كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

أَنَّ لَهُ تَرْكَ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ فَيَجُوزَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ رَجَعَ حِينَئِذٍ لِأَصْلِهِ وَسُنَّتِهِ مِنْ كَوْنِ الزَّمَانِ مُلْغًى، وَإِنَّمَا ضَرَّ تَقْدِيرُ الزَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ فَقَدْ يَنْقَضِي الزَّمَنُ قَبْلَ التَّمَامِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا فَفِيهِ زِيَادَةُ غَرَرٍ، وَإِخْرَاجٌ لَهُ عَنْ سُنَّتِهِ، وَمِثْلُ شَرْطِ التَّرْكِ مَتَى شَاءَ إذَا جَعَلَ لَهُ الْجُعْلَ بِتَمَامِ الزَّمَنِ تَمَّ الْعَمَلُ أَمْ لَا فَيَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ حِينَئِذٍ مِنْ الْجَعَالَةِ إلَى الْإِجَارَةِ (وَلَا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ أَيْ وَبِلَا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَبِلَا شَرْطِ نَقْدٍ فَإِنَّ شَرْطَ النَّقْدِ مُضِرٌّ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ نَقْدٌ بِالْفِعْلِ لِتَرَدُّدِ الْمَنْقُودِ بِشَرْطٍ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَلَا يَضُرُّ النَّقْدُ تَطَوُّعًا وَالْجُعْلُ يَصِحُّ (فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ) أَيْ كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ جَازَ فِيهِ الْجَعَالَةُ (بِلَا عَكْسٍ) فَلَيْسَ كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْجَعَالَةُ جَازَ فِيهِ الْإِجَارَةُ فَالْجَعَالَةُ أَعَمُّ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ، وَإِلَّا فَهُمَا عَقْدَانِ مُتَبَايِنَانِ وَهَذَا سَهْوٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ عَكْسُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَالْإِجَارَةُ أَعَمُّ وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ الْوَجْهِيَّ فَيَجْتَمِعَانِ فِي نَحْوِ بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءِ ثَوْبٍ، أَوْ أَثْوَابٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ بِفَلَاةٍ وَاقْتِضَاءِ دَيْنٍ وَتَنْفَرِدُ الْإِجَارَةُ فِي خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ وَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مِلْكٍ وَسُكْنَى بَيْتٍ وَاسْتِخْدَامِ عَبْدٍ وَدَابَّةٍ وَتَنْفَرِدُ الْجَعَالَةُ فِيمَا جُهِلَ حَالُهُ وَمَكَانُهُ كَآبِقٍ وَنَحْوِهِ، نَعَمْ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا جُهِلَ مَكَانُهُ تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ شَأْنَهُ يُغْنِي عَنْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ.؟
قُلْت: الْمَجْعُولُ لَهُ إذَا قُدِّرَ عَمَلُهُ بِزَمَنٍ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَاخِلٌ عَلَى التَّمَامِ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ فِي الْوَاقِعِ وَحِينَئِذٍ فَغَرَرُهُ قَوِيٌّ وَأَمَّا عِنْدَ الشَّرْطِ فَقَدْ دَخَلَ ابْتِدَاءً عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَغَرَرُهُ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: أَنَّ لَهُ تَرْكَ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ) أَيْ وَأَنَّ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَالْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْفِرَارُ مِنْ إضَاعَةِ الْعَمَلِ بَاطِلًا كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا قَالَ لَهُ أُجَاعِلُكَ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِعَبْدِي فِي شَهْرٍ بِدِينَارٍ عَمِلْت أَمْ لَا انْقَلَبَتْ الْجَعَالَةُ إجَارَةً وَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ فَإِنْ عَمِلَ اسْتَحَقَّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَذَا قَرَّرَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَبِلَا شَرْطِ نَقْدٍ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِلَا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ صَادِقٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ نَقْدٌ أَصْلًا، أَوْ كَانَ هُنَاكَ نَقْدٌ تَطَوُّعًا، أَوْ كَانَ هُنَاكَ اشْتِرَاطُ نَقْدٍ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الثَّالِثَةِ مَمْنُوعٌ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ) أَيْ إنْ لَمْ يُوصِلْهُ لِرَبِّهِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ أَصْلًا أَوْ وَجَدَهُ وَهَرَبَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ وَقَوْلُهُ: وَالثَّمَنِيَّةِ أَيْ إنْ وَجَدَ الْآبِقَ وَأَوْصَلَهُ لِرَبِّهِ. (قَوْلُهُ: فَالْجَعَالَةُ أَعَمُّ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ الَّذِي تَعَلَّقَا