كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

فَيَخْتَصُّ بِالْعِمَارَةِ وَبِحَرِيمِهَا فَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَصَّلَ الْحَرِيمَ بِقَوْلِهِ (كَمُحْتَطَبٍ) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ مَكَان يُقْطَعُ مِنْهُ الْحَطَبُ (وَمَرْعًى) مَكَانِ الرَّعْيِ (يُلْحَقُ) ذَلِكَ الْمُحْتَطَبُ وَالْمَرْعَى (غُدُوًّا) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ (وَرَوَاحًا) مَا بَعْدَهُ حَالَ كَوْنِ الْمُحْتَطَبِ وَالْمَرْعَى (لِبَلَدٍ) يَعْنِي إذَا عَمَّرَ جَمَاعَةٌ بَلَدًا فَإِنَّهُمْ يَخْتَصُّونَ بِهَا وَبِحَرِيمِهَا مِنْ مُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى لِدَوَابِّهِمْ يُلْحَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى عَادَةِ الْحَاطِبِينَ وَالرُّعَاةِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِمْ مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ وَالِانْتِفَاعِ بِالْحَطَبِ وَحَلْبِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ غُدُوًّا وَرَوَاحًا فَلَا مُشَارَكَةَ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُمْ وَمَنْ أَتَى مِنْهُمْ بِحَطَبٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَهُوَ لَهُ مِلْكٌ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ (وَمَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ) مِنْ عَاقِلٍ، أَوْ غَيْرِهِ حَرِيمٌ لِبِئْرِ مَاشِيَةٍ أَوْ شُرْبٍ (وَ) مَا (لَا يَضُرُّ بِمَاءٍ) حَرِيمٌ (لِبِئْرٍ) أَيْ بِئْرِ الزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي وَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَمُرَادُهُ أَنَّ مُنْتَهَى مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يُضَيِّقُ هُوَ مُنْتَهَى حَرِيمِ الْبِئْرِ، وَفِي نُسْخَةٍ وَمَا يُضَيِّقُ إلَخْ بِدُونِ نَفْيٍ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْحَرِيمِ الَّذِي لِرَبِّ الْبِئْرِ الْمَنْعُ مِنْهُ (وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ) عُرْفًا حَرِيمٌ (لِنَخْلَةٍ) وَشَجَرَةٍ (وَمَطْرَحِ تُرَابٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلِ بِإِحْيَاءِ الثَّانِي قَبْلَ طُولِ الِانْدِرَاسِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ عَدَمِ سُكُوتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَعْمِيرِ الثَّانِي وَحَلِفِهِ فَإِنْ انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْهُمَا اخْتَصَّ بِهَا الثَّانِي وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهَا. (قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ بِالْعِمَارَةِ) أَيْ فَيَخْتَصُّ الْمُعَمِّرُ بِالْعِمَارَةِ وَبِحَرِيمِهَا فَإِذَا جَاءَ شَخْصٌ آخَرُ وَبَنَى فِي حَرِيمِ الْعِمَارَةِ وَأَحْيَاهُ بِالْعِمَارَةِ، أَوْ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ فِيهِ فَلَا يَمْلِكُهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا لِجَمِيعِ الْبَلَدِ الِانْتِفَاعُ بِهِ، نَعَمْ إذَا أَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يُحْيِيَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ " عَلَيْهِ "؛ لِأَنَّ الْحَرِيمَ مُخْتَصٌّ بِالْمُعَمِّرِ وَمَقْصُورٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: يَلْحَقُ غُدُوًّا) أَيْ يَلْحَقُ الشَّخْصَ الْمَوْصُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَرْجِعُ الشَّخْصُ مِنْهُمَا لِقَوْمِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ الزَّوَالِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي يَذْهَبُ فِيهِ وَيَرْجِعُ بِالْحَطَبِ الَّذِي يَحْتَطِبُهُ فِي طَبْخٍ وَنَحْوِهِ وَيَنْتَفِعُ بِالدَّوَابِّ فِي حَلْبِ وَطَبْخِ مَا يَحْلُبُ لَا مُجَرَّدُ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ) أَيْ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُجِيبَهُ بِعِمَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يُضَيِّقُ) عَطْفٌ عَلَى " مُحْتَطَبٍ ". (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كَبَهِيمَةٍ. (قَوْلُهُ: حَرِيمٌ لِبِئْرِ مَاشِيَةٍ) مِثْلُهُ النَّهْرُ فَحَرِيمُهُ مَا ذُكِرَ أَيْ مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَرِدُهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَقِيلَ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَقَدْ وَقَعَتْ الْفَتْوَى قَدِيمًا بِهَدْمِ مَا بُنِيَ بِشَاطِئِ النَّهْرِ وَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ إنْ كَانَ مَسْجِدًا كَمَا فِي الْمَدْخَلِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْبَحْرَ إذَا انْكَشَفَ عَنْ أَرْضٍ وَانْتَقَلَ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ لَا لِمَنْ يَلِيهِ وَلَا لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ يَلِيهِ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسٌ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ سَحْنُونٍ اهـ شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا) أَيْ مِنْ الْآبَارِ كَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَالشُّرْبِ وَقَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي أَيْ وَهُوَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْمَاءِ وَقَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ أَيْ وَهُوَ مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا لَا يَضُرُّ بِالْمَاءِ حَرِيمٌ لِكُلِّ بِئْرٍ وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَالشُّرْبِ مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ وَلِذَا قَالَ عِيَاضٌ حَرِيمُ الْبِئْرِ مَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا يُحْدِثَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِهَا ظَاهِرًا كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، أَوْ بَاطِنًا كَحَفْرِ بِئْرٍ يُنَشِّفُ مَاءَهَا، أَوْ يُذْهِبُهُ، أَوْ حَفْرِ مِرْحَاضٍ تُطْرَحُ النَّجَاسَاتُ فِيهِ يَصِلُ إلَيْهَا وَسَخُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ أَنَّ مُنْتَهَى إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ فِي عَطْفِ " مَا لَا يُضَيِّقُ " عَلَى " مُحْتَطَبٍ " شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَرِيمِ الَّذِي لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَمَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ وَكَذَا مَا لَا يَضُرُّ بِالْمَاءِ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفًا مِنْ الْأَوَّلِ وَمِنْ الْآخِرِ، وَالْأَصْلُ وَغَايَةُ مَا لَا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ وَلَا يَضُرُّ بِمَاءٍ مُنْتَهَى الْحَرِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِبِئْرٍ فَإِذَا كَانَ حَوْلَ بِئْرِ مَاشِيَةٍ نَحْوُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَسَعُ الْوَارِدِينَ الَّذِينَ يَأْتُونَ إلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ حَرِيمُهُ فَيَكُونُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبِئْرِ مُخْتَصِّينَ بِهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ عِمَارَةً فَإِنَّهُ يُمْنَعُ وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ الْبِئْرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَرِيمٍ لَهَا. (قَوْلُهُ: حَرِيمٌ لِنَخْلَةٍ وَشَجَرَةٍ) فَحَرِيمُهُمَا مَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا عُرْفًا كَمَدِّ جَرِيدِهَا وَسَقْيِهَا وَسَعْيِ جَذْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَطْرَحِ تُرَابٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا بَنَى جَمَاعَةٌ بَلَدًا فِي الْفَيَافِي مَثَلًا فَمَا كَانَ مُجَاوِرًا لِدَارِ زَيْدِ مَثَلًا فَهُوَ حَرِيمٌ لَهَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالْفُسْحَةِ الْمُجَاوِرَةِ لَهَا الَّتِي يُطْرَحُ فِيهَا التُّرَابُ وَمَاءُ الْمِيزَابِ وَالْمِرْحَاضِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْفُسْحَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِلدَّارِ حَرِيمًا لَهَا وَيَخْتَصُّ بِهَا صَاحِبُهَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الدَّارُ لَيْسَتْ مَحْفُوفَةً بِأَمْلَاكٍ بِأَنْ كَانَتْ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ تَكُونُ الْفُسْحَةُ الْمُجَاوِرَةُ لَهَا غَيْرَ مُجَاوِرَةٍ لِغَيْرِهَا مِنْ الدُّورِ فَإِنْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِغَيْرِهَا بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَ الْأَبْوَابِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِيرَانِ أَنْ يَطْرَحَ فِيهَا التُّرَابَ وَيَصُبَّ مَاءَ الْمِيزَابِ

الصفحة 67