كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَهُوَ لَا يَجُوزُ شَرْعًا وَالْحِمَى الشَّرْعِيُّ أَنْ يَحْمِيَ الْإِمَامُ مَكَانًا خَاصًّا لِحَاجَةِ غَيْرِهِ فَيَجُوزَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ مَكَانًا (مُحْتَاجًا إلَيْهِ) أَيْ دَعَتْ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ فَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ (قَلَّ) بِأَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ لَا إنْ كَثُرَ بِأَنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ (مِنْ) مَرْعَى (بَلَدٍ عَفَا) أَيْ خَلَا عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (لِكَغَزْوٍ) أَيْ لِدَوَابِّ الْغُزَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

(وَافْتَقَرَ) أَيْ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ (لِإِذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (وَإِنْ) كَانَ الْمُحْيِي (مُسْلِمًا) وَالْوَاوُ لِلْمُبَالَغَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْكَافِرِ الْإِحْيَاءَ فِيمَا قَرُبَ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ وَعَلَيْهِ فَالْوَاوُ لِلْحَالِ (إنْ قَرُبَ) لِعِمَارَةِ الْبَلَدِ بِأَنْ كَانَ فِي حَرِيمِهَا (وَإِلَّا) يَسْتَأْذِنْ فِي الْقَرِيبِ بِأَنْ أَحْيَا فِيهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَلِلْإِمَامِ إمْضَاؤُهُ) لِلْمُحْيِي (أَوْ جَعْلُهُ مُتَعَدِّيًا) فَيُعْطِيهِ قِيمَةَ بِنَائِهِ أَوَغَرْسِهِ مَنْقُوضًا وَيُبْقِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا اغْتَلَّهُ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ (مُبَاحٌ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ) عَنْ الْبَلَدِ بِأَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ حَرِيمِهَا فَلَا يَفْتَقِرُ إحْيَاؤُهُ لِلْإِذْنِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُحْيِي فِيهِ (ذِمِّيًّا) حَيْثُ أَحْيَا الذِّمِّيُّ فِي الْبَعِيدِ (بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ وَمَا وَالَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ، وَالْجَزِيرَةُ - مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْجَزَّارُ لِقَطْعِهِ الْحَيَوَانَ - فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَقْطُوعَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا إلَى أَجْنَابِهَا.

(وَالْإِحْيَاءُ) الَّذِي هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الِاخْتِصَاصِ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ سَبْعَةٍ (بِتَفْجِيرِ مَاءٍ) بِأَرْضٍ كَأَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا أَوْ يَفْتُقَ عَيْنًا فَيَخْتَصَّ بِهَا وَبِالْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ عَلَيْهَا (وَبِإِخْرَاجِهِ) أَيْ إزَالَةِ الْمَاءِ عَنْهَا حَيْثُ كَانَتْ غَامِرَةً بِهِ (وَبِبِنَاءٍ وَبِغَرْسٍ) فِيهَا (وَبِحَرْثٍ وَتَحْرِيكِ أَرْضٍ) تَفْسِيرٌ لِلْحَرْثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْثِ تَقْلِيبُ الْأَرْضِ لَا خُصُوصُ الشَّقِّ بِالْآلَةِ الْمَعْلُومَةِ، وَإِلَّا كَانَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (وَبِقَطْعِ شَجَرٍ) فِيهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَالضَّمَّةُ الَّتِي قَبْلَهَا كَسْرَةً، وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَجُوزُ شَرْعًا) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ لِأَنَّ الْكَلَأَ النَّابِتَ فِي الْفَيَافِي مُبَاحٌ لِكُلِّ النَّاسِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَحْمِيَ الْإِمَامُ مَكَانًا خَاصًّا) أَيْ أَنْ يَمْنَعَ رَعْيَ كَلَئِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَتَوَفَّرَ لِدَوَابِّ الصَّدَقَةِ وَالْغَزْوِ وَضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزَ) أَيْ الْحِمَى لِلْأَمَامِ دُونَ غَيْرِهِ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَازَ الْحِمَى بِالشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ إحْيَاءٌ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ حِمَاهُ. (قَوْلُهُ: دَعَتْ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ) أَيْ لِأَجْلِ نَفْعِهِمْ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ فَاضِلًا عَنْ مَنَافِعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَلَدٍ) أَيْ مِنْ مَحَلٍّ وَقَوْلُهُ: عَفَا أَيْ عَافٍ وَخَالٍ عَنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. (قَوْلُهُ: لِكَغَزْوٍ) أَيْ لِدَوَابِّ كَغَزْوٍ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَبِحِمَى إمَامٍ.

