كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

يَعْنِي إزَالَتَهُ عَنْهَا وَلَوْ بِحَرْقٍ لِإِصْلَاحِهَا (وَبِكَسْرِ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَتِهَا) أَيْ تَعْدِيلِهَا (لَا) يَكُونُ الْإِحْيَاءُ (بِتَحْوِيطٍ) إلَّا أَنْ تَجْرِيَ الْعَادَةُ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُ إحْيَاءٌ أَوْ يُقْطِعَهُ لَهُ الْإِمَامُ فَيُحَوِّطَهُ وَالتَّحْوِيطُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّحْجِيرِ (وَ) لَا (رَعْيِ كَلَأٍ) أَيْ عُشْبٍ فِيهَا وَكَذَا إزَالَةُ شَوْكٍ أَوْ حَلْفَاءَ (وَ) لَا (حَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) أَوْ لِشُرْبِ النَّاسِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنْ بَيَّنَهَا فَإِحْيَاءٌ.

وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِذِكْرِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ هُنَا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لِلنَّاسِ كَالْمَوَاتِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فَذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ) لَا لِمَرْأَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا، أَوْ يُكْرَهُ (تَجَرَّدَ) بِالسُّكْنَى فِيهِ (لِلْعِبَادَةِ) مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَإِلَّا كُرِهَ (وَعَقْدُ نِكَاحٍ) أَيْ مُجَرَّدُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شُرُوطٍ وَلَا رَفْعِ صَوْتٍ، أَوْ تَكْثِيرِ كَلَامٍ، وَإِلَّا كُرِهَ (وَقَضَاءُ دَيْنٍ) يَسِيرٍ يَخِفُّ مَعَهُ الْوَزْنُ وَالْعَدَدُ وَإِلَّا كُرِهَ (وَقَتْلُ عَقْرَبٍ) أَوْ فَأْرٍ، أَوْ حَيَّةٌ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ وَجَازَ قَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ إنْ أَرَادَتْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ (وَنَوْمٌ بِقَائِلَةٍ) أَيْ نَهَارٍ وَكَذَا بِلَيْلٍ لِمَنْ لَا مَنْزِلَ لَهُ، أَوْ عَسُرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ (وَتَضْيِيفٌ) لِضَيْفٍ (بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ) (وَ) جَازَ (إنَاءٌ) أَيْ إعْدَادُهُ (لِبَوْلٍ) أَوْ غَائِطٍ (إنْ خَافَ) بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ (سَبُعًا) أَوْ لِصَائِمٍ يُخْرِجُهُ بَعْدَ الْأَمْنِ إذْ لَا يَجُوزُ الْمُكْثُ بِالنَّجَاسَةِ فِيهِ (كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ (وَمُنِعَ عَكْسُهُ) أَيْ سُكْنَى الْمَنْزِلِ بِأَهْلِهِ فَوْقَهُ إذَا حَدَثَ بِنَاؤُهُ بَعْدَ تَحْبِيسِهِ لَا بِغَيْرِ أَهْلِهِ، أَوْ بِنَاؤُهُ قَبْلَ جَعْلِهِ مَسْجِدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ تَبَعًا لِرِوَايَةِ عِيَاضٍ. (قَوْلُهُ: إزَالَتَهُ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: وَلَا حَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ) مَعْنَاهُ أَنَّ حَفْرَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ لَا يَكُونُ إحْيَاءً لِلْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا وَكَذَا حَفْرُ بِئْرِ الشُّرْبِ قَالَهُ ابْنُ عَاشِرٍ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ) رَاجِعٌ لِبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبِئْرِ الشُّرْبِ يَعْنِي أَنَّ حَفْرَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبِئْرِ الشُّرْبِ فِي أَرْضٍ لَا يَكُونُ إحْيَاءً لَهَا إلَّا إذَا بَيَّنَ الْمِلْكِيَّةَ عِنْدَ حَفْرِهَا فَإِنْ بَيَّنَهَا حَصَلَ إحْيَاءُ الْأَرْضِ بِحَفْرِهَا.

(قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَهُوَ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ " بِذِكْرِ مَسَائِلَ " أَيْ وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِذِكْرِهِمْ هُنَا مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا) أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهَا هُنَا نَظَرًا وَقَوْلُهُ كَالْمَوَاتِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ بِالنَّظَرِ لِبَعْضِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَوَاتُ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ مُحْيِيهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَإِنْ زَائِدَةٌ. (قَوْلُهُ: تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي ذِكْرِهَا هُنَا. (قَوْلُهُ: وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ يُحَجِّرْ فِيهِ وَيُضَيِّقْ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَإِلَّا مُنِعَ. (قَوْلُهُ: لَا لِمَرْأَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا) أَيْ السُّكْنَى فِيهِ وَلَوْ تَجَرَّدَتْ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحِيضُ وَقَدْ يَلْتَذُّ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَتَنْقَلِبُ الْعِبَادَةُ مَعْصِيَةً وَظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ وَلَوْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُكْرَهُ) أَيْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِكَرَاهَةِ سُكْنَاهَا حَيْثُ تَجَرَّدَتْ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ الَّذِي عُلِّلَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ تَعْلِيلٌ بِالْمَظِنَّةِ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا) أَيْ كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ وَتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَتَعْلِيمِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كُرِهَ) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ مُتَجَرِّدًا لِلْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ سُكْنَاهُ فِيهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُتَّخَذَ الْمَسَاجِدُ سَكَنًا إلَّا لِمُتَجَرِّدٍ لِلْعِبَادَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَنْبَغِيَ هُنَا لِلْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجْرِيدِ لِلْعِبَادَةِ مُمْتَنِعَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَغَيُّرٌ لَهُ عَمَّا حُبِّسَ لَهُ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ هَدْمُ الْمَقَاصِيرِ الَّتِي اُتُّخِذَتْ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ لِلسُّكْنَى مَا لَمْ يَكُنْ الْبَانِي لَهَا هُوَ الْوَاقِفَ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَعَقْدُ نِكَاحٍ) قَدْ اسْتَحَبَّهُ بَعْضُهُمْ لِلْبَرَكَةِ وَلِأَجْلِ شُهْرَةِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا كُرِهَ) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ الدَّيْنُ يَسِيرًا بَلْ كَانَ كَثِيرًا كُرِهَ قَضَاؤُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ قَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِمَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِمَنْ لَا مَنْزِلَ لَهُ) هَذَا رَاجِعٌ لِجَوَازِ نَوْمِ اللَّيْلِ وَأَمَّا نَوْمُ النَّهَارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: وَتَضْيِيفٌ) أَيْ إنْزَالُ الضَّيْفِ بِمَسْجِدِ الْبَادِيَةِ، وَإِطْعَامُهُ فِيهِ الطَّعَامَ النَّاشِفَ كَالتَّمْرِ لَا إنْ كَانَ مُقَذِّرًا كَالْبِطِّيخِ، أَوْ طَبِيخٍ فَيَحْرُمُ إلَّا بِنَحْوِ سُفْرَةٍ تُجْعَلُ تَحْتَ الْإِنَاءِ فَيُكْرَهُ وَمِثْلُ مَسْجِدِ الْبَادِيَةِ مَسْجِدُ الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ وَأَمَّا التَّضْيِيفُ فِي مَسْجِدِ الْحَاضِرَةِ فَيُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ نَاشِفًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اهـ شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ) رَجَّحَهُ عبق لِلْأَمْرَيْنِ قَبْلَهُ وَاعْتَرَضَهُ بْن بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ التَّقَيُّدَ بِالْبَادِيَةِ يَرْجِعُ لِنَوْمِ الْقَائِلَةِ أَيْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ النَّوْمُ فِي الْقَائِلَةِ جَائِزٌ فِي أَيْ مَسْجِدٍ كَانَ مَسْجِدَ بَادِيَةٍ، أَوْ حَاضِرَةٍ، وَإِنَّمَا التَّقَيُّدُ بِالْبَادِيَةِ فِي التَّضْيِيفِ وَالْمَبِيتِ لَيْلًا. (قَوْلُهُ: وَجَازَ إنَاءٌ) أَيْ وَجَازَ لِمَنْ بَاتَ فِيهِ إعْدَادُ إنَاءٍ وَاِتِّخَاذُهُ لِبَوْلٍ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يُرَشِّحُ كَالْفَخَّارِ أَمْ لَا كَالزُّجَاجِ لَكِنْ إنْ وُجِدَ مَا لَا يُرَشِّحُ تَعَيَّنَ وَلَا يُعْدَلُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ مَا لَا يُرَشِّحُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ بَاتَ فِي الْمَسْجِدِ إنَاءً وَالْحَالُ أَنَّهُ يَخَافُ سَبُعًا إنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ بَالَ فِيهِ وَتَغَوَّطَ، وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ لِلنَّوْمِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ سَاكِنٍ فِيهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَكَذَا الْغَرِيبُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُدْخِلُ عِنْدَهُ دَابَّتَهُ فَإِنَّهُ يُدْخِلُهَا فِي الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ) أَيْ كَمَا تَجُوزُ السُّكْنَى بِمَنْزِلٍ تَحْتَهُ وَلَوْ بِأَهْلِهِ وَأَمَّا قَبْرٌ فِي أَرْضِهِ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِنَبْشِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ عَلَى عبق وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَلَا الْغَرْسُ فِيهِ وَإِنْ

الصفحة 70