كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

مَضْرُوبٌ عَلَى أَيْدِيهِمْ كَالْجَابِي فِي الزَّكَاةِ لَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ إلَّا فِي جَبْيِ الزَّكَاةِ وَيُعْطَى أُجْرَتَهُ مِنْهَا لَا مِنْ رَبِّ الْمَالِ كَذَلِكَ الْمُلْتَزِمُ أَيْ الَّذِي الْتَزَمَ لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِنَائِبِهِ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ خَرَاجَ الْبَلَدِ الْفُلَانِيَّةِ، وَلَهُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مَا يُسَمُّونَهُ الْفَائِضَ أُجْرَةً ثُمَّ إنَّ هَذَا الْفَائِضَ إنْ كَانَ جَعَلَهُ السَّلَاطِينُ الْمَاضُونَ عَلَى الْفَلَّاحِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَرَاجِ بِرِضَاهُمْ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُلْتَزِمِ، وَإِلَّا فَهُوَ سُحْتٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِ الْفَلَّاحِينَ لَا يُقَالُ الْمُلْتَزِمُ قَدْ اسْتَأْجَرَ الْبَلَدَ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِلْفَلَّاحِينَ بِمَا شَاءَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مَوْقُوفَةً عَلَى مُسْتَحَقِّينَ مِنْ نَاظِرِهَا فَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِغَيْرِهِ بِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَذَا ظَنَّ بَعْضُ الْحَمْقَى الْأَغْبِيَاءِ فَأَفْتَوْهُمْ بِمَا لَمْ يُنَزِّلْ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا، وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا فَإِنَّمَا الْمَالُ الَّذِي يَدْفَعَهُ الْمُلْتَزِمُ مِمَّا يُسَمُّونَهُ بِالْحُلْوَانِ لِلسُّلْطَانِ أَوْ لِنَائِبِهِ فِي نَظِيرِ وَضْعِ الْيَدِ وَالتَّقْرِيرِ الْمُسَمَّى دَالَّةً بِالتَّقْسِيطِ نَظِيرُهُ مَا لَوْ مَاتَ جُنْدِيٌّ عَنْ عُلُوفَةِ فَيَدْفَعُ رَجُلٌ لِلسُّلْطَانِ مَالًا لِيُقَرِّرَهُ مَكَانَهُ فِي قَبْضِ الْعُلُوفَةِ لِنَفْسِهِ كَذَلِكَ الْمُلْتَزِمُ دَفَعَ مَالٍ لِلسُّلْطَانِ لِيُمَكِّنَهُ عَلَى الْجِبَايَةِ لِيَأْخُذَ الْفَائِضَ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ هَذَا بِإِجَارَةٍ وَلَا بَيْعٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْبَدَاهَةِ إذْ الْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ فِي زَمَنٍ مَعْلُومٍ بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَلَا يُقَالُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ كُلَّ سَنَةٍ يَكْتُبُ تَقْرِيرًا وَتَقْسِيطًا لِلْمُلْتَزِمِ بِصُورَةِ إجَارَةٍ وَيَدْفَعُ الْمُلْتَزِمُ لِلسُّلْطَانِ الْخَرَاجَ الْمُسَمَّى بِالْمَيْرَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمِيرَى لَيْسَ مَالًا لِلْمُلْتَزِمِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَرَاجٌ قَدْ فَرَضَهُ السَّلَاطِينُ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَى الْمُزَارِعِينَ لِيَدْفَعُوهُ لِلنَّاظِرِ الْمُتَوَلِّي أَمْرَ الْمَصَالِحِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَنَاظِرٍ عَلَى وَقْفِ عَيْنٍ جَابِيًا عَلَى جَمْعِ مَالِ الْوَاقِفِ لِيَصْرِفَهُ النَّاظِرُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَكُلُّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الزِّرَاعَةِ وَقْفٌ كَمَا هُوَ عِنْدَنَا وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قُرَى مِصْرَ فُتِحَتْ صُلْحًا فَظَاهِرٌ بِالْبَدِيهَةِ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ لَا تَصَرُّفَ لَهُ وَقَدْ أَفْتَاهُمْ مَنْ اتَّبَعَ وَهْمَهُ أَنَّ لَهُمْ التَّصَرُّفَ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّ لَهُمْ التَّمْكِينَ وَالنَّزْعَ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ حَتَّى قَالُوا لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْفَلَّاحِينَ مَا شَاءَ، وَلَوْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، وَالْفَلَاحُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى فَيَزْرَعَ، وَأَنْ يَتْرُكَ وَاشْتُهِرَتْ هَذِهِ الْفَتْوَى الْبَاطِلَةُ ضَرُورَةً بِمِصْرَ حَتَّى صَالَ الْأُمَرَاءُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَيَقُولُ الظَّالِمُ بَلَدِي اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِي أَفْعَلُ فِيهَا وَفِي الْفَلَّاحِينَ مَا شِئْتُ كَمَا أَفْتَانِي بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ أَوْ صَارَ الْمَفْتُونُ يُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَزَادُوا أَنْ قَالُوا لَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ مُلْتَزِمَانِ وَبَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ فَلِلثَّانِي الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلُوهُ شَرِيكًا مَالِكًا، وَأَنَّ هَذَا الْإِسْقَاطَ بَيْعٌ، وَأَنَّ شَرِيكَهُ يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ، وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مِنْ أَيْنَ جَاءَكُمْ هَذَا لَقَالُوا {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَزِمَ الْكِرَاءُ بِالتَّمَكُّنِ قَوْلَهُ (عَكْسُ) (تَلَفِ الزَّرْعِ) بِآفَةٍ مِمَّا لِلْأَرْضِ مَدْخَلٌ فِيهَا، وَأَرَادَ بِالْعَكْسِ الْمُقَابَلَةَ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَيْ عَكْسُ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ وُجُوبِ الْكِرَاءِ وَعَكْسُهُ أَيْ نَقِيضُهُ عَدَمُ وُجُوبِهِ بِآفَةٍ مِنْ أَرْضِهِ (لِكَثْرَةِ دُودِهَا أَوْ فَأْرِهَا) لَوْ قَالَ لَدُودِهَا إلَخْ كَانَ أَحْسَنَ، وَأَخْصَرَ إذْ لَا تُشْتَرَطُ الْكَثْرَةُ (أَوْ عَطَشٍ) فَتَلِفَ كُلُّهُ (أَوْ بَقِيَ) مِنْهُ (الْقَلِيلُ) كَسِتَّةِ أَفْدِنَةٍ مِنْ مِائَةٍ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ انْفَرَدَ بِجِهَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهَا وَقِيلَ مَحَلُّهُ إنْ كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي جُمْلَةِ الْفَدَادِينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَضْرُوبٌ عَلَى أَيْدِيهِمْ) أَيْ مُلْزَمُونَ بِجِبَايَةِ الْخَرَاجِ مِنْ الزُّرَّاعِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُلْتَزِمِ) أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمُلْتَزِمُ اسْتَوْلَى عَلَى الْبَلَدِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ بِأَنْ كَانَ اسْتِيلَاؤُهُ بِتَقْسِيطٍ دِيوَانِيٍّ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْسِيطٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ إرْسَالِهِ لِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْبَلَدِ فَائِضًا سُحْتٌ مَحْضٌ كَذَا قَرَّرَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: فَأَفْتَوْهُمْ) أَيْ فَأَفْتَوْا الْمُلْتَزِمِينَ (قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يُنْزِلْ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ) أَيْ بِشَيْءٍ لَمْ يُنْزِلْ اللَّهُ بِهِ سُلْطَانًا أَيْ حُجَّةً وَدَلِيلًا أَيْ فَأَفْتَوْهُمْ بِشَيْءٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ قَدْ اسْتَأْجَرَ الْبَلَدَ مِنْ نَائِبِ السُّلْطَانِ فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِلْفَلَّاحِينَ بِمَا شَاءَ (قَوْلُهُ: فَضَلُّوا) أَيْ فَتَاهُوا عَنْ الْحَقِّ، وَأَضَلُّوا الْمُلْتَزِمِينَ الَّذِينَ أَفْتَوْهُمْ (قَوْلُهُ: فِي نَظِيرِ وَضْعِ الْيَدِ) أَيْ عَلَى الْبَلَدِ لِأَجْلِ جِبَايَةِ الْخَرَاجِ مِنْهَا لَا أَنَّهُ أُجْرَةٌ اسْتَأْجَرَ بِهَا الْبَلَدَ (قَوْلُهُ: إذْ الْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ إلَخْ) أَيْ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْتَاهُمْ) أَيْ الْمُلْتَزِمُونَ (قَوْلُهُ: عَكْسُ تَلَفِ الزَّرْعِ بِآفَةٍ إلَخْ) أَيْ فَيَسْقُطُ الْكِرَاءُ فَكَمَا يَجِبُ الْكِرَاءُ فِيمَا مَرَّ يَسْقُطُ هُنَا (قَوْلُهُ: مِنْ وُجُوبِ الْكِرَاءِ) بَيَانٌ لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ: وَعَكْسِهِ الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَقَوْلُهُ: أَيْ نَقِيضِهِ تَفْسِيرٌ لِعَكْسِ الْحُكْمِ وَقَوْلُهُ: أَيْ عَكْسُ الْحُكْمِ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: عَدَمُ وُجُوبِهِ أَيْ الْكِرَاءِ خَبَرُهُ وَقَوْلُهُ: بِآفَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ إذَا تَلِفَ الزَّرْعُ بِالْآفَةِ مِنْ أَرْضِهِ (قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ دُودِهَا) أَوْ بِمَا يَنْشَعُ مِنْهَا مِنْ الْمَاءِ وَنَحْوِ حَامُولٍ وَقُضَّابٍ وَهَالُوكٍ وَعَاقُولٍ وَالْمُرَادُ تَلَفُ الزَّرْعِ بِوُجُودِ مَا ذَكَرَ فِي الْمُدَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُعْتَادَةً بِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا فِي عبق وَكَمَا يَسْقُطُ الْكِرَاءُ بِتَلَفِ الزَّرْعِ بِآفَةٍ مِنْ أَرْضِهِ يَسْقُطُ أَيْضًا بِمَنْعِ الزَّرْعِ وَتَبْوِيرِ الْأَرْضِ لِفِتْنَةٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَوْ عَطَشٍ) أَيْ لِجَمِيعِ الْأَرْضِ حَتَّى تَلِفَ الزَّرْعُ بِتَمَامِهِ أَوْ بَقِيَ مِنْهُ الْقَلِيلُ بِلَا تَلَفٍ فَلَا يَلْزَمُهُ كِرَاءٌ أَصْلًا، وَإِلَّا لِمَا بَقِيَ بِلَا تَلَفٍ.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ لَوْ انْفَرَدَ بِجِهَةٍ) أَيْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكِرَاءِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الزَّرْعِ بِلَا تَلَفٍ، وَلَوْ انْفَرَدَ ذَلِكَ الْبَاقِي بِجِهَةٍ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ الْكِرَاءِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الزَّرْعِ بِلَا تَلَفٍ إنْ كَانَ إلَخْ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَبُو الْحَسَنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ (قَوْلُهُ: جُمْلَةِ الْفَدَادِينِ) أَيْ الْمُكْتَرَاةِ

الصفحة 53