كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(وَلَزِمَ) (الْكِرَاءُ بِالتَّمَكُّنِ) مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ الَّتِي اكْتَرَاهَا مِنْ دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ، ثُمَّ مَحَلُّ لُزُومِهِ بِالتَّمَكُّنِ مَا لَمْ يَكُنْ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ خَوْفًا عَلَى زَرْعِهِ مِنْ أَكْلِ فَأْرٍ وَنَحْوِهِ إبَّانَ الزَّرْعِ لَوْ زَرَعَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ إنْ امْتَنَعَ لِذَلِكَ، وَبَالَغَ عَلَى لُزُومِ الْكِرَاءِ بِالتَّمَكُّنِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ فَسَدَ) الزَّرْعُ (لِجَائِحَةٍ) لَا دَخْلَ لِلْأَرْضِ فِيهَا كَجَرَادٍ وَجَلِيدٍ وَبَرَدٍ وَجَيْشٍ وَغَاصِبٍ وَعَدَمِ نَبَاتِ حَبٍّ بِخِلَافِ نَحْوِ الدُّودِ وَالْعَطَشِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (أَوْ غَرَقٍ) لِلْأَرْضِ (بَعْدَ) فَوَاتِ (وَقْتِ الْحَرْثِ) وَاسْتَمَرَّ حَتَّى فَاتَ إبَّانُ مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُطْلَقًا لَا مَا حُرِثَتْ لَهُ فَقَطْ فَيَلْزَمُ الْكِرَاءُ فَأَوْلَى لَوْ انْكَشَفَتْ قَبْلَ الْإِبَّانِ، وَأَمَّا لَوْ غَرِقَتْ قَبْلَهُ وَانْكَشَفَتْ بَعْدَهُ فَلَا كِرَاءَ، وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ، وَلَزِمَ الْكِرَاءُ بِالتَّمَكُّنِ (أَوْ) تَعَطَّلَ الزَّرْعُ (لِ) أَجْلِ (عُدْمِهِ) أَيْ الْمُكْتَرِي (بَذْرًا) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إيجَارِهَا لِغَيْرِهِ وَلِذَا لَوْ عَدِمَ أَهْلُ الْمَحَلِّ الْبَذْرَ لَسَقَطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ، فَقَوْلُهُ: أَوْ عُدْمِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى جَائِحَةٍ بِتَضْمِينِ فَسَدَ مَعْنَى تَعَطَّلَ (أَوْ سَجْنِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفِعْلُ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَالْمَكَانُ الَّذِي يُسْجَنُ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ سُجِنَ ظُلْمًا أَوْ لَا لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَقْصِدْ مِنْ سِجْنِهِ تَفْوِيتَهُ الزَّرْعَ، وَإِلَّا فَالْكِرَاءُ عَلَى مَنْ سَجَنَهُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى عَدَمِ زَرْعِهِ (أَوْ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ الْبَيْتِ) فَيَلْزَمُ الْكِرَاءُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ الْكِرَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا إنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ، وَشُرُفَاتٌ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ أَوْ فَتْحِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدَارٍ، وَلَمْ يُدْخِلْهَا رَبُّهَا فِيهَا فَنَقْلُهَا عَلَى رَبِّ الدَّارِ، وَلَوْ انْهَدَمَ بِنَاءُ شَخْصٍ بِأَرْضِ آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَهُ إلَّا نَقْلُ مَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْأَخْشَابِ وَالْأَحْجَارِ لَا نَقْلُ التُّرَابِ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ دَابَّةٍ دَخَلَتْ دَارًا وَحْدَهَا فَمَاتَتْ.

