كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ قِيلَ كَرَّرَهُ لِأَجَلِ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَقَدَ وَكَلَامُهُ فِي مُعَيَّنٍ غَيْرِ نَقْدٍ غَائِبٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (أَوْ) كَانَ الْكِرَاءُ (بِدَنَانِيرَ) أَوْ دَرَاهِمَ (عُيِّنَتْ) ، وَهِيَ غَائِبَةٌ فَلَوْ قَالَ أَوْ بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَأَشْمَلَ وَتَعْيِينُهَا إمَّا بِوَصْفٍ أَوْ بِكَوْنِهَا مَوْقُوفَةً عِنْدَ قَاضٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مَوْضُوعَةً فِي مَكَان مُسْتَبْعَدٍ، وَهُمَا مَعًا يَعْرِفَانِهَا فَيُمْنَعُ (إلَّا) أَنْ يَقَعَ الْكِرَاءُ (بِشَرْطِ الْخَلَفِ) لِمَا تَلِفَ مِنْهَا أَوْ ضَاعَ أَوْ ظَهَرَ زَائِفًا فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِ يَقُومُ مَقَامَ التَّعْجِيلِ، وَأَيْضًا شَرْطُ الْخَلَفِ يُصَيِّرُهَا كَالْمَضْمُونَةِ أَمَّا الْحَاضِرَةُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا اشْتِرَاطُ الْخَلَفِ بَلْ إنْ كَانَ الْعُرْفُ نَقْدَهَا جَازَ، وَإِلَّا مُنِعَ إلَّا بِشَرْطِ النَّقْدِ نُقِدَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا (أَوْ) اكْتَرَاهَا (لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ) فَيُمْنَعُ وَكَذَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ قَوْمٍ عُرِفَ حِمْلُهُمْ (أَوْ لِمَكَانٍ شَاءَ) مِنْ الْأَمْكِنَةِ لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ وَالْأَمْكِنَةِ (أَوْ لِيُشَيِّعَ رَجُلًا) حَتَّى يَذْكُرَ مُنْتَهَى التَّشْيِيعِ أَوْ يَكُونَ عُرْفٌ بِمُنْتَهَاهُ (أَوْ بِمِثْلِ كِرَاءِ النَّاسِ) الَّذِي يَظْهَرُ، وَأَمَّا الْمَعْلُومُ بَيْنَهُمْ فَيَجُوزُ (أَوْ) قَالَ الْمُكْتَرِي (إنْ وَصَلْتُ) بِالدَّابَّةِ (فِي) زَمَنِ (كَذَا فَبِكَذَا) ، وَإِلَّا فَبِكَذَا أَوْ مَجَّانًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ بَلْ عَلَى التَّعْجِيلِ بِالْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَهُ، وَإِلَّا فَلَا فَسَادَ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ (قَوْلُهُ: أَوْ بِدَنَانِيرَ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً غَائِبَةً حِينَ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى يَدِ قَاضٍ، وَهُمَا يَعْرِفَانِهَا مَعًا حَيْثُ كَانَ عُرْفُ الْبَلَدِ عَدَمَ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ، إلَّا إذَا اشْتَرَطَ الْمُكْتَرِي أَنَّهَا إذَا تَلِفَتْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَخْلَفَ مَا تَلِفَ فَشَرْطُ الْخَلَفِ فِي الْعَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ شَرْطِ التَّعْجِيلِ فِي الْمُعَيَّنِ غَيْرِ الْعَيْنِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبِدَنَانِيرَ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْعُرْفَ عَدَمُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَنْعِ الْكِرَاءِ بِالْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً إلَّا إذَا شَرَطَ الْخَلَفَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْجَوَازِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ تَتَعَيَّنُ بِتَعَيُّنِهَا أَمْ لَا، وَالْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي لِغَيْرِهِ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) أَيْ كَمُودِعٍ (قَوْلُهُ: وَهُمَا مَعًا يَعْرِفَانِهَا) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَقَعَ الْكِرَاءُ) أَيْ بِالدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ الْغَائِبَةِ وَقَوْلُهُ: لِمَا تَلِفَ مِنْهَا أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُكْرِي لَهَا (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ) أَيْ الْكِرَاءُ بِهَا (قَوْلُهُ: يَقُومُ مَقَامَ التَّعْجِيلِ) أَيْ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْأَغْرَاضِ بِذَاتِهَا غَائِبًا فَلِذَا اُغْتُفِرَ فِيهَا التَّأْخِيرُ مَعَ شَرْطِ الْخَلَفِ بِخِلَافِ غَيْرِ النَّقْدِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَعَلَّقُ بِهَا فَلِذَا اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهَا، وَلَا يَكْفِي فِيهَا شَرْطُ الْخَلَفِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْحَاضِرَةُ) أَيْ أَمَّا الْكِرَاءُ بِالْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَاضِرَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا اشْتِرَاطُ الْخَلَفِ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَتَأَتَّى إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَا يَكْفِي فِيهَا اشْتِرَاطُ الْخَلَفِ (قَوْلُهُ: بَلْ إنْ كَانَ الْعُرْفُ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْعَيْنُ الْحَاضِرَةُ مِثْلُ الْمُعَيَّنِ غَيْرِ الْعَيْنِ كَالْعَرَضِ (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ الْعَقْدُ إنْ نُقِدَتْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ، وَإِلَّا يَكُنْ الْعُرْفُ نَقْدَهَا بَلْ تَأْخِيرَهَا أَوْ كَانَ الْعُرْفُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ وَقَوْلُهُ: مُنِعَ أَيْ الْكِرَاءُ بِهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ اكْتَرَاهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا بَلْ قَالَ أَحْمِلُ عَلَيْهَا مَا شِئْتُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كِرَاءَ جَمَّالٍ فَارِغٍ مَلْآنَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ حُجَّاجِ مِصْرَ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ نَوْعَ الْمَحْمُولِ دُونَ قَدْرِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي وَيُحَمِّلُهَا مَا تُطِيقُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَقَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ وَحِمْلٌ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدَدِهِ إنْ لَمْ يَتَفَاوَتْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْمَحْمُولِ زِيَادَةً عَلَى بَيَانِ نَوْعِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَرَوِيِّينَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ لِلْقَوْلَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا) أَيْ، وَلَمْ يَقُلْ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ قَوْمٍ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكْتَرِي مِنْ قَوْمٍ عُرِفَ حِمْلُهُمْ بِكَوْنِهِ مِنْ الْحَطَبِ أَوْ الْمِلْحِ أَوْ الْقَمْحِ أَوْ يُحَمِّلُهَا مَا تُطِيقُ (قَوْلُهُ: أَوْ لِمَكَانٍ شَاءَ) أَيْ كَ أَكَتْرِي مِنْك دَابَّةً إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُرِيدُ الذَّهَابَ إلَيْهِ بِكَذَا وَقَوْلُهُ: أَوْ لِيُشَيِّعَ رَجُلًا أَيْ كَ أَكَتْرِي دَابَّتَك لِأُشَيِّعَ عَلَيْهَا فُلَانًا أَوْ لِأَجْلِ مُلَاقَاتِهِ مِنْ سَفَرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمِثْلِ كِرَاءِ النَّاسِ) أَيْ لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ أَكَتْرِي دَابَّتَك لِلْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ بِمِثْلِ مَا يَكْتَرِي بِهِ النَّاسُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ كَبَيْعِ سِلْعَةٍ بِقِيمَتِهَا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَعْلُومُ) أَيْ كَمَا لَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْكِرَاءَ لِلْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ بِكَذَا وَقَالَ أَكْتَرِيهَا مِنْك بِمِثْلِ مَا يَكْتَرِي بِهِ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ (قَوْلُهُ: أَوْ إنْ وَصَلْت فِي كَذَا فَبِكَذَا) أَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَمَنْ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً عَلَى أَنَّهُ إنْ وَصَلَ مَكَّةَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ وَصَلَهَا فِي أَكْثَرَ فَلَهُ دُونَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ. اهـ.
وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ قَبْلَ الرُّكُوبِ فَإِنْ رَكِبَ لِلْمَكَانِ الَّذِي سَمَّاهُ فَلَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِي سُرْعَةِ السَّيْرِ وَبُطْئِهِ، وَلَا يُنْظَرُ لِمَا سَمَّاهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبِكَذَا أَوْ مَجَّانًا) اعْلَمْ أَنَّ الْمَنْعَ فِي الثَّانِي مُطْلَقٌ، وَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ، وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا وَكَانَ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَدَّدُ فِيهِ النَّظَرُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ الْأَسْهَلُ أَكْثَرَ أُجْرَةً، وَكَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ لِرَبِّ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ يَخْتَارُهُ، وَلَا مَحَالَةَ وَالْآخَرُ دَاخِلٌ عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ كَانَ الْأَسْهَلُ لِلْمُكْتَرِي

الصفحة 40