كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَإِنْ كَانَ يَحُوزُهُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُخْرِجْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ كَالْخَيَّاطِ وَالْحَدَّادِ وَالصَّائِغِ فَصَانِعٌ، وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ كَالصَّاعِ فَبَائِعٌ صَانِعٌ.

(وَفَسَدَتْ) إجَارَةٌ عُيِّنَتْ فِيهَا الْأُجْرَةُ فَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَعَجَّلَ إنْ عَيَّنَ (إنْ انْتَفَى) فِيهَا (عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ) بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ أَوْ لَا عُرْفَ وَعَلَّلَ الْفَسَادَ بِأَنَّهُ كَشَرْطِ التَّأْجِيلِ فَيَلْزَمُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَعِمَارَةُ الذِّمَّتَيْنِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ فِيهِمَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ كَمَا مَرَّ (كَمَعَ جُعْلٍ) أَيْ كَمَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا وَقَعَتْ مَعَ جُعْلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً لِتَنَافُرِهِمَا لِمَا فِي الْجُعَلِ مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ بِالْعَقْدِ وَجَوَازِ الْغَرَرِ وَعَدَمِ الْأَجَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ (لَا) مَعَ (بَيْعٍ) صَفْقَةً وَاحِدَةً فَلَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِمَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ كَشِرَائِهِ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ أَوْ جِلْدًا عَلَى أَنْ يَخْرُزَهُ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَشِرَائِهِ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ لَهُ آخَرَ وَيُشْتَرَطُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شُرُوعُهُ أَوْ ضَرْبُ أَجَلِ الْإِجَارَةِ، وَمَعْرِفَةُ خُرُوجِهِ عَيَّنَ عَامِلَهُ أَمْ لَا أَوْ إمْكَانُ إعَادَتِهِ كَالنُّحَاسِ عَلَى أَنْ يَصْنَعَهُ قَدَحًا كَمَا قَدَّمَهُ فِي السَّلَمِ فَإِنْ انْتَفَى الْأَمْرَانِ كَالزَّيْتُونِ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ فَلَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي غَيْرِ نَفْسِ الْمَبِيعِ فَتَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ كَمَعَ جُعْلٍ مَسَائِلَ تَفْسُدُ فِيهَا الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ فَقَالَ (وَكَجِلْدٍ) جُعِلَ أَجْرًا (لِسَلَّاخٍ) ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ اللَّحْمَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الشَّاةُ حَيَّةً أَوْ مَذْبُوحَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَقَدْ يَخْرُجُ صَحِيحًا أَوْ مَقْطُوعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: تَعْجِيلُ الْمُعَيَّنِ) أَيْ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ التَّأْخِيرَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ التَّأْخِيرُ عُرْفَ بَلَدِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا عُرْفَ) أَيْ بِأَنْ كَانُوا يَتَعَاقَدُونَ بِالْوَجْهَيْنِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ) أَيْ انْتِفَاءَ الْعُرْفِ بِالتَّعْجِيلِ (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ) أَيْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُكْرِي بِالدَّابَّةِ مَثَلًا وَشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُكْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ (قَوْلُهُ: وَعِمَارَةُ الذِّمَّتَيْنِ) عَطَفَ عِلَّةً عَلَى مَعْلُولٍ وَرُدَّ مَا قَالَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الذِّمَمَ لَا تَقْبَلُ الْمُعَيَّنَاتِ فَالْأَوْلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ فِيهِ بَيْعَ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْفَسَادِ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَ الْمُعَيَّنِ أَوْ انْتَفَى الْعُرْفُ رَأْسًا (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ) أَيْ فَإِنْ اشْتَرَطَ صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَعْجِيلٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّعْجِيلِ بِمَثَابَةِ التَّعْجِيلِ بِالْفِعْلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ حَقٌّ لِلَّهِ وَكَذَا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ مَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ شَرَعَ فِيهَا فَوَجَبَ التَّعْجِيلُ حَيْثُ الشَّرْطُ أَوْ الْعُرْفُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَحِينَئِذٍ فَانْتِفَاءُ التَّعْجِيلِ فِي الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ التَّعْجِيلِ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَلَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيُقْضَى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِالتَّعْجِيلِ فَإِنْ رَضِيَ الْمُؤَجِّرُ بِالتَّأْخِيرِ فَلَا ضَرَرَ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
(قَوْلُهُ: كَمَعَ جُعْلٍ) لَيْسَتْ الْكَافُ دَاخِلَةً عَلَى مَعَ؛ لِأَنَّهَا مُلَازِمَةٌ لِلنَّصَبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بَلْ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ كَإِجَارَةٍ مَعَ جُعْلٍ (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ إذَا وَقَعَتْ مَعَ جُعْلٍ صَفْقَةً) أَيْ كَخِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ وَائْتِنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ، وَلَك دِينَارٌ (قَوْلُهُ: لِتَنَافُرِهِمَا) أَيْ لِتَنَافِي أَحْكَامِهِمَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَيَجُوزُ فِيهَا الْأَجَلُ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَفْسُدُ) أَيْ الْإِجَارَةُ، وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ أَيْضًا إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْوَاحِدُ صَحِيحًا فِي شَيْءٍ، وَفَاسِدًا فِي شَيْءٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ) أَيْ وَاقِعَةٍ بَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ الثَّوْبِ وَذَلِكَ بَيْعٌ وَبَعْضُهَا فِي مُقَابَلَةِ الْخِيَاطَةِ وَذَلِكَ إجَارَةٌ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَخْرُزَهُ) أَيْ نِعَالًا أَوْ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) أَيْ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ: شُرُوعُهُ) أَيْ فِي الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْخَرَزِ (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبُ أَجَلِ الْإِجَارَةِ) قَالَ شَيْخُنَا صَوَابُهُ الْوَاوُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ الشُّرُوعِ، وَلَوْ حُكْمًا كَتَأْخِيرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَضَرْبِ الْأَجَلِ، وَفِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ (فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بَقِيَ مِنْهُ ذِرَاعٌ عَلَى أَنْ يُكْمِلَهُ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ صِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.
(قَوْلُهُ: وَمَعْرِفَةُ خُرُوجِهِ) أَيْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ كَوْنِهِ رَدِيئًا أَوْ جَيِّدًا بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُتْقِنًا فِي صَنْعَتِهِ فَيَخْرُجُ جَيِّدًا أَوْ لَا فَيَخْرُجُ رَدِيئًا (قَوْلُهُ: أَوْ إمْكَانُ إعَادَتِهِ) أَيْ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ وَجْهَ خُرُوجِهِ لَكِنْ يُمْكِنُ إعَادَتُهُ كَالنُّحَاسِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ انْتَفَى الْأَمْرَانِ) أَيْ مَعْرِفَةُ وَجْهِ خُرُوجِهِ، وَإِمْكَانُ إعَادَتِهِ إنْ لَمْ يُعْجِبْهُ (قَوْلُهُ: كَالزَّيْتُونِ) أَيْ كَشِرَاءِ الزَّيْتُونِ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ الْبَائِعُ (قَوْلُهُ: فَلَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ، بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الزَّيْتُونَ يَمْتَنِعُ بِهِ وَالِاسْتِئْجَارَ عَلَى عَصْرِهِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقَالُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَامِلُ مُتْقِنًا لِلصَّنْعَةِ لَا يَخْتَلِفُ عَصْرُهُ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَحِينَئِذٍ فَالزَّيْتُونُ مِثْلُ غَيْرِهِ. اهـ عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَجِلْدٍ) أَيْ كَأَنْ يَسْتَأْجِرَ شَخْصًا عَلَى سَلْخِ حَيَوَانٍ بِجِلْدِهِ (قَوْلُهُ: وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ إلَخْ) عِبَارَةُ تت وَنَبَّهَ بِمَنْعِ الْإِجَارَةِ عَلَى السَّلْخِ بِالْجِلْدِ عَلَى مَنْعِهَا بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مَجْهُولٌ مُغَيَّبٌ بِالْجِلْدِ، وَلَا بُدَّ فِي عِوَضِ الْإِجَارَةِ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا. اهـ. قَالَ عبق، وَلَمْ يَقُلْ إنَّ اللَّحْمَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكَافِ كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وح لِأَنَّهَا لِلتَّشْبِيهِ لَا لِلتَّمْثِيلِ لِعَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَعَ جُعْلٍ فَهُوَ عَطْفُ تَشْبِيهٍ عَلَى تَشْبِيهٍ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْعَطْفِ وَالْكَافِ لِلتَّأْكِيدِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَجِلْدٍ لِسَلَّاخٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ الْجِلْدَ الَّذِي هُوَ الْأُجْرَةُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَخْرُجُ صَحِيحًا إلَخْ)

الصفحة 5