلِكَ قُلْت الْمَالِكُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي نَقْلِ الْمَنْفَعَةِ أَبَدًا، وَمُسْتَحِقُّ الْوَقْفِ إنَّمَا لَهُ التَّصَرُّفُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَلِذَا كَانَ وَارِثُ الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَكَانَ لِوَارِثِ الثَّانِي الْفَسْخُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُؤَجِّرُ نَاظِرًا) اُنْظُرْ هَلْ مِثْلُ مَوْتِ النَّاظِرِ الْمُسْتَحِقِّ عَزْلُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ لَا؟ . اهـ. قَالَهُ بْن، وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ مَنْ يَتَقَرَّرُ فِي رِزْقِهِ مَرْصَدَةٌ آجَرَهَا مُدَّةً، وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا فَإِنَّ لِمَنْ يَتَقَرَّرُ بَعْدَهُ فَسْخُ إجَارَتِهِ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ، وَمِثْلُ مَوْتِهِ فَرَاغُهُ عَنْهَا لِإِنْسَانٍ فَلِلْمَفْرُوغِ لَهُ إذَا قَرَّرَ فِيهَا فَسْخَ إجَارَتِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِفْرَاغَ أَسْقَطَ حَقَّ الْأَصْلِ، وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلثَّانِي إلَّا بِتَقْرِيرِهِ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَإِنْ مَاتَ الْمَفْرُوغُ لَهُ قَبْلَ الْفَارِغِ صَارَتْ مَحْلُولًا (قَوْلُهُ: لَا بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا آجَرَ دَابَّةً أَوْ دَارًا مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ إجَارَتِهَا أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ آجَرَهَا لِإِنْسَانٍ قَبْلَ هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَكَذَّبَهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ لِاتِّهَامِ الْمَالِكِ عَلَى نَقْضِ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَيِّنَةَ) أَيْ لِلْمَالِكِ وَقَوْلُهُ: لِاتِّهَامِهِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا تَنْفَسِخُ بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ.
(قَوْلُهُ: فَيَأْخُذُهَا الْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ الَّذِي أَقَرَّ الْمَالِكُ أَنَّهُ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَقَوْلُهُ: وَلَهُ أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إجَارَةٍ عَلَى الْمُقِرِّ الْأَكْثَرُ إلَخْ، وَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ وَتَفْصِيلُهُ أَنْ تَقُولَ إنْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ بِفَوْرِ الْكِرَاءِ خُيِّرَ الْمَقَرُّ لَهُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُؤَجِّرُ وَحِينَئِذٍ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الثَّمَنَ الَّذِي يَدَّعِي الْمَالِكُ أَنَّهُ بَاعَ بِهِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ قَدْ حَالَ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَبَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَعَدَمِ فَسْخِ الْبَيْعِ فَيَأْخُذُ الْأَكْثَرَ مِمَّا حَصَلَ الْكِرَاءُ بِهِ وَكِرَاءَ الْمِثْلِ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ الْمُقَرَّ بِهِ أَيْضًا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ إنْ لَمْ يَتْلَفْ، وَإِلَّا أَخَذَ قِيمَتَهُ فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَكْثَرُ مِمَّا أُكْرِيَتْ بِهِ وَكِرَاءُ الْمِثْلِ وَيَأْخُذُ الْمُقَرَّ بِهِ أَيْضًا إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ قِيمَتَهُ إنْ فَاتَ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِهِبَةٍ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَكْثَرُ مِمَّا أُكْرِيَتْ بِهِ وَكِرَاءُ الْمِثْلِ، وَأَخَذَ قِيمَةَ الْمَوْهُوبِ إنْ فَاتَ أَوْ أَخَذَهُ بِذَاتِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْإِجَارَةِ الْأَكْثَرُ مِمَّا أُكْرِيَتْ بِهِ وَكِرَاءُ الْمِثْلِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: يَوْمَ كَذَا) أَيْ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِيهِ بِهَا يَوْمَ كَذَا أَوْ شَهْرَ كَذَا (قَوْلُهُ: فَتَخَلَّفَ رَبُّهَا عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ) إنَّمَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ بِتَخَلُّفِ رَبِّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ اعْتِبَارِ الْأَخَصِّ، وَهُوَ الزَّمَنُ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ أَعَمِّهِ، وَفَوَاتُ الْأَخَصِّ الَّذِي اُعْتُبِرَ لِتَحْصِيلِ أَعَمِّهِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعَمُّ، وَهُوَ بَاقٍ لَمْ يَفُتْ وَحَيْثُ كَانَ الْعَقْدُ

الصفحة 33