كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(أَوْ يَنْتَقِلُ) الْمُكْتَرِي بِالدَّابَّةِ (لِبَلَدٍ) أُخْرَى (وَإِنْ سَاوَتْ) الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا مَسَافَةً وَسُهُولَةً أَوْ صُعُوبَةً لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ؛ وَلِأَنَّ أَحْوَالَ الطُّرُقِ تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ كَخَوْفِ الْأَعْدَاءِ وَالْغُصَّابِ فِي طَرِيقٍ دُونَ أُخْرَى وَقَدْ يَكُونُ الْعَدُوُّ لِخُصُوصِ رَبِّ الدَّابَّةِ وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ، وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْغَاصِبِ وَلِذَا قِيلَ إنَّ انْتِقَالَهُ إلَى مَسَافَةٍ أُخْرَى أَقَلُّ مِنْ الْأُولَى كَذَلِكَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَاوَ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ هَذَا إنْ زَادَتْ بَلْ، وَإِنْ سَاوَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ جَوَازُ الْمَسَافَةِ الْمُسَاوِيَةِ كَالْحِمْلِ الْمُسَاوِي دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ سَاوَتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحِمْلِ الْمُسَاوِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَسَافَةَ تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ، فَرُبَّ مَسَافَةٍ تُظَنُّ سَالِمَةً، وَفِي الْوَاقِعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ نَعَمْ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّونَ جَائِزَةٌ وَقَدْ قِيلَ بِهِ بَلْ وَرُجِّحَ، وَفِيهِ نَظَرٌ (إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْ رَبِّهَا فَيَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى أُخْرَى (كَإِرْدَافِهِ) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْدِفَ رَبُّ الدَّابَّةِ شَخْصًا (خَلْفَك) يَا مُكْتَرِي (أَوْ حَمْلٍ) عَلَيْهَا (مَعَك) مَتَاعًا؛ لِأَنَّك بِاكْتِرَائِهَا مِنْهُ مَلَكْت مَنْفَعَةَ ظَهْرِهَا فَلَا كَلَامَ لِرَبِّهَا (وَالْكِرَاءُ لَك) حَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ (إنْ لَمْ تَحْمِلْ زِنَةً) قَيْدٌ فِي الْمَنْعِ، وَفِي كَوْنِ الْكِرَاءِ لَك أَيْ فَإِنْ اكْتَرَيْتهَا لِتَحْمِلَ عَلَيْهَا زِنَةً كَقِنْطَارِ كَذَا جَازَ لِرَبِّهَا أَنْ يَحْمِلَ مَعَ حَمْلِك وَالْكِرَاءُ لَهُ وَقَوْلُهُ: (كَالسَّفِينَةِ) تَشْبِيهٌ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَكِرَاءُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ إلَى هُنَا لَا فِي خُصُوصِ مَا قَبْلَهُ.

