كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

وَإِنْ سَاوَتْ عَاصِبًا مَوْجُودًا كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ فَمَا فَهِمَهُ الْقَرَافِيُّ هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَإِنَّمَا تُعْطَى إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً خِلَافًا لِمَنْ قَالَ تُعْطَى وَلَوْ غَنِيَّةً؛ لِأَنَّهَا فَقِيرَةٌ بِالطَّبْعِ (فَإِنْ ضَاقَ) الْحَبْسُ الرَّاجِعُ عَنْ الْكِفَايَةِ فِي الْغَلَّةِ النَّاشِئَةِ عَنْهُ (قُدِّمَ الْبَنَاتُ) أَيْ عَلَى الْإِخْوَةِ لَا عَلَى الِابْنِ وَمَعْنَى " قُدِّمَ " اخْتَصَصْنَ بِمَا يُغْنِيهِنَّ لَا إيثَارُهُنَّ بِالْجَمِيعِ وَلَوْ زَادَ عَلَى مَا يُغْنِيهِنَّ قَالَ ابْنُ هَارُونَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْبِنْتَ إنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لِلْعَاصِبِ شَارَكَتْهُ فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْهُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ فِي الضِّيقِ، وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ مِنْهُ قُدِّمَ الْعَاصِبُ عَلَيْهَا فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ مِنْ الْإِنَاثِ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَقْرَبَ لِلصَّوَابِ لِتَنَاوُلِهِ نَحْوَ الْأُخْتِ مَعَ ابْنِ الْأَخِ، وَإِفَادَتِهِ الِاشْتِرَاكَ مَعَ التَّسَاوِي.

(وَ) إنْ وَقَفَ (عَلَى اثْنَيْنِ) مُعَيَّنَيْنِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو (وَبَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ (عَلَى الْفُقَرَاءِ) فَيَكُونُ (نَصِيبُ مَنْ مَاتَ) مِنْهُمَا (لَهُمْ) أَيْ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَسَوَاءٌ قَالَ حَيَاتَهُمَا أَمْ لَا وَأُخِذَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى مَعْنَاهَا أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ يَحْجُبُ فَرْعَهُ فَقَطْ دُونَ فَرْعِ غَيْرِهِ وَكَذَا فِي تَرْتِيبِ الْوَاقِفِ الطَّبَقَاتِ كَعَلَى أَوْلَادِي، ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي إلَّا أَنْ يَجْرِيَ عُرْفٌ بِخِلَافِهِ فَيُعْمَلَ بِهِ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ ذَكَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ، ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْلِ " نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لَهُمْ " قَوْلُهُ (إلَّا كَعَلَى عَشَرَةٍ) عَيَّنَهُمْ وَالْكَافُ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى عَشَرَةٍ فَالْمُرَادُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ (حَيَاتَهُمْ) لَا مَفْهُومَ لَهُ أَيْ أَوْ حَيَاةَ زَيْدٍ وَكَذَا إنْ قَيَّدَ بِأَجَلٍ كَعَشْرِ سِنِينَ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَصْحَابِهِ فَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَالْجَمِيعُ لَهُ فَإِنْ انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ رَجَعَ الْحَبْسُ مِلْكًا لِمَالِكِهِ أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (فَيُمْلَكُ بَعْدَهُمْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمَّا كَانَ الْوَقْفُ مُسْتَمِرًّا فِيهَا اُحْتِيطَ لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ فَكَانَ لَهُمْ بَعْدَ كُلٍّ وَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ يَرْجِعُ مِلْكًا اُحْتِيطَ لِجَانِبِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِيَسْتَمِرَّ الْوَقْفُ طُولَ حَيَاتِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ حَيَاتَهُمْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِأَجَلٍ رَجَعَ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلًا عَصَبَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَاوَتْ إلَخْ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْ الْعَاصِبِ بَلْ، وَإِنْ سَاوَتْهُ لَا إنْ كَانَ الْعَاصِبُ أَقْرَبَ مِنْهَا فَلَا تُعْطَى بِالْأَوْلَى مِنْ الْعَاصِبِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى إذَا كَانَ هُنَاكَ عَاصِبٌ أَقْرَبُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: فَمَا فَهِمَهُ الْقَرَافِيُّ) أَيْ مِنْ إعْطَائِهَا، وَإِنْ سَاوَتْ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلتَّتَّائِيِّ) أَيْ حَيْثُ اشْتَرَطَ كَوْنَهَا أَقْرَبَ مِنْ الْعَاصِبِ الْحَقِيقِيِّ.
(قَوْلُهُ: الرَّاجِعُ) أَيْ لِأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى الِابْنِ) أَيْ لِأَنَّ الْبَنَاتِ يُشَارِكْنَ الِابْنَ. (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ هَارُونَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ مُشَارَكَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الضِّيقِ وَالسَّعَةِ وَذَلِكَ إذَا تَسَاوَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَأَخٍ وَأَخَوَاتٍ وَابْنٍ وَبَنَاتٍ، الثَّانِي عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي الضِّيقِ وَالسَّعَةِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ النِّسَاءُ أَبْعَدَ مِنْ الْعَاصِبِ أَيْ كَأَخَوَاتٍ مَعَ الِابْنِ وَكَأَخٍ وَعَمَّةٍ، وَالثَّالِثُ الْمُشَارَكَةُ فِي السَّعَةِ دُونَ الضِّيقِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ النِّسَاءُ أَقْرَبَ كَبِنْتٍ وَعَمٍّ، أَوْ أَخٍ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى تَأْخُذُ أَوَّلًا مَا يَكْفِيهَا عِنْدَ سَعَةِ الْغَلَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَكُونُ لِلرَّجُلِ الْأَبْعَدِ مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ لَا تَزِيدُ عَنْ كِفَايَتِهَا اخْتَصَّتْ بِهَا.

