كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ، وَإِنْ زَائِدَةٌ أَيْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَتَأَبَّدُ إذَا وَقَعَ لِمَجْهُولٍ مَحْصُورٍ كَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ وَلَوْ بِلَفْظِ تَصَدَّقْتُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَعَقِبِهِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ وَقْفٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِ مَا يُحَاطُ بِأَفْرَادِهِ وَبِغَيْرِهِ مَا لَا يُحَاطُ بِأَفْرَادِهِ.

وَيَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِالْإِشَاعَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَبِالْكِتَابَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْحَيَوَانِ وَعَلَى كُتُبِ الْعِلْمِ مِنْ مَدْرَسَةٍ بِهَا كُتُبٌ مَشْهُورَةٌ لَا كِتَابٍ لَمْ يَشْتَهِرْ كَوْنُهُ مِنْ مَحَلٍّ مَشْهُورٍ.

(وَرَجَعَ) الْوَقْفُ (إنْ انْقَطَعَ) بِانْقِطَاعِ الْجِهَةِ الَّتِي حُبِّسَ عَلَيْهَا حَبْسًا (لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ) نَسَبًا وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ الْوَاقِفُ وَلَوْ فَقِيرًا وَلَا مَوَالِيهِ فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، أَوْ لَمْ يُوجَدُوا فَلِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَتِهِمْ وَهَكَذَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَلِلْفُقَرَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَسْتَوِي فِي الْمَرْجِعِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ فِي أَصْلِ وَقْفِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ لَيْسَ إنْشَاءَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَيُعْتَبَرُ فِي التَّقْدِيمِ قَوْلُهُ فِي النِّكَاحِ وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ إلَخْ وَلَوْ أَخَذَ الْفَقِيرُ كِفَايَتَهُ وَاسْتَغْنَى هَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْبَاقِي، أَوْ يُعْطَى لِمَنْ بَعْدَهُ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي، وَإِنْ رُجِّحَ الْأَوَّلَ (وَ) رَجَعَ إلَى (امْرَأَةٍ لَوْ رُجِّلَتْ) أَيْ قُدِّرَتْ رَجُلًا (عَصَبَ) أَيْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُقَدَّرُ عَاصِبًا كَالْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ فَخَرَجَتْ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ وَالْجَدَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَبِنْتُ الْبِنْتِ وَبِنْتُ الْعَمَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ لَا يَكُونُ عَصَبَةً فَقَوْلُهُ عَصَبَ أَيْ مَعَ بَقَاءِ مَنْ أَدْلَى بِهِ عَلَى حَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَإِلَّا لَمْ تَخْرُجْ بِنْتُ الْبِنْتِ وَبِنْتُ الْعَمَّةِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَرْأَةُ تَدْخُلُ فِي الْمَرْجِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ) أَيْ وَالْمُسَوِّغُ لِمَجِيءِ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ عَطْفُهَا عَلَى نَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ اقْتِرَانَ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ بِالْوَاوِ مُسَوِّغٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَقِبِهِ دَلِيلٌ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِأَيِّ شَيْءٍ قَامَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَجْهُولِ الْمَحْصُورِ مَقَامَ لَفْظِ الْحَبْسِ، وَإِنْ لَمْ يُقَارِنْهَا قَيْدٌ بِخِلَافِ الْمَجْهُولِ غَيْرِ الْمَحْصُورِ كَصَدَقَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ شَبَهًا بِالْوَقْفِ لِتَعَلُّقِ الصَّدَقَةِ بِغَيْرِ الْمَوْجُودِ كَالْعَقِبِ إذْ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجَدْ فَلِذَا جُعِلَ حَبْسًا لِلُزُومِ تَعْمِيمِهِمْ وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِمَوْجُودٍ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ. (قَوْلُهُ: مَا يُحَاطُ بِأَفْرَادِهِ) كَبَنِي فُلَانٍ وَذُرِّيَّةِ فُلَانٍ وَقَوْلُهُ: مَا لَا يُحَاطُ بِأَفْرَادِهِ أَيْ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمِنْ غَيْرِ الْمَحْصُورِ كَأَهْلِ مَسْجِدِ كَذَا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ تَعْمِيمُهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أَهْلَ مَسْجِدِ كَذَا يَفْعَلُونَ كَذَا مِنْ الْمَعَاصِي لَا يُعَدُّ غِيبَةً.