(قَوْلُهُ: أَيْ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ) جَعَلَ الضَّمِيرَ رَاجِعًا لِلْإِحْيَاءِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْبَابِ مَعْقُودًا لَهُ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ الْمَقَامِ عَلَى حَدِّ. {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] وَيَصِحُّ جَعْلُ الضَّمِيرِ لِلْمَوَاتِ الْمُحْدَثِ عَنْهُ سَابِقًا أَيْ وَافْتَقَرَ الْمَوَاتُ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ إحْيَاؤُهُ. (قَوْلُهُ: لِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَنْظُرَ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ أَذِنَ، وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْكَافِرِ الْإِحْيَاءَ فِيمَا قَرُبَ) أَيْ وَهُوَ مَا مَالَ إلَيْهِ الْبَاجِيَّ حَيْثُ قَالَ لَوْ قِيلَ حُكْمُ الذِّمِّيِّ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فِي جَوَازِ إحْيَاءِ مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ إنْ كَانَ بِإِذْنٍ لَمْ يَبْعُدْ. (قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ الْإِحْيَاءُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَرُبَ) أَيْ الْمَكَانُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الْإِحْيَاءُ لِعِمَارَةِ الْبَلَدِ بِأَنْ كَانَ مِنْ حَرِيمِهَا. (قَوْلُهُ: وَيُبْقِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِأَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ، أَوْ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ، كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا اغْتَلَّهُ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَتِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي سَكَنَهَا أَوْ زَرَعَهَا. (قَوْلُهُ: فَلَا يَفْتَقِرُ إحْيَاؤُهُ لِلْإِذْنِ) بَلْ يَخْتَصُّ الْمُحْيِي بِمَا أَحْيَاهُ وَلَهُ بَيْعُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِحْيَاءِ خِلَافًا لِمَا فِي وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ الْجَزْرِ الْجَزَّارُ وَقَوْلُهُ: لِقَطْعِهِ أَيْ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَطْعِهِ. (قَوْلُهُ: فَعِيلَةٌ) أَيْ فَهِيَ أَيْ الْجَزِيرَةُ فَعِيلَةٌ وَقَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَفْعُولٍ عَنْهَا وَقَوْلُهُ: أَيْ مَقْطُوعَةٍ الْأَوْلَى أَيْ مَقْطُوعٍ عَنْهَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا إلَى أَجْنَابِهَا) أَيْ لِأَنَّ الْبَحْرَ مُحِيطٌ بِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ الْمَغْرِبُ وَالْجَنُوبُ وَالْمَشْرِقُ فَفِي مَغْرِبِهَا جِدَّةُ وَالْقُلْزُمُ وَفِي جَنُوبِهَا الْهِنْدُ وَفِي مَشْرِقِهَا خَلِيجُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ وَالْبَصْرَةُ وَالْبَحْرَيْنِ اسْمُ بَلْدَةٍ وَالْجَنُوبُ يُمْنَى الْمُسْتَقْبِلِ لِلْمَشْرِقِ وَهُوَ مَحَلُّ شُرُوقِ الْكَوَاكِبِ أَيْ طُلُوعِهَا وَيُقَابِلُهُ الْمَغْرِبُ وَيُقَابِلُ الْجَنُوبَ الشَّمَالُ.

(قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ بِهَا وَبِالْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ عَلَيْهَا) أَيْ كَمَا جَزَمَ بِذَلِكَ الْفِيشِيُّ وَارْتَضَاهُ بْن. (قَوْلُهُ: أَيْ إزَالَةِ الْمَاءِ عَنْهَا) أَيْ لِأَجْلِ زِرَاعَةٍ أَوْ غَرْسٍ، أَوْ بِنَاءٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِخْرَاجِ الْمَاءِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَتَّحِدُ حِينَئِذٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَبِبِنَاءٍ وَبِغَرْسٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَظِيمَيْ الْمُؤْنَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَفِي الْجَوَاهِرِ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِمَا عَظِيمَيْهِمَا وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي المج. (قَوْلُهُ: وَبِحَرْثٍ وَتَحْرِيكِ أَرْضٍ) أَيْ وَأَمَّا زَرْعُهَا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءٌ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِهِ زَارِعُهُ. (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْثِ تَقْلِيبُ الْأَرْضِ) أَيْ بِحَرْثٍ، أَوْ حَفْرٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ) أَيْ لِأَنَّ تَحْرِيكَ الْأَرْضِ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْلِيبِهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِمِحْرَاثٍ، أَوْ بِفَأْسٍ وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ فَالظَّاهِرُ

الصفحة 69