(قَوْلُهُ: يَحْجُبُ فَرْعَهُ فَقَطْ) بِهَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ وَخَالَفَهُ عَصْرِيُّهُ ابْنُ الْحَاجِّ غَيْرَ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ كَمَا فِي الْبَدْرِ.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَكُونُ حَظُّهُ لِوَلَدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْوَقْفِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ أَيْ عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ وَلَدِهِ وَعَلَى فُلَانٍ ثُمَّ وَلَدِهِ وَهَكَذَا فَكُلُّ مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ حَظُّهُ لِوَلَدِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا إنَّمَا يَحْجُبُ فَرْعَهُ دُونَ فَرْعِ غَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ بَلْ يَكُونُ حَظُّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْعُلْيَا لِبَقِيَّةِ إخْوَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ أَيْ لَا يَنْتَقِلُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ الْعُلْيَا، ثُمَّ إنَّهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ إذَا انْقَرَضَتْ الْعُلْيَا وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ لِلطَّبَقَةِ السُّفْلَى هَلْ يُسَوَّى بَيْنَ أَفْرَادِ السُّفْلَى وَهُوَ مَا للح أَوْ يُعْطَى لِكُلِّ سِلْسِلَةٍ مَا لِأَصْلِهَا وَهُوَ مَا لِلنَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ اُنْظُرْ بْن وَفِي ح عَنْ فَتْوَى بَعْضِ مَشَايِخِهِ لَوْ قَالَ الْوَاقِفُ وَمَنْ مَاتَ فَنَصِيبُهُ لِأَهْلِ طَبَقَتِهِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَقْفِ فَمَاتَ الْوَلَدُ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ، أَوْ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ فَإِنَّ نَصِيبَهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَلَوْ مَعَ حَيَاةِ أُصُولِهِمْ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ مَآلًا. (قَوْلُهُ: حَيَاتَهُمْ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ وَبَعْدَهُمْ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِلَّا كَانَ الْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَيَاةَ زَيْدٍ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ هَذَا الشَّيْءُ حَبْسٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةِ حَيَاةَ زَيْدٍ وَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَهُمْ فَلَا يَبْقَى مَعَهُمْ بَلْ يَرْجِعُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ وَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ وَارِثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ حَتَّى يَنْتَقِلَ لِوَارِثِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ يَرْجِعُ مِلْكًا) الْأَنْسَبُ: وَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ الْوَقْفُ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ اُحْتِيطَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيِّدْ بِأَجَلٍ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ وَبَعْدَهُمْ لِلْفُقَرَاءِ بِأَنْ قَالَ وَقْفٌ عَلَى الْقَوْمِ الْفُلَانِيِّينَ فَقَطْ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ نَصِيبُهُ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ رَجَعَ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا قَيَّدَ بِالْحَيَاةِ أَوْ بِأَجَلٍ وَلَمْ يَقُلْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ وَلَمْ يَقُلْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْفُقَرَاءِ رَجَعَ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ مَرَاجِعَ الْأَحْبَاسِ، وَإِنْ قَيَّدَ

الصفحة 86