. (قَوْلُهُ: وَبِالْكِتَابَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَدَارِسِ) أَيْ كَأَنْ يُوجَدَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ مَدْرَسَةٍ: وَقْفُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، أَوْ السُّلْطَانِ فُلَانٍ. (قَوْلُهُ: بِهَا كُتُبٌ) مُتَعَلِّقٌ بِمَشْهُورَةٍ أَيْ مَشْهُورَةٌ بِأَنَّ بِهَا كُتُبًا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَى كِتَابٍ وَقْفٌ لِلَّهِ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ بِذَلِكَ وَقْفِيَّةً حَيْثُ كَانَتْ وَقْفِيَّتُهُ مُطْلَقَةً فَإِنْ وُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ وَقْفٌ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِالْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ أَوْ وَقْفٌ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَمَقَرُّهُ بِالْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً بِالْكُتُبِ ثَبَتَتْ وَقْفِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْهُورَةً بِذَلِكَ لَمْ تَثْبُتْ وَقْفِيَّتُهُ. (قَوْلُهُ: لَا كِتَابٍ) أَيْ لَا بِالْكِتَابَةِ عَلَى كِتَابٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَحَلٍّ مَشْهُورٍ) أَيْ بِوَقْفِ الْكُتُبِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَرَجَعَ الْوَقْفُ) أَيْ الْمُؤَبَّدُ وَأَمَّا الْوَقْفُ الْمُؤَقَّتُ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ إلَّا عَلَى كَعَشَرَةٍ حَيَاتَهُمْ وَقَوْلُهُ: وَرَجَعَ إنْ انْقَطَعَ أَيْ وَلَوْ فِي حَيَاةِ الْمُحَبِّسِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لَهُمْ حَبْسًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَ الْوَقْفِ وَلَا يَدْخُلُ الْوَاقِفُ فِي الْمَرْجِعِ وَلَوْ فَقِيرًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْجِعُ مِلْكًا، وَإِلَّا لَاخْتَصَّ الْوَاقِفُ بِهِ وَكَانَتْ تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ الْوَارِثَةُ وَلَوْ لَمْ تُقَدَّرْ رَجُلًا. (قَوْلُهُ: وَلَا مَوَالِيهِ) أَيْ الَّذِينَ لَهُمْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا) أَيْ أَقْرَبُ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ. (قَوْلُهُ: فَلِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَتِهِمْ) أَيْ عَصَبَةِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ إنْشَاءَهُ) أَيْ حَتَّى يُعْمَلَ فِيهِ بِشَرْطِهِ الَّذِي شَرَطَهُ. (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ) أَيْ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ قَالَ إنْ انْقَطَعَ وَرَجَعَ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَتِي {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] فَانْظُرْ هَلْ يُعْمَلُ بِهِ أَمْ لَا، قَالَ بْن وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ حَيْثُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَرْجِعِ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ صَارَ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي التَّقْدِيمِ) أَيْ تَقْدِيمِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبَّسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. (قَوْلُهُ: وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ إلَخْ) أَيْ فَأَبٌ فَأَخٌ فَجَدٌّ فَعَمٌّ فَابْنُهُ فَالْأَخُ وَابْنُهُ يُقَدَّمَانِ عَلَى الْجَدِّ. (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ إلَى امْرَأَةٍ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ " وَامْرَأَةٍ " عَطْفٌ عَلَى " أَقْرَبِ "؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ تَدْخُلُ فِي الْمَرْجِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْ الْعَاصِبِ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهُ وَيَصِحُّ الْعَطْفُ عَلَى " فُقَرَاءِ " أَيْضًا وَالْمَعْنَى وَرَجَعَ لِأَقْرَبِ امْرَأَةٍ إلَخْ وَهَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَقْرَبَ مِنْ الْعَاصِبِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْقُرْبِ فِي أَفْرَادِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ مَعَ بَعْضٍ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي أَفْرَادِ الْعَصَبَةِ، نَعَمْ لَا يَصِحُّ الْعَطْفُ عَلَى " عَصَبَةِ " لِفَسَادِهِ إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَرَجَعَ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ امْرَأَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرُّجُوعِ لِلْمَرْأَةِ نَفْسِهَا لَا لِأَقْرَبِ فُقَرَائِهَا. (قَوْلُهُ: وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ) أَيْ وَكَالْأُخْتِ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْمَرْجِعِ لَيْسَ لَهُ إلَّا بِنْتٌ، أَوْ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَتْ فَقِيرَةً كَانَ لَهَا جَمِيعُ الْوَقْفِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ لِمَنْ أَدْلَتْ بِهِ رَجُلًا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَذِهِ الْمَرْأَةُ) أَيْ الَّتِي لَوْ قُدِّرَتْ

الصفحة 85