كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَبَدَأَ الصَّانِعُ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَهُ وَقِيلَ يَبْدَأُ رَبُّهُ أَنَّهُ مَا اسْتَصْنَعَهُ (وَاشْتَرَكَا) إنْ حَلَفَا كَأَنْ نَكَلَا هَذَا بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَهَذَا بِقِيمَةِ صَبْغِهِ وَقَضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ (لَا إنْ تَخَالَفَا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (فِي لَتِّ) أَيْ خَلْطِ (السَّوِيقِ) فَقَالَ اللَّاتِي أَمَرْتنِي أَنْ أَلِتَّهُ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ مِنْ سَمْنٍ مَثَلًا وَقَالَ رَبُّهُ مَا أَمَرْتُك بِشَيْءٍ أَصْلًا بَلْ سُرِقَ مِنِّي أَوْ غُصِبَ فَلَا يَحْلِفَانِ، وَلَا يَشْتَرِكَانِ بَلْ يُقَالُ لِرَبِّهِ ادْفَعْ لَهُ قِيمَةَ مَا قَالَ فَإِنْ دَفَعَ فَظَاهِرٌ (وَ) إنْ (أَبَى مِنْ دَفْعِ مَا قَالَ اللَّاتُّ فَمِثْلُ سَوِيقِهِ) غَيْرَ مَلْتُوتٍ يَدْفَعُهُ الصَّانِعُ لَهُ لِوُجُودِ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ مُقَوَّمٌ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ لَهُ مَلْتُوتًا مَجَّانًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ غَيْرُهُ يَتَعَيَّنُ الْمِثْلُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالرَّاجِحُ مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ بِأَخْذِهِ مَلْتُوتًا فَإِنْ لَمْ يَرْضَ تَعَيَّنَ دَفْعُ الْمِثْلِ فَبَيْنَهُمَا وِفَاقٌ.
وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا إنْ تَخَالَفَا فِي اسْتِصْنَاعِ مِثْلِيٍّ لِيَشْمَلَ الْمَلْتُوتَ وَغَيْرَهُ كَطَحْنِ قَمْحٍ وَعَصْرِ زَيْتُونٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ أَنْسَبَ ثُمَّ ذَكَرَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ فِي اخْتِلَافِ الْجَمَّالِ وَالْمُكْتَرِي الْأُولَى فِي قَبْضِ الْأُجْرَةِ وَعَدَمِهِ. الثَّانِيَةَ فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ. الثَّالِثَةَ فِيهِمَا وَبَدَأَ بِالْأُولَى فَقَالَ (وَ) الْقَوْلُ (لَهُ) أَيْ لِلْأَجِيرِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ (وَلِلْجَمَّالِ) وَنَحْوِهِ أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ (بِيَمِينٍ) مِنْ كُلٍّ (فِي عَدَمِ قَبْضِ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ بَلَغَا الْغَايَةَ) زَمَانِيَّةً أَوْ مَكَانِيَّةً أَيْ الَّتِي تَعَاقَدَا إلَيْهَا أَيْ إلَّا لِعُرْفٍ بِتَعْجِيلِهَا أَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَدَعْوَاهُ تُؤَدِّي لِلْفَسَادِ وَدَعْوَى الْمُكْتَرِي لِلصِّحَّةِ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ، وَفِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا إلَّا لِعُرْفٍ إلَخْ (إلَّا لِطُولٍ) بَعْدَ تَسْلِيمِ الْجَمَّالِ الْأَمْتِعَةَ لِرَبِّهَا (فَ) الْقَوْلُ (لِمُكْتَرِيهِ بِيَمِينٍ) لَا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ، وَلَوْ طَالَ وَيُعْتَبَرُ الطُّولُ بِالْعُرْفِ وَقِيلَ مَا زَادَ عَلَى الْيَوْمَيْنِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْأَحْمَالِ لِرَبِّهَا الَّذِي هُوَ الْمُكْتَرِي.
ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) اخْتَلَفَا فِي الْمَسَافَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْأُجْرَةِ بِأَنْ (قَالَ) الْجَمَّالُ (بِمِائَةٍ لِبَرْقَةَ وَقَالَ) الْمُكْتَرِي (بَلْ) بِهَا (لِإِفْرِيقِيَّةَ) تَخْفِيفُ الْيَاءِ أَكْثَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا وَهِيَ مَتَى أُطْلِقَتْ فِي الْمُدَوَّنَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQامْتَنَعَ رَبُّهُ مِنْ دَفْعِ قِيمَةِ الصَّبْغِ (قَوْلُهُ: وَبَدَأَ الصَّانِعُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ بَائِعٌ لِلْمَنَافِعِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَهُ وَيَحْلِفُ رَبُّهُ أَنَّهُ مَا اسْتَصْنَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ سُرِقَ مِنِّي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غُرْمَ الصَّانِعِ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حَلِفِهِ أَنَّهُ مَا اسْتَصْنَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ أَنَّهُ سُرِقَ مِنِّي فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى طِبْقِ الدَّعْوَى فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَتِهِ فِي الْيَمِينِ، وَأَنَّهُ سُرِقَ مِنِّي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَبْدَأُ رَبُّهُ) هَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الصَّقَلِّيِّ عَنْ الشَّيْخِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وح (قَوْلُهُ: وَقُضِيَ لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ) أَيْ فَإِذَا حَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ فَقَطْ قُضِيَ لَهُ بِقِيمَتِهِ أَبْيَضَ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَدَفَعَ قِيمَةَ الصَّبْغِ، وَلَوْ نَقَصَ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ خِيرَتَهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ، وَإِنْ حَلَفَ الصَّانِعُ فَقَطْ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ أُجْرَةِ الصَّبْغِ (قَوْلُهُ: بَلْ سُرِقَ مِنِّي أَوْ غُصِبَ) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ رَبُّهُ إنَّهُ وَدِيعَةٌ فَالْقَوْلُ لِلصَّانِعِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَ وَقَالَ وَدِيعَةً كَذَا قَالَ عبق وَالرَّاجِحُ كَمَا فِي بْن التَّعْمِيمُ أَيْ سَوَاءٌ ادَّعَى رَبُّهُ الْوَدِيعَةَ أَوْ السَّرِقَةَ، وَلَا يُقَالُ دَعْوَاهُ الْوَدِيعَةَ يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّانِعِ لِحَمْلِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمُقَوَّمِ، وَمَا هُنَا عَلَى الْمِثْلِيِّ.
