كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

مِنْ كُلِّ مَنْفَعَةٍ عَامَّةٍ دِينِيَّةٍ (أَوْ عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ) لِصُلْبِهِ وَأَمَّا عَلَى بَنِي بَنِيهِ فَيَصِحُّ كَبَنَاتِهِ دُونَ بَنِيهِ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَحَدُ أَقْوَالٍ، وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ حِرْمَانِ الْبَنَاتِ مِنْ إرْثِ أَبِيهِنَّ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ الْكَرَاهَةَ فَيَمْضِي وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى التَّنْزِيهِ.

(أَوْ) (عَادَ) الْوَاقِفُ (لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ) الَّذِي وَقَفَهُ (قَبْلَ عَامٍ) بَعْدَ أَنْ حِيزَ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّ سَاكِنًا حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ فَيَبْطُلُ وَلَا مَفْهُومَ لِمَسْكَنِهِ وَلَا لِسُكْنَى إذْ الِانْتِفَاعُ بِمَا حَبَّسَهُ بِغَيْرِ السُّكْنَى كَذَلِكَ وَمَفْهُومُ قَبْلَ عَامٍ أَنَّهُ لَوْ عَادَ بَعْدَ عَامٍ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ عَلَى مَحْجُورِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ جَرَى فِيمَا إذَا سَكَنَ مَا وَقَفَهُ عَلَى مَحْجُورِهِ بَعْدَ عَامٍ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ إذَا عَادَ لَهُ بِكِرَاءٍ وَأَشْهَدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَصْدَرِ الْمُقَدَّرِ الْوَاقِعِ مُضَافًا إلَيْهِ تَقْدِيرُهُ وَبَطَلَ وَقْفُهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ، أَوْ كَافِرٍ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقْفٌ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ هُنَا وَاقِفٌ لَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَبَطَلَ مِنْ كَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ هَذَا حَلُّ مَعْنًى لَا حَلُّ إعْرَابٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مَنْفَعَةٍ عَامَّةٍ دِينِيَّةٍ) مِنْ جُمْلَتِهَا بِنَاؤُهُ مَسْجِدًا وَلِبُطْلَانِ الْقُرْبَةِ الدِّينِيَّةِ مِنْ الْكَافِرِ رَدَّ مَالِكٌ دِينَارَ نَصْرَانِيَّةٍ عَلَيْهَا حِينَ بَعَثَتْ بِهِ إلَى الْكَعْبَةِ وَأَمَّا الْقُرَبُ الدُّنْيَوِيَّةُ كَبِنَاءِ قَنَاطِرَ وَتَسْبِيلِ مَاءٍ وَنَحْوِهِمَا فَيَصِحُّ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ) أَيْ إذَا أَخْرَجَهُنَّ ابْتِدَاءً، أَوْ بَعْدَ تَزَوُّجِهِنَّ بِأَنْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ جَمِيعًا وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ بَنَاتِهِ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَقْفِ وَتُخْرَجُ مِنْهُ وَلَا تَعُودُ لَهُ وَلَوْ تَأَيَّمَتْ وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ الْبَنَاتِ فَلَا حَقَّ لَهَا إلَّا أَنْ تَتَأَيَّمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهَا الْحَقُّ فِيهِ كَانَ الْوَقْفُ صَحِيحًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: كَبَنَاتِهِ دُونَ بَنِيهِ) أَيْ وَكَذَا عَلَى بَعْضِ بَنِيهِ دُونَ بَعْضِ بَنَاتِهِ وَعَلَى إخْوَتِهِ دُونَ أَخَوَاتِهِ، أَوْ عَلَى بَنِي فُلَانٍ دُونَ بَنَاتِهِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ الذُّكُورِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى بَنَاتِهِ فَتَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْمَنْعِ كَذَا كَتَبَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مِنْ بُطْلَانِ الْوَقْفِ وَحُرْمَةِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ أَحَدُ أَقْوَالٍ وَهَذَا الْقَوْلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ) أَيْ وَهُوَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الْقَاسِمِ) أَيْ وَرِوَايَةُ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي شَهَّرَهُ عِيَاضٌ وَالْمَشْيُ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُقَالُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا خَاصٌّ بِرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَهِيَ تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِيهَا وَتُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ عِنْدِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا، أَوْ فِي غَيْرِهَا لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُنَا عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِهَا لَا فِيهَا وَرِوَايَةُ غَيْرِهِ فِيهَا تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَتِهِ فِي غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ) نَصُّهَا: وَيُكْرَهُ لِمَنْ حَبَّسَ أَنْ يُخْرِجَ الْبَنَاتِ مِنْ تَحْبِيسِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ نَاجِيٍّ وَابْنُ غَازِيٍّ الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَضَى وَقِيلَ إنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ وَعَلَيْهِ إذَا وَقَعَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ أَقْوَالًا أَوَّلُهَا الْبُطْلَانُ مَعَ حُرْمَةِ الْقُدُومِ عَلَى ذَلِكَ، ثَانِيهَا الْكَرَاهَةُ مَعَ الصِّحَّةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا، ثَالِثُهَا جَوَازُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، رَابِعُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُحَازَ عَنْهُ فَيَمْضِيَ عَلَيَّ مَا حَبَّسَهُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يُحَازَ فَيَرُدَّهُ لِلْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ مَعًا، خَامِسُهَا مَا رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حُرْمَةُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا فَسَخَهُ وَجَعَلَهُ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَإِنْ مَاتَ مَضَى، سَادِسُهَا فَسْخُ الْحَبْسِ وَجَعْلُهُ مَسْجِدًا إنْ لَمْ يَأْبَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَبَوْا لَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ وَيُقَرُّ عَلَى حَالِهِ حَبْسًا وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا، وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ثَانِيهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا حَصَلَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَنِينَ دُونَ الْبَنَاتِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَحَصَلَ الْحَوْزُ قَبْلَ الْمَانِعِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فَبَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَلَوْ حِيزَ؛ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ لِوَارِثٍ، أَوْ كَانَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَحَصَلَ الْمَانِعُ قَبْلَ الْحَوْزِ فَبَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ وَلَوْ مَالِكِيًّا، وَإِلَّا صَحَّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ.

. (قَوْلُهُ: وَلَا مَفْهُومَ لِمَسْكَنِهِ) أَيْ بَلْ كُلُّ مَا لَهُ غَلَّةٌ كَذَلِكَ كَحَانُوتٍ وَحَمَّامٍ وَفُنْدُقٍ وَبُسْتَانٍ. (قَوْلُهُ: إذْ الِانْتِفَاعُ إلَخْ) فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ مَا لَهُ غَلَّةٌ وَحِيزَ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَ قَبْلَ عَامٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ بَعْدَ الْحَوْزِ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّ يَنْتَفِعُ بِهِ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَبْطُلُ. (قَوْلُهُ: لَوْ عَادَ بَعْدَ عَامٍ) أَيْ سَوَاءٌ عَادَ بِكِرَاءٍ، أَوْ إرْفَاقٍ أَيْ عَارِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا سَكَنَ مَا وَقَفَهُ عَلَى مَحْجُورِهِ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا إذَا سَكَنَ مَا وَقَفَهُ عَلَيَّ غَيْرِهِ وَلَوْ وَلَدَهُ الْكَبِيرَ بَعْدَ عَامٍ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ بُطْلَانِهِ. (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ) أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَهَذَا قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ رُشْدٍ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْمُتَيْطِيُّ قَائِلًا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ

الصفحة 79