كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(فَلَا يُمْنَعُ) (كَإِخْرَاجِ رِيحٍ) فِي مَسْجِدٍ فَيُمْنَعُ لِحُرْمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ (وَمُكْثٌ بِنَجِسٍ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فَيُمْنَعُ وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ وَلَوْ سُتِرَ بِطَاهِرٍ وَقِيلَ إنْ سُتِرَ بِهِ جَازَ فَيُوضَعُ النَّعْلُ الْمُتَنَجِّسُ فِي شَيْءٍ يُكِنُّهُ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلضَّرُورَةِ (وَكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ وَ) إنْ فَعَلَ (حَكَّهُ) وَهَذَا فِي الْمُبَلَّطِ وَالْمَفْرُوشِ فَوْقَ فُرُشِهِ وَكَذَا الْمُحَصَّبُ فَوْقَ الْحَصْبَاءِ وَأَمَّا الْمُتَرَّبُ فَيَجُوزُ كَتَحْتِ فُرُشِهِ وَفُرُشِ الْمُحَصَّبِ أَوْ خِلَالَ الْحَصْبَاءِ وَهَذَا مَا لَمْ يُكْثِرْ حَتَّى يُقَذِّرَهُ، وَإِلَّا مُنِعَ.

(وَ) كُرِهَ فِيهِ (تَعْلِيمُ صَبِيٍّ) قُرْآنًا، أَوْ غَيْرَهُ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ وَلَوْ كَانَ لَا يَعْبَثُ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ (وَ) كُرِهَ فِيهِ (بَيْعٌ وَشِرَاءٌ) بِغَيْرِ سَمْسَرَةٍ، وَإِلَّا مُنِعَ (وَسَلُّ سَيْفٍ) وَنَحْوِهِ (وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ) فِيهِ أَيْ تَعْرِيفُهَا وَكَذَا نَشْدُهَا وَهُوَ سُؤَالُ رَبِّهَا عَنْهَا (وَهَتْفٌ بِمَيِّتٍ) أَيْ صِيَاحٌ فِيهِ، أَوْ بِبَابِهِ لِلْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ وَأَمَّا الْإِعْلَامُ بِغَيْرِ صِيَاحٍ فَجَائِزٌ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ (وَ) كُرِهَ (رَفْعُ صَوْتٍ) فِيهِ وَلَوْ بِذِكْرٍ وَقُرْآنٍ (كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ) فَوْقَ إسْمَاعِ الْمُخَاطَبِ وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ (وَوَقِيدُ نَارٍ) فِيهِ لِغَيْرِ تَبْخِيرِهِ وَاسْتِصْبَاحِهِ (وَدُخُولُ كَخَيْلٍ) فِيهِ مِمَّا فَضْلَتُهُ نَجِسَةٌ (لِنَقْلٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَعَ قُلِعَ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُمْنَعُ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ مُعَدًّا لِلْكِرَاءِ، أَوْ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: كَإِخْرَاجِ رِيحٍ) أَيْ كَمَا يُمْنَعُ إخْرَاجُ رِيحٍ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَعُدُولُهُ عَنْ خُرُوجٍ لِإِخْرَاجٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَمْنُوعَ تَعَمُّدُ إخْرَاجِهِ وَأَمَّا خُرُوجُهُ غَلَبَةً فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ يَجُوزُ إرْسَالُ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ اخْتِيَارًا كَمَا يُرْسِلُهُ فِي بَيْتِهِ إذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ أَيْ بِأَنْ كَانَ إبْقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجِهِ يُؤْذِيهِ اهـ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إخْرَاجِهِ أَذِيَّةُ حَاضِرٍ، وَإِلَّا حَرُمَ؛ لِأَنَّ الْأَذِيَّةَ حَرَامٌ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: لِحُرْمَتِهِ) أَيْ لِوُجُوبِ احْتِرَامِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَإِخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ يُنَافِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَمُكْثٌ بِنَجِسٍ) أَيْ مُنِعَ مُكْثٌ وَكَذَا مُرُورٌ فِيهِ بِنَجِسٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ) الْمُرَادُ بِالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي هُوَ كَالنَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسُ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا لَوْ أُزِيلَ عَيْنُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا فَلَا يُمْنَعُ الْمُكْثُ بِهِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سُتِرَ) أَيْ النَّجِسُ، أَوْ الْمُتَنَجِّسُ بِطَاهِرٍ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ سُتِرَ بِهِ) أَيْ وَقِيلَ يَجُوزُ الْمُكْثُ وَالْمُرُورُ بِالنَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسِ إذَا سُتِرَ بِطَاهِرٍ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ) أَيْ أَوْ يَمْخُطَ وَقَوْلُهُ بِأَرْضِهِ أَيْ أَوْ حَائِطِهِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا إذَا قَلَّ، وَإِلَّا حَرُمَ لِلتَّقْدِيرِ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَلَّطًا أَوْ مُحَصَّبًا، أَوْ مُتَرَّبًا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَبْصُقَ فَوْقَ فُرُشِهِ، أَوْ تَحْتَهُ أَوْ بِأَرْضِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا فُرُشَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْبَصْقُ فَوْقَ الْفُرُشِ كَانَ مَكْرُوهًا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ فَهُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ مُتَرَّبًا، أَوْ مُحَصَّبًا وَكُرِهَ إنْ كَانَ مُبَلَّطًا، وَإِنْ كَانَ الْبَصْقُ بِأَرْضِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مَفْرُوشٍ فَيُكْرَهُ إنْ كَانَ مُبَلَّطًا وَيَجُوزُ إنْ كَانَ مُتَرَّبًا، أَوْ مُحَصَّبًا لِلشَّارِحِ تَفْصِيلٌ آخَرُ فِي الْمُحَصَّبِ فَجَعَلَ الْبَصْقَ فَوْقَ الْحَصْبَاءِ مَكْرُوهًا وَفِي خِلَالِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مَفْرُوشٍ جَائِزًا وَهُوَ خِلَافُ النَّقْلِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَ حَكَّهُ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَحَكَّهُ اسْتِئْنَافٌ وَجَعَلَهُ الْبِسَاطِيُّ عَطْفًا عَلَى أَنْ يَبْصُقَ مُقَدِّرًا فِيهِ الْمُتَعَلِّقَ وَالْمَعْنَى وَكُرِهَ حَكُّهُ بِأَرْضِهِ وَالْمَطْلُوبُ مَسْحُهُ بِكَخِرْقَةٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَكَّ عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ مَطْلُوبٌ لِإِزَالَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَعَلَى التَّقْرِيرِ الثَّانِي فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً ثَانِيَةً غَيْرَ كَرَاهَةِ الْبَصْقِ وَالنَّقْلُ مُسَاعِدٌ لِمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَفْرُوشِ فَوْقَ فُرُشِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُبَلَّطًا، أَوْ مُحَصَّبًا، أَوْ مُتَرَّبًا. (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ) أَيْ الْبَصْقُ فِيهِ فَوْقَ التُّرَابِ وَقَوْلُهُ: كَتَحْتِ فُرُشِهِ أَيْ الْمُتَرَّبِ وَقَوْلُهُ: وَفُرُشِ الْمُحَصَّبِ أَيْ وَتَحْتَ فُرُشِ الْمُحَصَّبِ وَأَمَّا تَحْتَ فُرُشِ الْمُبَلَّطِ فَيُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ خِلَالَ الْحَصْبَاءِ) قَالَ بْن لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا التَّفْرِيقَ فِي الْمُحَصَّبِ بَلْ أَطْلَقُوا الْجَوَازَ فِيهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي خِلَالِ الْحَصْبَاءِ، أَوْ فَوْقَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَوَّاقُ.

(قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ صَبِيٍّ) أَيْ مُرَاهِقٍ أَوْ صَغِيرٍ لَا يَعْبَثُ، أَوْ يَعْبَثُ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْبَثُ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ فَالْحُرْمَةُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِيهِ مُطْلَقًا كَانَ مَظِنَّةً لِلْعَبَثِ وَالتَّقْدِيرُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَحَفُّظِهِمْ مِنْ النَّجَاسَةِ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ سَمْسَرَةٍ) أَيْ بِأَنْ جَلَسَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَتَى الْمُشْتَرِي لَهَا يُقَلِّبُهَا وَيَنْظُرُ فِيهَا وَيُعْطِي فِيهَا مَا يُرِيدُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا مُنِعَ أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِسَمْسَرَةٍ أَيْ مُنَادَاةٍ عَلَى السِّلْعَةِ حَرُمَ لِجَعْلِ الْمَسْجِدِ سُوقًا، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا جُعِلَ الْمَسْجِدُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ أَظْهَرَ السِّلْعَةَ فِيهِ مُعَرِّضًا لَهَا لِلْبَيْعِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ عَقْدِهِمَا فَلَا يُكْرَهُ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْبَيْعِ الْإِيجَابَ وَبِالشِّرَاءِ الْقَبُولَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْبَيْعِ الْعَقْدَ الْمُحْتَوِيَ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَإِلَّا لَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْبَيْعِ عَنْ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ لَوَازِمِ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: وَسَلُّ سَيْفٍ) أَيْ لِغَيْرِ إخَافَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ بَلْ فِي فَتَاوَى الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ رِدَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَعْرِيفُهَا) أَيْ تَعْرِيفُ الْمُلْتَقِطِ لَهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ صِيَاحٌ فِيهِ أَوْ بِبَابِهِ لِلْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى بَابِهِ: أَخُوكُمْ فُلَانٌ قَدْ مَاتَ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ صِيَاحٍ) أَيْ بِغَيْرِ رَفْعِ صَوْتٍ وَقَوْلُهُ: فَجَائِزٌ أَيْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى بَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِذِكْرٍ وَقُرْآنٍ) أَيْ إلَّا التَّلْبِيَةَ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى فَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِهَا فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْلِطْ عَلَى مُصَلٍّ، وَإِلَّا حَرُمَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ)

الصفحة 71