بِهِ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُمَا عَقْدَانِ مُتَبَايِنَانِ أَيْ وَإِلَّا نَقُلْ إنَّ أَعَمِّيَّةَ الْجُعْلِ مِنْ الْإِجَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ بَلْ قُلْنَا إنَّ أَعَمِّيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِمَا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مُتَبَايِنَانِ مَفْهُومًا. (قَوْلُهُ: وَهَذَا سَهْوٌ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَ " كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالضَّمِيرُ فِي جَازَ لِلْجُعْلِ فَوَافَقَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ قَوْلُهُ: فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ سَابِقًا صِحَّةُ الْجُعْلِ، وَأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاعِلُ " جَازَ " حَتَّى يَأْتِيَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ) نَصُّهَا كُلُّ مَا جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي الْمَوَاتِ جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا جَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةِ جَازَ فِيهِ الْجُعْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ وَخِدْمَةَ عَبْدٍ شَهْرًا وَبَيْعَ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ وَحَفْرَ الْآبَارِ فِي الْمِلْكِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَى مَا ذُكِرَ يَصِحُّ إذَا كَانَ إجَارَةً لَا جَعَالَةً؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْجَاعِلِ مَنْفَعَةٌ إنْ لَمْ يُتِمَّ الْمَجْعُولُ لَهُ الْعَمَلَ وَالْجُعْلُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا يَحْصُلُ لِلْجَاعِلِ نَفْعٌ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ. (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: فَيَجْتَمِعَانِ فِي نَحْوِ بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءِ ثَوْبٍ) أَيْ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى بَيْعِ مَا ذُكِرَ، أَوْ شِرَائِهِ يَصِحُّ إجَارَةً وَجَعَالَةً. (قَوْلُهُ: أَوْ أَثْوَابٍ قَلِيلَةٍ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِمَا سَتَعْلَمُهُ. (قَوْلُهُ: وَتَنْفَرِدُ الْإِجَارَةُ فِي خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبَيْعِ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ فِي الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَعَالَةً بِأَنْ تُجَاعِلَهُ عَلَى شَرْطِ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُجَاعِلَ قَدْ يَنْتَفِعُ بِخِيَاطَةِ الْبَعْضِ، أَوْ بَيْعِ الْبَعْضِ بَاطِلًا إنْ لَمْ يُتِمَّ الْعَامِلُ الْعَمَلَ وَيَصِحُّ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنْ يَكُونَ إجَارَةً بِأَنْ يَدْخُلَا عَلَى أَنَّ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ إنْ تَرَكَ فَقَوْلُهُ وَبَيْعُ سِلَعٍ كَثِيرَةٍ أَيْ إذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأَجْرِ إلَّا بِبَيْعِ الْجَمِيعِ، ثُمَّ إنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ مِنْ جَوَازِ الْجُعْلِ عَلَى بَيْعِ الثِّيَابِ الْقَلِيلَةِ وَمَنْعِهِ عَلَى بَيْعِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ فِي أَنَّهُ مَتَى انْتَفَعَ الْجَاعِلُ بِالْبَعْضِ بِأَنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالتَّمَامِ مُنِعَ الْجُعْلُ عَلَى بَيْعِ الْقَلِيلِ وَبَيْعِ الْكَثِيرِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُجَاعَلَةَ عَلَى بَيْعِ مَا زَادَ عَلَى ثَوْبٍ إنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ مَا بَاعَ بِحِسَابِهِ إذَا تَرَكَ جَازَ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِبَيْعِ الْجَمِيعِ مُنِعَ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّوْبِ كَثِيرًا، أَوْ قَلِيلًا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَاشِرٍ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: كَآبِقٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ بِغَيْرِ شَارِدٍ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا بِالتَّمَامِ جُعْلٌ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا تَبَعًا لعج وَالْحَقُّ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا قَالَهُ عج مِنْ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا وَجْهِيًّا لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ لَمْ تَنْفَرِدْ عَنْ الْإِجَارَةِ بِمَحَلٍّ وَمَا جُهِلَ حَالُهُ وَمَكَانُهُ كَمَا يَصِحُّ فِيهِ الْجُعْلُ يَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ كَأَنْ يُؤَاجِرَهُ عَلَى التَّفْتِيشِ عَلَى عَبْدِهِ الْآبِقِ بِكَذَا أَتَى بِهِ أَمْ لَا

الصفحة 63