كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

حُمِلَ مَا أَنْفَقَهُ الْمُكْتَرِي عَلَى التَّبَرُّعِ (نَفَقْتَ) أَيُّهَا الْمُكْتَرِي أَيْ صَرَفْت مِنْ عِنْدِك فِي إصْلَاحِ الْعَيْنِ إنْ أَبَى الْمُكْتَرِي (حِصَّةَ) أَيْ أُجْرَةَ (سَنَةٍ فَقَطْ) لِيَتِمَّ زَرْعُك فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيَلْزَمُ الْمُكْرِيَ مَا أَنْفَقْت؛ لِأَنَّك قُمْت عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ حِصَّةُ السَّنَةِ يَتَأَتَّى بِهَا إصْلَاحٌ فَلَوْ كَانَ لَا يُصْلِحُهَا إلَّا أَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ سَنَةٍ، وَأَبَى رَبُّهَا مِنْ الْإِصْلَاحِ، وَمِنْ الْإِذْنِ لَهُ فَأَنْفَقَ الْمُكْتَرِي كَانَ مُتَطَوِّعًا بِالزَّائِدِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الزَّرْعِ مِنْ الْعَطَشِ، وَمِثْلُ الْغَوْرِ انْهِدَامُ الْبِئْرِ وَقَوْلُهُ: نَفَقْتَ بِفَتْحِ النُّونِ مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا كَعَتَقَ، وَفَرِحَ، وَهُوَ لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِهَمْزَةِ النَّقْلِ فَالصَّوَابُ أَنْفَقْت، وَقِيلَ إنَّهُ يَتَعَدَّى فِي لُغَةٍ كَأَعْتَقَهُ وَعَتَقَهُ.

(وَإِنْ) (تَزَوَّجَ) رَجُلٌ امْرَأَةً رَشِيدَةً (ذَاتَ بَيْتٍ، وَإِنْ) مَلَكَتْ مَنْفَعَتَهُ (بِكِرَاءٍ) لَازِمٍ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً وَنَقَدَتْ جُمْلَةً (فَلَا كِرَاءَ) عَلَى الزَّوْجِ لَهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ (إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ) ، وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْبَيَانِ فَيَكُونُ لَهَا الْكِرَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا مَا تَقَدَّمَهُ وَبَيْتُ أُمِّهَا أَوْ أَبِيهَا كَبَيْتِهَا لِجَرْيِ الْعَادَةِ بِعَدَمِ مُطَالَبَتِهِ (وَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ) عَلَى إيصَالِ كِتَابٍ بِأُجْرَةٍ (أَنَّهُ وَصَّلَ كِتَابًا) أَوْ رِسَالَةً لِمُرْسَلٍ إلَيْهِ بِيَمِينِهِ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً فَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُصَدَّقُ، وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ الضَّمَانُ إنْ أَنْكَرَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْوُصُولَ فَكَلَامُهُ هُنَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ لَا فِي نَفْيِ الضَّمَانِ فَلَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا فِيهِ الضَّمَانُ أَوْ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْمُنْكِرُ، وَلَا بَيِّنَةَ وَقَوْلُهُ: فِي الْوَكَالَةِ وَضَمِنَ إنْ أَقْبَضَ الدَّيْنَ، وَلَمْ يُشْهِدْ، وَمِثْلُ الدَّيْنِ غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَ) الْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ الصَّانِعِ فِيمَا بِيَدِهِ (أَنَّهُ اسْتَصْنَعَ وَقَالَ) رَبُّهُ (وَدِيعَةً) عِنْدَك؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِيمَا يُدْفَعُ لِلصَّانِعِ الِاسْتِصْنَاعُ وَالْإِيدَاعُ نَادِرٌ فَلَا حُكْمَ لَهُ (أَوْ خُولِفَ) الصَّانِعُ (فِي الصِّفَةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجْرَةِ السَّنَةِ فِي الثَّانِيَةِ.
(قَوْلُهُ: حُمِلَ مَا أَنْفَقَهُ الْمُكْتَرِي عَلَى التَّبَرُّعِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حِصَّةَ سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ: حِصَّةُ سَنَةٍ فَقَطْ) أَيْ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّ الزَّرْعَ لَا يَتِمُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ السَّنَةِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ يُنْفِقُ أُجْرَةَ السِّنِينَ كُلِّهَا حَيْثُ اكْتَرِي سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا عُقْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَظَاهِرُهُ أَيُّ سَنَةٍ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْكِرَاءُ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُ أَنَّهُ يُنْفِقُ حِصَّةَ السَّنَةِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا الْغَوْرُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ يَجْرِي فِيهَا مَا جَرَى لِلْمُصَنِّفِ هُنَا فَإِذَا سَاقَى الْحَائِطَ سِنِينَ وَغَارَتْ عَيْنُهَا، وَأَبَى رَبُّهَا مِنْ إصْلَاحِهَا فَلِلْعَامِلِ أَنْ يُنْفِقَ قَدْرَ قِيمَةِ ثَمَرِهِ سَنَةَ لَا أَزْيَدَ كَمَا فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّك قُمْت عَنْهُ بِوَاجِبٍ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ الْإِصْلَاحُ لِلْمُكْتَرِي كَمَا مَرَّ وَاَلَّذِي عَلَّلَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ كَمَا فِي بْن أَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَتَى تَرَكَ ذَلِكَ فَسَدَ زَرْعُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ كِرَاءٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ أَمْرٍ يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى) أَيْ الْمُكْتَرِي وَقَوْلُهُ: أَيْضًا أَيْ كَمَا أَبَى الْمُكْرِي (قَوْلُهُ: مِنْ الْعَطَشِ) أَيْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَرْضَ السَّقْيِ لَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ أُجْرَتُهَا إلَّا إذَا اسْتَغْنَى الزَّرْعُ عَنْ السَّقْيِ.

