كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

(إلَّا مِنْ غَلَّتِهَا) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ فَيَجُوزُ (عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا يَجُوزُ (أَوْ) شَرْطُ (عَدَمِ بَدْءٍ بِإِصْلَاحِهِ) فَلَا يُتَّبَعُ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْوَقْفِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ يُبْدَأُ بِمَرَمَّتِهِ لِتَبْقَى عَيْنُهُ (أَوْ) شَرَطَ عَدَمَ بَدْءٍ (بِنَفَقَتِهِ) فِيمَا يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ كَالْحَيَوَانِ فَيَبْطُلُ شَرْطُهُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ.

(وَأُخْرِجَ السَّاكِنُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ) دَارٌ مَثَلًا (لِلسُّكْنَى) وَخِيفَ عَلَيْهَا الْخَلَلُ (إنْ لَمْ يُصْلِحْ) بِأَنْ أُمِرَ بِالْإِصْلَاحِ فَأَبَى (لِتُكْرَى لَهُ) عِلَّةٌ لِلْإِخْرَاجِ أَيْ أُخْرِجَ لِأَجْلِ أَنْ تُكْرَى لِلْإِصْلَاحِ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ فَإِذَا أُصْلِحَتْ رَجَعَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إلَيْهَا فَإِنْ أَصْلَحَ ابْتِدَاءً لَمْ يُخْرَجْ.

(وَأُنْفِقَ فِي فَرَسٍ) أَيْ عَلَيْهَا وَقْفٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (لِكَغَزْوٍ) وَرِبَاطٍ وَعَلَى نَحْوَ مَسْجِدٍ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَلَا يَلْزَمُ الْمُحَبِّسَ وَلَا الْمُحَبَّسَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا تُؤَجَّرُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِكَغَزْوٍ عَمَّا إذَا كَانَ وَقْفًا عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهِ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ (فَإِنْ عُدِمَ) بَيْتُ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يُوصَلْ إلَيْهِ (بِيعَ) الْفَرَسُ (وَعُوِّضَ بِهِ) أَيْ بَدَلِهِ (سِلَاحٌ) وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ (كَمَا) يُبَاعُ الْفَرَسُ الْحَبْسُ (لَوْ كَلِبَ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أَصَابَهُ الْكَلْبُ وَهُوَ دَاءٌ يَعْتَرِي الْخَيْلَ كَالْجُنُونِ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا حُبِّسَ فِيهِ وَهُوَ الْغَزْوُ وَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ كَالطَّاحُونِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُجْعَلُ فِي مِثْلِهِ، أَوْ شِقْصِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعَوَّضُ بِهِ سِلَاحٌ فَالتَّشْبِيهُ لَيْسَ بِتَامٍّ وَلَوْ حَذَفَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا بَعْدَهُ لَسَلِمَ مِنْ إيهَامِ تَمَامِ التَّشْبِيهِ.

(وَبِيعَ مَا) أَيْ كُلُّ حَبْسٍ (لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) فِيمَا حُبِّسَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ؛ إذْ شَرْطُ الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ (مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ) بَيَانٌ لِمَا كَفَرَسٍ يَكْلَبُ وَثَوْبٍ يَخْلَقُ وَعَبْدٍ يَهْرَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إلَّا مِنْ غَلَّتِهَا) أَيْ إلَّا إذَا شَرَطَ الْمُحَبِّسُ أَنَّ إصْلَاحَهَا مِنْ غَلَّتِهَا، أَوْ أَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ التَّوْظِيفِ يُدْفَعُ مِنْ غَلَّتِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ الْإِصْلَاحُ مِنْ غَلَّتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ ذَلِكَ فَاشْتِرَاطُهُ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا فَلِمَ قِيلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْإِصْلَاحَ، أَوْ التَّوْظِيفَ عَلَى الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ وَيُحَاسَبُ بِهِ مِنْ أَصْلِ الْغَلَّةِ وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْإِصْلَاحَ وَالتَّوْظِيفَ مِنْ الْغَلَّةِ ابْتِدَاءً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ اهـ خش.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَدَمِ بَدْءٍ بِإِصْلَاحِهِ) عَطْفٌ عَلَى " إصْلَاحِهِ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ نَفَقَتِهِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى " إصْلَاحِهِ " الَّذِي بِلَصْقَةٍ لَهُ كَمَا أَشَارَ الشَّارِحُ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ نَفَقَتِهِ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِصْلَاحِ غَيْرُ النَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ كَالتَّرْمِيمِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْحَيَوَانِ مِنْ جُمْلَةِ إصْلَاحِهِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.
وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ بِمَنَافِعِ أَهْلِهِ وَيَتْرُكُ إصْلَاحَ مَا تَهَدَّمَ مِنْهُ، أَوْ يَتْرُكُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ حَيَوَانًا بَطَلَ شَرْطُهُ وَتَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِمَرَمَّتِهِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ.