(قَوْلُهُ: وَلَزِمَ الْكِرَاءُ) أَيْ لِمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا وَيَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ وَقَوْلُهُ: بِالتَّمَكُّنِ أَيْ مِنْ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ أَوْ عَطَّلَ كَمَا إذَا بَوَّرَ الْأَرْضَ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ مَنْفَعَةِ أَرْضِ النِّيلِ بِرَيِّهَا وَانْكِشَافِهَا، وَمِنْ مَنْفَعَةِ أَرْضِ الْمَطَرِ بِاسْتِغْنَاءِ الزَّرْعِ عَنْ الْمَاءِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّمَكُّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا فِي الشَّارِحِ وعبق وخش؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ حِينَ الْعَقْدِ، قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ) أَيْ بِأَنْ عَطَّلَ كَمَا لَوْ بَوَّرَ الْأَرْضَ أَوْ أَغْلَقَ الدَّارَ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ خَوْفًا عَلَى زَرْعِهِ) أَيْ أَوْ كَانَ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ لِخَوْفِ مَنْ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ) أَيْ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: إنْ امْتَنَعَ لِذَلِكَ) أَيْ إذَا ثَبَتَ وُجُودُ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَهُ لِذَلِكَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ انْكِشَافِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَثْرَةِ الدُّودِ أَوْ الْفَأْرِ وَامْتَنَعَ مِنْ زَرْعِهَا وَادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا بَوَّرَهَا خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي التَّمَكُّنِ وَعَدَمِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي بِيَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ، فَإِنْ أَقَرَّ الْمُكْتَرِي بِالتَّمَكُّنِ لَكِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ التَّمَكُّنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرِي وَعَلَى الْمُكْتَرِي إثْبَاتُ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (قَوْلُهُ: وَغَاصِبٍ) أَيْ غَصَبَ الزَّرْعَ أَوْ غَصَبَ الْأَرْضَ أَوْ الْبَهَائِمَ قَبْلَ زَرْعِهَا وَكَانَ مِمَّنْ تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ كِرَاءٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِرَبِّ الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرَهُ بْن فِي بَابِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَحْوِ الدُّودِ وَالْعَطَشِ) أَيْ بِخِلَافِ الْجَائِحَةِ الَّتِي تَنْشَأُ مِنْ الْأَرْضِ كَالدُّودِ وَنَحْوِهِ مِثْلِ الْفَأْرِ وَالْعَطَشِ فَإِنَّ هَذِهِ تَارَةً تُسْقِطُ الْكِرَاءَ وَتَارَةً تُسْقِطُ بَعْضَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ لُزُومِ الْكِرَاءِ مَعَ فَسَادِ الزَّرْعِ بِالْجَائِحَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ بَعْدَ الْجَائِحَةِ مَا يُسْقِطُ الْكِرَاءَ، وَإِلَّا فَلَا كِرَاءَ كَمَا لَوْ حَصَلَتْ الْجَائِحَةُ السَّمَاوِيَّةُ مَثَلًا ثُمَّ حَصَلَ دُودٌ أَوْ فَأْرٌ أَوْ عَطَشٌ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ الزَّرْعُ بَاقِيًا لَسَقَطَ الْكِرَاءُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الْحَرْثِ) سَوَاءٌ حَصَلَ الْغَرَقُ بَعْدَ حَرْثِهَا أَوْ قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: وَاسْتَمَرَّ أَيْ الْغَرَقُ حَتَّى فَاتَ إبَّانُ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَيْ بِحَيْثُ صَارَتْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إذَا انْكَشَفَتْ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْكِرَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَرَقَ بِمَنْزِلَةِ الْجَرَادِ.
(قَوْلُهُ: لَوْ انْكَشَفَتْ قَبْلَ الْإِبَّانِ) أَيْ لَوْ غَرِقَتْ قَبْلَهُ وَانْكَشَفَتْ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ غَرِقَتْ قَبْلَ الْإِبَّانِ وَانْكَشَفَتْ فِيهِ أَوْ غَرِقَتْ فِيهِ وَانْكَشَفَتْ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ فِيهِمَا بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فِيهِمَا فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْكِرَاءَ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ صُورَةِ الْمُصَنِّفِ وَالثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ بِالْأَوْلَى مِنْهَا (قَوْلُهُ: أَوْ لِعُدْمِهِ بَذْرًا) أَيْ يَبْذُرُهُ فِي الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: لَوْ عَدِمَ أَهْلُ الْمَحَلِّ إلَخْ) أَيْ عَدِمُوهُ مِلْكًا وَتَسَلُّفًا حَتَّى مِنْ بَلَدٍ مُجَاوِرَةٍ لَهُمْ حَيْثُ عُرِفَ تَسَلُّفُهُمْ مِنْهُمْ، كَذَا يَظْهَرُ. اهـ عبق (قَوْلُهُ: بِتَضْمِينِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فَسَادُ الزَّرْعِ الْمُقْتَضِي لِوُجُودِهِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْبَذْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفِعْلُ) أَيْ، وَهُوَ وَضْعُهُ فِي السِّجْنِ وَقَوْلُهُ: فَالْمَكَانُ أَيْ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) أَيْ، وَهِيَ تَمَكُّنُهُ مِنْ إيجَارِهَا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ لَهُ فِي السِّجْنِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ الدُّخُولِ لَهُ فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْكِرَاءِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقْصِدْ إلَخْ) أَيْ وَيُعْلَمُ قَصْدُهُ بِقَرِينَةٍ أَوْ بِقَوْلِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ الْبَيْتِ) : حَاصِلُ فِقْهِ

الصفحة 50