كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

عَلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الطَّرِيقِ عِشْرُونَ اُنْظُرْ الشُّرَّاحَ، ثُمَّ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَا يَرْجِعُ لِمَا بَعْدَهَا وَعَلَيْهِ فَمَنْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً لِحَمْلٍ كَقَمْحٍ فَغَرِقَتْ أَثْنَاءَ الطَّرِيقِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْقَمْحِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ فَاسْتَأْجَرَ رَبُّهُ عَلَى مَا بَقِيَ فَإِنَّ لِلْأَوَّلِ كِرَاءَ مَا بَقِيَ إلَى مَحَلِّ الْغَرَقِ عَلَى حِسَابِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ لَا بِنِسْبَةِ الثَّانِي وَلَيْسَ لَهُ كِرَاءُ مَا ذَهَبَ بِالْغَرَقِ وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا اخْتِيَارًا لَكَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْكِرَاءِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لَهُمَا كَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِمَحَلٍّ وَتَرَكَهَا فِي الْأَثْنَاءِ بِلَا عُذْرٍ وَكَذَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ لَوْ فَرَّطَ فِي نَقْلِ مَتَاعِهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْغَايَةِ حَتَّى غَرِقَ وَقَوْلُهُ (إنْ اُسْتُحِقَّ وَلَوْ بِحُرِّيَّةٍ) مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ بِالتَّمَامِ أَيْ أَنَّ مَنْ أَتَى بِالْعَبْدِ الْآبِقِ فَاسْتَحَقَّهُ شَخْصٌ أَوْ اُسْتُحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ عَلَى الْجَاعِلِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّهُ وَرَّطَهُ فِي الْعَمَلِ وَلَوْلَا الِاسْتِحْقَاقُ لَقَبَضَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ الْجَاعِلُ بِالْجُعْلِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (بِخِلَافِ مَوْتِهِ) أَيْ الْآبِقِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ (بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ) مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّةٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ صِحَّةُ الْجُعْلِ بِشَرْطِ عَدَمِ تَقْدِيرٍ أَيْ تَعْيِينِ زَمَنٍ سَوَاءٌ شَرَطَ عَدَمَهُ، أَوْ سَكَتَ عَنْهُ فَإِنْ شَرَطَ تَقْدِيرَهُ مُنِعَ (إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ) أَيْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQجَاعَلَ رَبُّهُ نَفْسَ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّمَامِ لَاسْتَحَقَّ الْجُعْلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَقَطْ. (قَوْلُهُ: عَلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الطَّرِيقِ) أَيْ يَوْمَ اُسْتُؤْجِرَ الْأَوَّلُ عِشْرُونَ لَا يُقَالُ الْأَوَّلُ رَضِيَ بِحَمْلِهَا جَمِيعَ الطَّرِيقِ بِخَمْسَةٍ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُعْطَى نِصْفَهَا وَالْمُغَابَنَةُ جَائِزَةٌ فِي الْجُعْلِ كَالْبَيْعِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْجُعْلِ مُنْحَلًّا مِنْ جَانِبِ الْعَامِلِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَمَّا تَرَكَ بَعْدَ حَمْلِهِ نِصْفَ الْمَسَافَةِ صَارَ تَرْكُهُ لِلْإِتْمَامِ إبْطَالًا لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَصَارَ الثَّانِي كَاشِفًا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الْأَوَّلُ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ الَّذِي أَحَالَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ لِمَا بَعْدَهَا) أَيْ وَهُوَ كِرَاءُ السُّفُنِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَازِمٌ فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ الْعَمَلُ فِي السَّفِينَةِ وَاسْتَأْجَرَ رَبُّ الْمَحْمُولِ سَفِينَةً أُخْرَى عَلَى التَّمَامِ كَانَ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ نَفْسِهِ لَا بِحَسَبِ كِرَاءِ السَّفِينَةِ الثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: فَاسْتَأْجَرَ رَبُّهُ عَلَى مَا بَقِيَ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ بَاعَ ذَلِكَ الْبَاقِيَ فِي مَحَلِّ الْغَرَقِ وَلَوْ بِرِبْحٍ فَلَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ لَا لِمَا غَرِقَ وَلَا لِمَا بَاعَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ عج فِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ لِلْأَوَّلِ إلَخْ) لَا يُقَالُ هَذَا مُعَارِضٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ كِرَاءَ السَّفِينَةِ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالتَّمَامِ، وَأَنَّهُ إذَا غَرِقَ مَا فِيهَا أَثْنَاءَ الطَّرِيقِ فَلَا كِرَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَسْتَأْجِرْ رَبُّ الْمَحْمُولِ سَفِينَةً أُخْرَى عَلَى التَّمَامِ، وَإِلَّا كَانَ لِلْأَوَّلِ بِحَسَبِ كِرَاءِ نَفْسِهِ الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ كِرَاءُ مَا ذَهَبَ بِالْغَرَقِ) أَيْ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ رَبِّهِ مِنْ قَبْضِهِ. (قَوْلُهُ: اخْتِيَارًا) أَيْ وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِوَحَلِهَا، ثُمَّ خَلَصَتْ فَانْظُرْ هَلْ يَكُونُ كَمَرَضِ دَابَّةٍ بِسَفَرٍ ثُمَّ تَصِحُّ فَلَا يَلْزَمُ عَوْدُهُ لَهَا أَمْ لَا قَالَهُ عبق قَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنْ خَلَصَتْ مِنْ الْوَحَلِ سَلِيمَةً فَلَيْسَ كَمَرَضِ الدَّابَّةِ وَيَلْزَمُ الْعَوْدُ لَهَا، وَإِذَا حَصَلَ فِيهَا أَثَرٌ مَخُوفٌ وَأُصْلِحَ فَهُوَ مِثْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ إلَخْ) فِي ح إذَا صَبَّ الْقَمْحَ فِي سَفِينَةٍ لِجَمَاعَةٍ وَغَرِقَ بَعْضُهُ فَإِنْ عَزَلَ قَمْحَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ فَهُوَ عَلَى حُكْمِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا اشْتَرَكُوا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اُسْتُحِقَّ) أَيْ بَعْدَ وُصُولِ الْمُجَاعِلِ لِلْبَلَدِ وَقَبْلَ قَبْضِ رَبِّهِ أَمَّا لَوْ اُسْتُحِقَّ مِنْهُ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ إتْيَانِهِ لِلْبَلَدِ فَلَا جُعْلَ لَهُ كَمَا ارْتَضَاهُ بْن. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِحُرِّيَّةٍ) رَدَّ بِلَوْ عَلَى أَصْبَغَ الْقَائِلِ بِسُقُوطِ الْجُعْلِ إذَا اُسْتُحِقَّ بِحُرِّيَّةٍ. (قَوْلُهُ: بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ بِالتَّمَامِ) أَيْ وَإِلَّا لَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا جُعْلَ لَهُ إذْ اُسْتُحِقَّ الْآبِقُ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّهِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى التَّمَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: اللَّائِقُ أَنْ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ اُسْتُحِقَّ وَلَوْ بِحُرِّيَّةٍ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ التَّمَامِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ الْجَاعِلُ بِالْجُعْلِ) أَيْ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْعَامِلِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) أَيْ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ الْقَائِلِ لِلْجَاعِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْمُسَمَّى وَجُعْلِ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَوْتِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْعَامِلِ بَعْدَ مَجِيئِهِ بِهِ لِبَلَدِ رَبِّهِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَهُ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ تَسْلِيمِهِ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا تَسَلَّمَهُ رَبُّهُ وَلَوْ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيِّ فِي مَسَائِلَ كَمَا لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ عَنْ وَارِثٍ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ فَإِنَّهُ يَرِثُ وَكَمَا هُنَا قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ بِحُرِّيَّةٍ وَبَيْنَ مَوْتِهِ عَدَمُ النَّفْعِ بِالْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ فَإِنَّ فِيهِ نَفْعًا فِي ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَاعِلِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِصِحَّةٍ) أَيْ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ أَيْ صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ التَّبَرُّعِ جُعْلًا حَالَةَ كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِعَدَمِ تَقْدِيرِ الزَّمَنِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ) الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ التَّعْمِيمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْتِبَاسَهُ بِعَدَمِ تَقْدِيرِ الزَّمَنِ صَادِقٌ بِمَا إذَا سَكَتَ عَنْ تَقْدِيرِهِ وَبِمَا إذَا شَرَطَ عَدَمَ تَقْدِيرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ شَرْطِ عَدَمِ التَّقْدِيرِ قَاصِرٌ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ) أَيْ كَ أُجَاعِلُكَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِعَبْدِي الْآبِقِ بِدِينَارٍ بِشَرْطِ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ فِي شَهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ) أَيْ فَيَجُوزُ إنْ قِيلَ شَأْنُ هَذَا الْعَقْدِ التَّرْكُ فِيهِ مَتَى شَاءَ فَلِمَ كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ جَائِزٍ إذَا قُدِّرَ بِزَمَنٍ

الصفحة 62