كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَا الثِّيَابُ عَلَى الْمَذْهَبِ (كَعَبْدٍ عَلَى مَرْضَى) لِخِدْمَتِهِمْ حَيْثُ (لَمْ يَقْصِدْ) السَّيِّدُ (ضَرَرَهُ) بِذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَمِثْلُ الْعَبْدِ الْأَمَةُ عَلَى إنَاثٍ وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا صَارَتْ بِوَقْفِهَا لِلْغَيْرِ كَالْمُسْتَعَارَةِ وَالْمَرْهُونَةِ.

(وَفِي) جَوَازِ (وَقْفِ كَطَعَامٍ) مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ إذَا غُيِّبَ عَلَيْهِ كَالنَّقْدِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الزَّكَاةِ: وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ الصَّادِقُ بِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ (تَرَدُّدٌ) وَقِيلَ إنَّ التَّرَدُّدَ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ مِنْ سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا تَرَدُّدَ فِيهَا بَلْ يَجُوزُ وَقْفُهَا قَطْعًا لِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُرَادُ وَقْفُهُ لِلسَّلَفِ وَيُنَزَّلُ رَدُّ بَدَلِهِ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَأَمَّا إنْ وُقِفَ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذْ لَا مَنْفَعَةَ شَرْعِيَّةٌ تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ.

وَلَمَّا قَدَّمَ مِنْ أَرْكَانِ الْوَقْفِ الْأَرْبَعَةِ رُكْنَيْنِ الْأَوَّلَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ وَهُوَ الْوَاقِفُ وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ لَا مُكْرَهًا أَوْ مُوَلًّى عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَ تَصْرِيحًا وَهُوَ الْمَوْقُوفُ بِقَوْلِهِ " مَمْلُوكٍ " وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَرْهُونٍ وَمُؤَجَّرٍ وَعَبْدٍ جَانٍ حَالَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ ذَكَرَ الثَّالِثَ وَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (عَلَى أَهْلِ التَّمَلُّكِ) حَقِيقَةً كَزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ، أَوْ حُكْمًا كَمَسْجِدٍ وَرِبَاطٍ وَسَبِيلٍ (كَمَنْ سَيُولَدُ) مِثَالٌ لِلْأَهْلِ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْأَهْلِيَّةُ سَتُوجَدُ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ وَتُوقَفُ الْغَلَّةُ إلَى أَنْ يُوجَدَ فَيُعْطَاهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُودِ كَمَوْتٍ وَيَأْسٍ مِنْهُ فَتَرْجِعُ الْغَلَّةُ لِلْمَالِكِ، أَوْ وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ (وَ) عَلَى (ذِمِّيٍّ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ) كَعَلَى أَغْنِيَائِهِمْ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ لِأَصْلِ الْبَابِ لَا لِخُصُوصِ الذِّمِّيِّ فَلَوْ قَالَ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ كَذِمِّيٍّ كَانَ أَحْسَنَ (أَوْ يَشْتَرِطْ) عَطْفٌ عَلَى لَمْ تَظْهَرْ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَاضِي كَانَ أَحْسَنَ أَيْ يَصِحُّ الْوَقْفُ، وَإِنْ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ (تَسْلِيمَ غَلَّتِهِ) لَهُ (مِنْ نَاظِرِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمَسَاكِينِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الثِّيَابُ) أَيْ وَالْكُتُبُ يَصِحُّ وَقْفُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ فَهِيَ مِمَّا فِيهِ الْخِلَافُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخِلَافَ عِنْدَنَا جَارٍ فِي كُلِّ مَنْقُولٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ صِحَّةَ وَقْفِهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ وَقْفَهُ كَالْمَرْجُوحِ عِنْدَنَا. (قَوْلُهُ: كَعَبْدٍ عَلَى مَرْضَى) لَكِنَّ وَقْفَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِقَطْعِ رَجَاءِ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرَهُ) أَيْ لَمْ يَقْصِدْ بِوَقْفِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ ضَرَرَهُ بَلْ قَصَدَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ قَصْدُهُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ ضَرَرَهُ لَمْ يَصِحَّ وَقْفُهُ عَلَى الْمَرْضَى فَالْمُضِرُّ قَصْدُ الضَّرَرِ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ نَقْلُ حُلُولُو عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لَهُ الضَّرَرُ رُدَّ وَقْفُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا صَارَتْ إلَخْ) أَيْ وَلِئَلَّا تَحْمِلَ فَتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا يَتَعَلَّقَ بِهَا خِدْمَةٌ. (قَوْلُهُ: كَالْمُسْتَعَارَةِ إلَخْ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الْوَطْءِ.