(وَضَمِنَ) الْمُكْتَرِي (إنْ أَكْرَى) الدَّابَّةَ مَثَلًا (لِغَيْرِ أَمِينٍ) أَوْ أَقَلَّ أَمَانَةً أَوْ لِأَثْقَلَ مِنْهُ أَوْ أَضَرَّ وَلِرَبِّهَا اتِّبَاعُ الثَّانِي حَيْثُ عَلِمَ بِتَعَدِّي الْأَوَّلِ، وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَتَعَمَّدَ الْجِنَايَةَ وَكَذَا إنْ كَانَتْ خَطَأً مِنْهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَلَّ أُجْرَةً وَكَانَ الْعَقْدُ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ لَهُ فَإِنَّ الْمُكْتَرِيَ يَخْتَارُهُ، وَلَا مَحَالَةَ حِينَئِذٍ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ كَمَا أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِخِيَارٍ لَهُمَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَنْتَقِلُ لِبَلَدٍ) يَعْنِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا اكْتَرَى دَابَّةً لِبَلَدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّابَّةُ مَضْمُونَةً أَوْ مُعَيَّنَةً نَقَدَ أُجْرَتَهَا أَمْ لَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْغَبَ عَنْ تِلْكَ الْبَلَدِ وَيَسِيرَ لِغَيْرِهَا إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا فَيَجُوزُ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ أَوْ يَنْتَقِلَ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى شَرْطِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ لَا حَمْلِ مَنْ مَرِضَ مِنْ عَطْفِ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ الْخَالِصِ مِنْ التَّأْوِيلِ بِالْفِعْلِ لَا عَلَى حَمْلِ، وَإِلَّا كَانَ شَرْطُ الْمُقَدَّرِ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ فَيَنْحَلُّ الْمَعْنَى لَا شَرْطُ حَمْلِ مَنْ مَرِضَ، وَلَا شَرْطُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَخْ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِانْتِقَالِ لَا يُوجِبُ مَنْعًا، وَلَا فَسَادًا؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْإِذْنِ إلَى الْمُسَاوِي جَائِزٌ وَحِينَئِذٍ فَشَرْطُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ لَا يُفْسِدُهُ.
(قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ) أَيْ، وَهِيَ الْأُجْرَةُ وَقَوْلُهُ: فِي مُؤَخَّرٍ أَيْ، وَهُوَ السَّيْرُ لِلْبَلَدِ الْأُخْرَى، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِهَذَا التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ انْتَقَلَ بِلَا إذْنٍ فَهُوَ مَحْضُ تَعَدٍّ، وَالْفَسْخُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْهُمَا فَالْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا التَّعْلِيلِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَحْوَالَ الطُّرُقِ تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ) أَيْ فَقَدْ يَكُونُ رَبُّهَا لَهُ غَرَضٌ فِي عَدَمِ ذَهَابِهِ بِهَا لِغَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَكْرَاهَا لَهُ لِخَوْفِهِ عَلَيْهَا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَاصِبٍ (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ إنْ خَالَفَ) أَيْ وَتَلِفَتْ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ أَيْ هَذَا إنْ كَانَ تَلَفُهَا بِفِعْلِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بَلْ، وَلَوْ كَانَ بِسَمَاوِيٍّ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ هَذَا التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ وَيُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا تَلِفَتْ الدَّابَّةُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ التَّرْجِيحِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُكْتَرِيَ إذَا خَالَفَ صَارَ بِمُخَالَفَتِهِ كَالْغَاصِبِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِي الْمُخَالَفَةِ لِلدُّونِ كَمَا هُوَ جَارٍ فِي الْمَسَافَةِ الزَّائِدَةِ وَالْمُسَاوِيَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ رَبِّهَا) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْعُدُولُ عَنْ الْمَسَافَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لِغَيْرِهَا بِإِذْنٍ مِنْ رَبِّ الدَّابَّةِ.
(قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى أُخْرَى) أَيْ، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُخْرَى أَزْيَدَ فِي الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ عَقْدٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ، وَهُوَ الْأُجْرَةُ فِي دَيْنٍ، وَهُوَ السَّيْرُ لِلْبَلَدِ الْأُخْرَى، وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْإِذْنُ مِنْ رَبِّهَا لَمْ يَقَعْ بَعْدَ إقَالَةٍ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ بَعْدَ إقَالَةٍ وَبَعْدَ رَدِّ النَّقْدِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ جَازَ الْعُدُولُ لِلْأُخْرَى بِإِذْنِ رَبِّ الدَّابَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا.
(قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْدِفَ رَبُّ الدَّابَّةِ شَخْصًا خَلَفَك يَا مُكْتَرِي) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِك (قَوْلُهُ: أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَعَك مَتَاعًا) أَيْ مَعَ حَمْلِك أَوْ تَحْتِك (قَوْلُهُ: قَيْدٌ فِي الْمَنْعِ) أَيْ مَنْعِ حَمْلِهِ مَعَك مَتَاعًا (قَوْلُهُ: جَازَ لِرَبِّهَا أَنْ يَحْمِلَ مَعَ حَمْلِك) أَيْ إذَا كَانَ زِيَادَةُ الْحِمْلِ لَا تَضُرُّ بِالْمُكْتَرَى فَإِنْ ضَرَّتْ بِهِ كَمَا إذَا كَانَ يَصِلُ فِي يَوْمِهِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَإِذَا زَادَ لَا يَصِلُ إلَّا فِي يَوْمَيْنِ فَإِنَّ الْمُكْرِيَ يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي بْن (قَوْلُهُ: لَا فِي خُصُوصِ مَا قَبْلَهُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْكِرَاءُ لَك إنْ لَمْ تَحْمِلْ زِنَةً.

(قَوْلُهُ: وَضَمِنَ الْمُكْتَرِي) أَيْ قِيمَةَ الدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ، وَأَرْشَ عَيْبِهَا إنْ تَعَيَّبَتْ (قَوْلُهُ: إنْ أَكْرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ هُوَ أَيْ الْمُكْتَرِي غَيْرَ أَمِينٍ إذْ قَدْ يَدَّعِي رَبُّهَا أَنَّ الْأَوَّلَ يُرَاعِي حَقَّهُ وَيَحْفَظُ مَتَاعَهُ بِخِلَافِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَوْ أَضَرَّ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ دُونَهُ فِي الثِّقَلِ بِأَنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ عَقْرُ الدَّوَابِّ (قَوْلُهُ: وَلِرَبِّهَا اتِّبَاعُ الثَّانِي) أَيْ، وَإِذَا أَكْرَى الْمُكْتَرِي لِغَيْرِ أَمِينٍ كَانَ لِرَبِّهَا اتِّبَاعُ الثَّانِي بِقِيمَتِهَا إذَا تَلِفَ وَبِأَرْشِ عَيْبِهَا إنْ تَعَيَّبَتْ أَيْ، وَلَهُ اتِّبَاعُ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: حَيْثُ عَلِمَ إلَخْ أَيْ بِأَنْ عَلِمَ الثَّانِي أَنَّهَا بِيَدِ الْأَوَّلِ بِكِرَاءٍ، وَأَنَّ رَبَّهَا مَنَعَهُ مِنْ كِرَائِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِسَمَاوِيٍّ أَيْ هَذَا إذَا تَلِفَتْ بِفِعْلِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بَلْ، وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَيْ الثَّانِي بِتَعَدِّي الْأَوَّلِ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا أَوْ مُكْتَرٍ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ كَانَتْ خَطَأً إلَخْ) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي يَدِ الْأَوَّلِ بِكِرَاءٍ فَلِرَبِّهَا تَضْمِينُهُ إنْ أَعْدَمَ الْأَوَّلُ

الصفحة 41