كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَهُ (بِالتَّمَامِ) لِلْعَمَلِ بِتَمْكِينِ رَبِّهِ مِنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا (كَكِرَاءِ السُّفُنِ) هَذَا تَشْبِيهٌ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ الْأَجْرَ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَهُوَ إجَارَةٌ لَا جَعَالَةٌ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ بِكِرَاءٍ فَإِذَا غَرِقَتْ السَّفِينَةُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، أَوْ فِي آخِرِهَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا قَالَ فِيهَا وَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَلَاغِ أَيْ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِ مَا فِيهَا وَسَوَاءٌ وَقَعَتْ بِلَفْظِ إجَارَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ وَمِثْلُ السَّفِينَةِ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ وَالْمُعَلِّمِ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ، أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ صَنْعَةٍ، وَالْحَافِرِ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ بِمَوَاتٍ مَعَ عِلْمِ شِدَّةِ الْأَرْضِ وَبُعْدِ الْمَاءِ، أَوْ ضِدِّهِمَا وَكَذَا إرْسَالُ رَسُولٍ لِبَلَدٍ لِتَبْلِيغِ خَبَرٍ أَوْ إتْيَانٍ بِحَاجَةٍ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ إلَّا أَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْجَعَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْكِرَاءَ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِالتَّمَامِ أَيْ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ) رَبُّهُ بَعْدَ تَرْكِ الْعَامِلِ، أَوْ يُجَاعِلَ آخَرَ (عَلَى التَّمَامِ) ، أَوْ يُتِمَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَبِيدِهِ (فَبِنِسْبَةِ) عَمَلِ (الثَّانِي) أَيْ فَيَسْتَحِقَّ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَجْرِ بِنِسْبَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ الثَّانِي سَوَاءٌ عَمِلَ الثَّانِي قَدْرَ الْأَوَّلِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَجْرُ أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ قَدْ انْتَفَعَ بِمَا عَمِلَهُ لَهُ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ مِثَالُهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْأَوَّلِ خَمْسَةً عَلَى أَنْ يَحْمِلَ لَهُ خَشَبَةً إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَحَمَلَهَا وَتَرَكَهَا أَثْنَاءَ الطَّرِيقِ فَجَعَلَ لِغَيْرِهِ عَشَرَةً مَثَلًا عَلَى إيصَالِهَا لِلْمَكَانِ الْمَعْلُومِ فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ بَلَّغَهَا النِّصْفَ فَلَهُ عَشَرَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنُوبُ فِعْلَ الْأَوَّلِ مِنْ عَمَلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلِمَهُ رَبُّهُ فَقَطْ لَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَمَّى وَجُعْلُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَلِمَهُ الْعَامِلُ فَقَطْ كَانَ لَهُ بِقَدْرِ تَعَبِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ عَلِمَاهُ مَعًا فَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ جُعْلَ مِثْلِهِ نَظَرًا لِسَبْقِ الْجَاعِلِ بِالْعَدَاءِ وَتَارَةً يَكُونُ مَعْلُومًا كَالْمُجَاعَلَةِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخِبْرَةُ بِالْأَرْضِ وَبِمَائِهَا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ سَمَاعُهُ بِوَاسِطَةٍ (قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَهُ) أَيْ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِتَمْكِينِ رَبِّهِ مِنْهُ) هَذَا تَصْوِيرٌ لِتَمَامِ الْعَمَلِ، وَتَمْكِينُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ أَيْ وَتَمَامُ الْعَمَلِ مُصَوَّرٌ بِأَنْ يُمَكِّنَ الْمُجَاعِلُ رَبَّ الشَّيْءِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ مِنْهُ فَإِنْ أَبَقَ قَبْلَ قَبْضِهِ بَعْدَ مَجِيءِ الْعَامِلِ بِهِ لِبَلَدِ رَبِّهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ جُعْلًا (قَوْلُهُ: هَذَا تَشْبِيهٌ إلَخْ) أَيْ لَا تَمْثِيلٌ خِلَافًا لتت وَبَهْرَامَ (قَوْلُهُ: كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ بِكِرَاءٍ) أَيْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِجَارَةَ وَالْكِرَاءَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ (قَوْلُهُ: قَالَ فِيهَا إلَخْ) نَصُّ كَلَامِهَا مَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً فَغَرِقَتْ فِي ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا وَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَلَاغِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ كِرَاءَ السَّفِينَةِ دَائِمًا إجَارَةٌ عَلَى الْبَلَاغِ فَهُوَ لَازِمٌ سَوَاءٌ صَرَّحَ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِالْإِجَارَةِ، أَوْ الْجَعَالَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بِالْجَعَالَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ كَانَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ إجَارَةً مَوْصُوفَةً بِكَوْنِهَا عَلَى الْبَلَاغِ أَشْبَهَتْ الْجُعْلَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ الْعِوَضُ إلَّا بِالتَّمَامِ اهـ عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ السَّفِينَةِ) أَيْ فِي أَنَّهَا إجَارَةٌ عَلَى الْبَلَاغِ لَا جَعَالَةٌ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْفُرُوعِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَلَاغِ مُسَاوِيَةٌ لِلْجَعَالَةِ فِي أَنَّ الْأُجْرَةَ فِيهَا لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ تِلْكَ الْأُمُورِ مِنْ الْإِجَارَةِ لَا مِنْ الْجَعَالَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا فِي هَذَا الْوَجْهِ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَلَاغِ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ صَنْعَةٍ) أَيْ وَالْمُشَارَطَةُ عَلَى تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ وَقَوْلُهُ: وَالْحَافِرِ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ بِمَوَاتٍ أَيْ وَمُشَارَطَةُ الْحَافِرِ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ بِمَوَاتٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى الْبَلَاغِ إنْ صَرَّحَ عِنْدَ الْعَقْدِ بِالْإِجَارَةِ، أَوْ سَكَتَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ أَمَّا إنْ صَرَّحَ عِنْدَهُ بِالْجَعَالَةِ كَانَتْ جَعَالَةً وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بِمَوَاتٍ أَنَّهُ لَوْ شَارَطَهُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ بِمِلْكٍ كَانَتْ إجَارَةً لَا عَلَى الْبَلَاغِ إنْ صَرَّحَ عِنْدَ الْعَقْدِ، أَوْ سَكَتَ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِنِسْبَةِ مَا عَمِلَ إنْ تَرَكَ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْجَعَالَةِ كَانَتْ جَعَالَةً فَاسِدَةً. (قَوْلُهُ: أَوْ يُتِمُّهُ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِالْعَمَلِ السَّابِقِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ، أَوْ يُجَاعِلَ عَلَى تَمَامِ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ، أَوْ يُتِمَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَبِيدِهِ. (قَوْلُهُ: فَيَسْتَحِقَّ الْأَوَّلُ مِنْ الْأَجْرِ) أَيْ عَلَى عَمَلِهِ بِنِسْبَةِ مَا يَأْخُذُهُ الثَّانِي عَلَى عَمَلِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَمَلُ الثَّانِي قَدْرَ عَمَلِ الْأَوَّلِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ قِيمَةُ عَمَلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَجْرُ) أَيْ الَّذِي يَأْخُذُهُ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: فَجَعَلَ لِغَيْرِهِ عَشَرَةً عَلَى إيصَالِهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ) أَيْ نِصْفَهَا بِحَسَبِ التَّعَبِ لَا مُجَرَّدِ الْمَسَافَةِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ بَلَّغَهَا النِّصْفَ إلَخْ أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ بَلَّغَهَا ثُلُثَ الطَّرِيقِ وَتَرَكَهَا وَاسْتُؤْجِرَ الثَّانِي عَلَى كَمَالِ الْمَسَافَةِ بِعَشَرَةٍ كَانَ لِلْأَوَّلِ خَمْسَةٌ وَهَكَذَا فَلَوْ أَوْصَلَهَا الْجَاعِلُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِعَبِيدِهِ، أَوْ أَوْصَلَهَا لَهُ غَيْرُهُ مَجَّانًا يُقَالُ مَا قِيمَةُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّهُ، أَوْ جَاعَلَ عَلَيْهِ، وَيُعْطِي الْأَوَّلَ بِنِسْبَتِهِ فَلَوْ

الصفحة 61