(قَوْلُهُ: ادْفَعْ لَهُ قِيمَةَ مَا قَالَ) الْأَوْلَى مِثْلَ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ مِثْلِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ يُقْضَى فِيهَا بِالْمِثْلِ لَا بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يَحْلِفَانِ، وَلَا يَشْتَرِكَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الثَّوْبِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا طَلَبَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا بَيْضَاءَ، وَأَبَى الصَّانِعُ فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ وَيَشْتَرِكَانِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ) أَيْ فَحَاصِلُ مَذْهَبِهِ أَنَّ رَبَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ مَا قَالَهُ الصَّانِعُ مِنْ السَّمْنِ خُيِّرَ الصَّانِعُ إمَّا أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ السَّوِيقِ لِرَبِّهِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ لَهُ السَّوِيقَ مَلْتُوتًا مَجَّانًا (قَوْلُهُ: وَقَالَ غَيْرُهُ) أَيْ وَهُوَ أَشْهَبُ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ) أَيْ مُتَفَاضِلًا؛ وَلِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ رَبِّهِ أَنْ يَقُولَ لَا أَرْضَى بِهِ مَلْتُوتًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَا يَبْقَى بَلْ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ لَتَّ السَّوِيقِ بِالسَّمْنِ وَنَحْوِهِ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ مَلْحَظُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ غَيْرُ نَاقِلٍ لَهُ، وَهُوَ مَلْحَظُ أَشْهَبَ (قَوْلُهُ: فَبَيْنَهُمَا وِفَاقٌ إلَخْ) .
الْحَاصِلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ خِلَافًا نَظَرًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لَتَّ السَّوِيقِ بِالسَّمْنِ نَاقِلٌ لَهُ أَوْ لَا وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ بَيْنَهُمَا وِفَاقًا قَالَ ح وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْخِلَافِ وَتَرَكَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِتَرْجِيحِ قَوْلِ غَيْرِهِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ لِلْأَجِيرِ) أَيْ الَّذِي اسْتَأْجَرْته لِخِدْمَةٍ أَوْ خِيَاطَةٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فِي عَدَمِ قَبْضِ الْأُجْرَةِ) أَيْ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمُكْتَرِي أَنَّهُ قَبَضَهَا (قَوْلُهُ: إلَّا لِعُرْفٍ بِتَعْجِيلِهَا) أَيْ، وَإِلَّا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي فِي قَبْضِهَا (قَوْلُهُ: وَدَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَى الْأَجِيرِ وَالْجَمَّالِ بِعَدَمِ قَبْضِهَا وَقَوْلُهُ: وَدَعْوَى الْمُكْتَرِي أَيْ بِقَبْضِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا لِطُولٍ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ تَنَازُعُهُمَا بَعْدَ طُولٍ بَعْدَ تَسْلِيمٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِمُكْتَرِيهِ) أَيْ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأَمْتِعَةِ فِي أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْأَمْتِعَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ قَبُولِ قَوْلِ الْمُكْتَرِي بَعْدَ الطُّولِ وَبَعْدَ تَسْلِيمِ الْأَمْتِعَةِ مَا لَمْ يُقِمْ الْجَمَّالُ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُكْتَرِي بَعْدَ تَسْلِيمِ الْأَمْتِعَةِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي فِي دَفْعِهَا (قَوْلُهُ: لَا قَبْلَ تَسْلِيمِهَا) أَيْ لَا إنْ كَانَ تَنَازُعُهُمَا قَبْلَ إلَخْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَمَّالَ إذَا سَلَّمَ الْأَمْتِعَةَ فَإِنْ تَنَازَعَا بَعْدَ طُولٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي، سَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ الْأُجْرَةَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْأَمْتِعَةِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ تَنَازَعَا قَبْلَ الطُّولِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَمَّالِ كَمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْأَمْتِعَةَ لِرَبِّهَا فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: مُطْلَقًا، وَلَوْ طَالَ (قَوْلُهُ: مَا زَادَ عَلَى الْيَوْمَيْنِ) أَيْ كَالثَّلَاثِ فَأَكْثَرَ

الصفحة 57