كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَمَصَبِّ مِيزَابٍ) حَرِيمٌ (لِدَارٍ) لَيْسَتْ مَحْفُوفَةً بِأَمْلَاكٍ (وَلَا تَخْتَصُّ) دَارٌ (مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلَاكٍ) بِحَرِيمٍ (وَلِكُلٍّ) مِنْ ذَوِي الْأَمْلَاكِ الَّتِي بَيْنَهَا فُسْحَةٌ (الِانْتِفَاعُ) بِتِلْكَ الْفُسْحَةِ مِنْ جُلُوسٍ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ مَنْعُ آخَرَ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ) فَإِنْ ضَرَّ مُنِعَ (وَبِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ) عَطْفٌ عَلَى بِعِمَارَةٍ أَيْ وَيَكُونُ الِاخْتِصَاصُ بِسَبَبِ إقْطَاعِ الْإِمَامِ أَرْضًا مِنْ مَوَاتٍ، أَوْ مِنْ أَرْضٍ تَرَكَهَا أَهْلُهَا لِكَوْنِهَا فَضَلَتْ عَنْ حَاجَتِهِمْ وَلَا بِنَاءَ فِيهَا وَلَا غَرْسَ وَمِنْ الْمَوَاتِ مَا عُمِّرَتْ، ثُمَّ دَرَسَتْ وَطَالَ الزَّمَانُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثْلُ الْإِمَامِ نَائِبُهُ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِقْطَاعِ، ثُمَّ إقْطَاعُ الْإِمَامِ لَيْسَ مِنْ الْإِحْيَاءِ، وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ بِالتَّعْمِيرِ بَعْدَهُ نَعَمْ هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ فَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ إنْ حَازَهُ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ لِحِيَازَةٍ قَبْلَ الْمَانِعِ كَسَائِرِ الْعَطَايَا، وَرُجِّحَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ وَلَوْ اقْتَطَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا، أَوْ كُلَّ عَامٍ كَذَا عُمِلَ بِهِ، وَمَحَلُّ الْمَأْخُوذِ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ لِمَا اقْتَطَعَهُ إنْ مَلَكَهُ الْمَقْطُوعُ لَهُ بِاقْتِطَاعِهِ (وَلَا يُقْطِعُ) الْإِمَامُ (مَعْمُورَ) أَرْضِ (الْعَنْوَةِ) كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ الصَّالِحَةِ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ (مِلْكًا) بَلْ إمْتَاعًا وَانْتِفَاعًا وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ وَلَيْسَ عَقَارًا لِلْكُفَّارِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَوَاتِ يُقْطِعُهُ مِلْكًا، أَوْ مَتَاعًا، وَإِنْ صَلَحَ لِغَرْسِ الشَّجَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطِعْ الْمَعْمُورَ مِلْكًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا مُطْلَقًا، ثُمَّ مَا اقْتَطَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْعَنْوَةِ إنْ كَانَ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ انْحَلَّ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَاحْتَاجَ لِإِقْطَاعٍ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لِشَخْصٍ وَذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ اسْتَحَقَّهُ الذُّرِّيَّةُ بَعْدَهُ لِلْأُنْثَى كَالذَّكَرِ إلَّا لِبَيَانِ تَفْصِيلٍ كَالْوَقْفِ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي الِالْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا بِمِصْرَ وَغَيْرِهَا هَلْ هُوَ مِنْ الْإِقْطَاعِ فَلِلْمُلْتَزِمِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْفَلَّاحِينَ مَا شَاءَ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ مَنْ سَبَقَ، أَوْ لَيْسَ مِنْ الْإِقْطَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُلْتَزِمُ جَابٍ لِمَا عَلَى الْفَلَّاحِينَ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُ زِيَادَةٌ وَلَا تَنْقِيصٌ لِمَا ضُرِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ السُّلْطَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِجَارَةِ فِي شَيْءٍ كَمَا يَزْعُمُونَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِجَارَةِ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (وَ) الِاخْتِصَاصُ يَكُونُ (بِحِمَى إمَامٍ) أَوْ نَائِبِهِ الْمُفَوَّضِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي خُصُوصِ الْحِمَى بِخِلَافِ الْإِقْطَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ النَّائِبُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي خُصُوصِهِ وَالْحِمَى بِالْقَصْرِ بِمَعْنَى الْمَحْمِيِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَأَصْلُ مَحْمِيٍّ مَحْمُوِيٌ وَتَثْنِيَتُهُ مَحْمِيَّانِ فَهُوَ يَائِيٌّ وَأَصْلُ الْحِمَى عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الرَّئِيسَ مِنْهُمْ إذَا نَزَلَ بِأَرْضٍ مُخَصَّبَةٍ اسْتَعْوَى كَلْبًا بِمَحَلٍّ عَالٍ فَحَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ صَوْتُهُ حَمَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْرُهُ مَعَهُ وَيَرْعَى هُوَ فِي غَيْرِهِ مَعَ غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمِرْحَاضِ لَكِنْ بِجِوَارِ جِدَارِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِجَارِهِ، وَإِلَّا مُنِعَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَخْتَصُّ إلَخْ أَيْ أَنَّ الدَّارَ الْمَحْفُوفَةَ بِالْأَمْلَاكِ لَا تَخْتَصُّ بِحَرِيمٍ يَمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ غَيْرَ صَاحِبِهَا وَاسْتَلْزَمَ ذَلِكَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْجِيرَانِ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ وَلِكُلٍّ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَجْلِ تَقَيُّدِهِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَمَصَبِّ مِيزَابٍ) أَيْ وَنَحْوِهِ كَمِرْحَاضٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ أَرْضٍ تَرَكَهَا أَهْلُهَا) أَيْ الْكُفَّارُ اخْتِيَارًا لَا لِخَوْفٍ، وَإِلَّا كَانَتْ أَرْضَ عَنْوَةٍ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا تَمْلِيكًا وَمِثْلُ مَا إذَا تَرَكَهَا أَهْلُهَا مَا إذَا مَاتُوا عَنْهَا. (قَوْلُهُ: وَطَالَ الزَّمَانُ) أَيْ فَإِذَا أَقْطَعهَا الْإِمَامُ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ طُولِ انْدِرَاسِهَا فَقَدْ مَلَكَهَا وَاخْتَصَّ بِهَا. (قَوْلُهُ: إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِقْطَاعِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَنْ يُقْطِعُ لَهُ. (قَوْلُهُ: بِالتَّعْمِيرِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِقْطَاعِ فَالِاخْتِصَاصُ يَكُونُ بِوَاحِدٍ مِنْ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مِنْ جُمْلَتِهَا التَّعْمِيرُ وَهُوَ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاخْتِصَاصُ يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْإِقْطَاعِ وَالْحِمَى فَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاخْتِصَاصُ دُونَ الْإِحْيَاءِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ) أَيْ الْإِقْطَاعُ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ أَيْ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى عِمَارَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُجَرَّدٌ عَنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِيَّةِ بِإِحْيَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ابْنُ شَاسٍ الْإِحْيَاءُ إذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ رَجُلًا أَرْضًا كَانَتْ مِلْكًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْ مِنْهَا شَيْئًا فَلَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِهَا وَتُورَثُ عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِحْيَاءِ بَلْ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ. (قَوْلُهُ: إنْ حَازَهُ) أَيْ فَإِنْ مَاتَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ مَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ كَانَ الْإِقْطَاعُ بَاطِلًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْإِقْطَاعِ وَالْإِحْيَاءِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْإِرْثُ إذَا مَاتَ الْمُحْيِي أَوْ الْمُقْطِعُ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ) أَيْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْإِقْطَاعَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ لَا مِنْ بَابِ الْعَطِيَّةِ وَفِي بْن هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَإِنَّهُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْطِعُ الْإِمَامُ مَعْمُورَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ) أَيْ وَلَا يُقْطِعُ أَيْضًا عَقَارَهَا مِلْكًا. (قَوْلُهُ: الصَّالِحَةِ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ) تَفْسِيرٌ لِمَعْمُورِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الصَّالِحَةَ لِزِرَاعَةِ النَّخْلِ فَقَطْ لَهُ إقْطَاعُهَا مِلْكًا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوَاتٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ إمْتَاعًا) أَيْ بَلْ يُقْطِعُهَا إمْتَاعًا أَيْ انْتِفَاعًا مُدَّةَ حَيَاتِهِ مَثَلًا أَوْ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطِعْ الْمَعْمُورَ مِلْكًا) أَيْ وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَوَاتِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فَلِذَا جَازَ إقْطَاعُهُ مِلْكًا وَإِمْتَاعًا. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا) أَيْ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِ أَهْلِهَا لَا عُلْقَةَ لِلْإِمَامِ بِهَا وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً كَانَتْ مَعْمُورَةً، أَوْ مَوَاتًا. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ الْمُصَنِّفَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاخْتِصَاصِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْحِمَى الْحِمَايَةُ وَالتَّحْجِيرُ. (قَوْلُهُ: مَحْمُوِيٌ) أَيْ بِزِنَةِ مَفْعُولٍ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ

الصفحة 68