(قَوْلُهُ: رَشِيدَةً) أَيْ، وَإِلَّا كَانَ الْكِرَاءُ لَازِمًا لِلزَّوْجِ، وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهَا التَّبَرُّعُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَنَقَدَتْ جُمْلَةً) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي بَيْتٍ مُشَاهَرَةً، وَلَمْ تَنْقُدْ شَيْئًا فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ بَيَّنَتْ أَنَّ الْكِرَاءَ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ التُّونُسِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ. اهـ. شب (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ) أَيْ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهَا بَيَانٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ، وَلَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّ الْكِرَاءَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَبَيْتُ أُمِّهَا أَوْ أَبِيهَا كَبَيْتِهَا) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهُ إلَّا إذَا حَصَلَ بَيَانٌ فَيَلْزَمُهُ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ لَا مَا قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِبَيْتِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا مَا يَمْلِكَانِ ذَاتَهُ أَوْ مَنْفَعَتَهُ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً وَنَقَدَا جُمْلَةً وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ، وَأَمَّا سُكْنَى الزَّوْجِ بِالزَّوْجَةِ فِي بَيْتِ أَخِيهَا أَوْ عَمِّهَا فَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَرَى إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصُرَتْ حَلَفَا أَنَّهُمَا لَمْ يُسْكِنَاهُ إلَّا بِأُجْرَةٍ، وَأَخَذَاهَا مِنْهُ، وَسُكْنَاهُ بِهَا فِي بَيْتِ أَبَوَيْهِ كَسُكْنَاهُ بِهَا فِي بَيْتِ أَبَوَيْ الزَّوْجَةِ، وَأَمَّا سُكْنَاهُ بِهَا فِي بَيْتِ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ إذَا قَالَا إنَّمَا أَسْكَنَّاهُ بِالْأُجْرَةِ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي أَخِيهَا وَعَمِّهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ ضَمُّهَا لَهُمَا عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا حِفْظًا لِعِرْضِهَا، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِضَمِّهَا لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا.
(تَنْبِيهٌ) اشْتِرَاطُ الزَّوْجِ حِينَ الْعَقْدِ سُكْنَاهُ بِبَيْتِهَا بِلَا كِرَاءٍ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ هُنَا قَالَهُ عبق.
(قَوْلُهُ: أَوْ رِسَالَةً إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِ كِتَابًا بَلْ مِثْلُهُ أَنَّهُ وَصَّلَ خَبَرًا أَوْ حُمُولَةً. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا عَلَى إيصَالِ كِتَابٍ أَوْ خَبَرٍ أَوْ حِمْلٍ لِشَخْصٍ بِبَلَدٍ أُخْرَى فَبَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَى الْأَجِيرُ أَنَّهُ وَصَّلَ ذَلِكَ وَنَازَعَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ وَصَّلَهُ إذَا ادَّعَى وُصُولَهُ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فِي أَمَدٍ) أَيْ حَيْثُ ادَّعَى وُصُولَهُ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً وَهَذَا مَعْنَى رُجُوعِ الشَّبَهِ لِهَذَا فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا شِبْهُهُمَا، وَلَا عَدَمُ شِبْهِ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ) أَيْ الْوَكِيلُ، وَالرَّسُولُ الْمَذْكُورُ وَكِيلٌ.

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ اسْتَصْنَعَ) أَيْ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ رَبُّهُ وَدِيعَةً عِنْدَك) سَيَأْتِي أَنَّ مَحَلَّ قَبُولِ قَوْلِ الصَّانِعِ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَ إنْ أَشْبَهَ، وَمَعْنَى الشَّبَهِ هُنَا أَنْ لَا تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى نَفْيِ

الصفحة 55