(قَوْلُهُ: كَطَعَامٍ) أَيْ طَعَامٍ وَمَا مَاثَلَهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَخْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بَيَانٌ لِمَا مَاثَلَ الطَّعَامَ. (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِالْكَرَاهَةِ) أَيْ كَمَا يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُهُ " وَالْمَنْعِ " أَيْ كَمَا يَقُولُ ابْنُ شَاسٍ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّ التَّرَدُّدَ إلَخْ) رَدَّهُ بْن بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: وَجَازَ وَقْفُ الْعَيْنِ اقْتِصَارٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ الْبُلَيْدِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي قُرَى فَاسَ أَلْفُ أُوقِيَّةٍ مِنْ الذَّهَبِ مَوْقُوفَةٌ لِلسَّلَفِ فَكَانُوا يَرُدُّونَهَا نُحَاسًا فَاضْمَحَلَّتْ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ حَيْثُ وُقِفَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَرُدَّ مِثْلُهُ وَأَمَّا إذَا وُقِفَ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَمَا لَوْ وُقِفَ لِأَجْلِ تَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ اتِّفَاقًا وَيَكُونُ الْوَقْفُ بَاطِلًا.

(قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ رَشِيدًا طَائِعًا. (قَوْلُهُ: حَالَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ) أَيْ بِأَنْ أَرَادَ الْوَاقِفُ وَقْفَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْآنَ مَعَ كَوْنِهِ مُرْتَهِنًا، أَوْ مُسْتَأْجِرًا وَأَمَّا لَوْ وَقَفَ مَا ذُكِرَ قَاصِدًا بِوَقْفِهَا مِنْ الْآنَ أَنَّهَا بَعْدَ الْخَلَاصِ مِنْ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ تَكُونُ وَقْفًا صَحَّ ذَلِكَ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ التَّنْجِيزُ. (قَوْلُهُ: مِثَالٌ لِلْأَهْلِ) أَيْ مِثَالٌ لِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ بَعْدَ الْإِيقَافِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ حِينَ الْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ الْوَقْفُ) أَيْ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهِ بَلْ يُوقَفُ لُزُومُهُ كَغَلَّتِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ فَيُعْطَاهَا وَيَلْزَمُ وَعَلَى هَذَا فَلِلْمُحَبِّسِ بَيْعُ ذَلِكَ الْوَقْفِ قَبْلَ وِلَادَةِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ كَعَلَى وَلَدِي وَلَا وَلَدَ لَهُ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي لُزُومِهِ بِعَقْدِهِ عَلَى مَنْ يُولَدُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ اُنْظُرْ ح.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ وَصَحَّ وَقْفٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى مَنْ تَحْتَ ذِمَّتِنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كِتَابِيًّا وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْثِلَةِ وَلَيْسَ عَطْفًا عَلَى " أَهْلِ " كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَقْتَضِيَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ) أَيْ هَذَا إذَا ظَهَرَتْ الْقُرْبَةُ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا قَرِيبًا لِلْوَاقِفِ بَلْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ كَالْوَاقِفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ الْأَجَانِبِ مِنْ الْوَقْفِ وَنَفَى الْمُصَنِّفُ ظُهُورَ الْقُرْبَةِ دُونَ أَصْلِهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ فِعْلَ خَيْرٍ وَقُرْبَةٍ فَالْوَقْفُ عَلَى شَرَبَةِ الدُّخَّانِ بَاطِلٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازْ شُرْبِهِ. (قَوْلُهُ: لَا لِخُصُوصِ الذِّمِّيِّ) أَيْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى لَمْ تَظْهَرْ) أَيْ فَالْمَعْنَى هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ غَلَّةَ الْوَقْفِ بَلْ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهَا لَهُ لِيَصْرِفَهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مَدْخُولِ لَمْ لِفَسَادِ الْمُبَالَغَةِ وَلِعَدَمِ ظُهُورِ فَائِدَةٍ

الصفحة 77