(قَوْلُهُ: وَأُخْرِجَ السَّاكِنُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى إلَخْ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْوَقْفِ رِيعٌ كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى فُلَانٍ يَسْكُنُ فِيهَا وَأَمَّا لَوْ جَعَلَ وَاقِفُ الْمَسْجِدِ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِهِ الْمَوْقُوفَةِ لِإِمَامٍ وَنَحْوَهُ يَسْكُنُ فِيهِ فَإِنَّ مَرَمَّتَهُ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ لَا عَلَى الْإِمَامِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُكْرَى الْبَيْتُ لِذَلِكَ كَمَا فِي عبق. (قَوْلُهُ: لِتُكْرَى لَهُ) أَيْ لِلْإِصْلَاحِ مُدَّةَ عَامٍ مَثَلًا لِيُصْلَحَ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ مَا تَهَدَّمَ مِنْهَا، إنْ قُلْت إكْرَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَغْيِيرٌ لِلْحَبْسِ لِأَنَّهَا لَمْ تُحَبَّسْ إلَّا لِلسُّكْنَى لَا لِلْكِرَاءِ، قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَمْ تُحَبَّسْ إلَّا لِلسُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْمُحَبِّسَ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَحْتَاجُ لِلْإِصْلَاحِ وَلَمْ يُوقِفْ لَهَا مَا تُصْلَحُ بِهِ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ أَذِنَ فِي كِرَائِهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ اهـ عَدَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا أُصْلِحَتْ) أَيْ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْكِرَاءِ رَجَعَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَصْلَحَ ابْتِدَاءً لَمْ يُخْرَجْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الدُّورَ الْمُحَبَّسَةَ لِلسُّكْنَى يُخَيَّرُ مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ بَيْنَ إصْلَاحِهَا، وَإِكْرَائِهَا بِمَا تُصْلَحُ مِنْهُ فَفِي بْن عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَقْفِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فَدُورُ الْغَلَّةِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْفَنَادِقِ مِنْ غَلَّتِهَا وَدُورُ السُّكْنَى يُخَيَّرُ مَنْ حُبِّسَتْ عَلَيْهِ بَيْنَ إصْلَاحِهَا، وَإِكْرَائِهَا بِمَا تُصْلَحُ مِنْهُ وَالْبَسَاتِينُ إنْ حُبِّسَتْ عَلَى مَنْ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ بَلْ تُقْسَمُ غَلَّتُهَا سَاقَى وَيَسْتَأْجِرُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَهُمْ يَسْتَغِلُّونَهَا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ.

(قَوْلُهُ: لِكَغَزْوٍ) أَيْ سَوَاءٌ وُقِفَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ يَغْزُو عَلَيْهَا أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: وَرِبَاطٍ وَعَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ) أَيْ أَنَّ الْفَرَسَ مَوْقُوفٌ عَلَى الرِّبَاطِ، أَوْ الْمَسْجِدِ لِنَقْلِ أَتْرِبَتِهِ، أَوْ حَمْلِ أَخْشَابٍ مَثَلًا إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: عَمَّا إذَا كَانَ وَقْفًا عَلَى مُعَيَّنٍ) يَعْنِي فِي غَيْرِ الْجِهَادِ بِأَنْ وُقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي أُمُورِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ عِنْدِهِ) أَيْ إنْ قَبِلَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي اللَّخْمِيِّ) أَيْ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَفِي التَّوْضِيحِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْفَرَسَ إذَا كَانَ وَقْفًا عَلَى مُعَيَّنٍ - يَعْنِي عَلَى غَيْرِ الْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ - فَإِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَعُوِّضَ بِهِ سِلَاحٌ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَلَا يُعَوَّضُ بِهِ مِثْلُ مَا بِيعَ وَلَا شِقْصُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فَقَوْلُهُ بَعْدُ: وَبِيعَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَخْ هَذَا فِي غَيْرِ مَا بِيعَ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ. (قَوْلُهُ: الْفَرَسُ الْحَبْسُ) أَيْ الَّذِي حُبِّسَ عَلَى الْغَزْوِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعَوَّضُ بِهِ سِلَاحٌ) أَيْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ وَتَبِعَهُ تت. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَذَفَهُ) أَيْ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ كَلِبَ. (قَوْلُهُ: بِمَا بَعْدَهُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَبِيعَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَسَلِمَ مِنْ إيهَامِ تَمَامِ التَّشْبِيهِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ تَمَامُهُ غَيْرَ مُرَادٍ هُنَا.

الصفحة 90