كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 4)

فَالصُّوَرُ سِتٌّ وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَلِذَا قَالَ (وَلَوْ جَبْرًا) إنْ أَبَى الْمُسْتَحِقُّ، أَوْ النَّاظِرُ وَإِذَا جُبِرَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ فَالْمِلْكُ أَحْرَى فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَصْبِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الطَّلَبَةِ حِينَ وُسِّعَ الْجَامِعُ الْأَزْهَرُ بِالْقَاهِرَةِ وَاحْتَرَزَ بِالْمَسْجِدِ مِنْ الْمِيضَأَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَبْسِ لِتَوْسِعَتِهَا إذْ يَتَأَتَّى الْوُضُوءُ فِي كُلِّ مَكَان.

(دَرْسٌ) (وَأُمِرُوا) أَيْ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِمْ وُجُوبًا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (بِجَعْلِ ثَمَنِهِ) أَيْ الْحَبْسِ الَّذِي بِيعَ لِتَوْسِعَةِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ فِي حَبْسٍ غَيْرِهِ.

(وَمَنْ) (هَدَمَ وَقْفًا) تَعَدِّيًا (فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ) عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا تُؤْخَذُ قِيمَتُهُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَالنَّقْضُ بَاقٍ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ فَيُقَوَّمُ قَائِمًا وَمَهْدُومًا وَيُؤْخَذُ مَا زَادَ عَلَى الْمَنْقُوضِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَخْذِ الْقِيمَةِ جَوَازُ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ جَرَّ إلَيْهِ الْحُكْمُ كَإِتْلَافِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ بِاعْتِبَارِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَنَاوَلَ الذُّرِّيَّةُ) فَاعِلُ تَنَاوَلَ أَيْ لَفْظُ الذُّرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ عَلَى ذُرِّيَّتِي، أَوْ ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ الْحَافِدَ (وَ) تَنَاوَلَ قَوْلُهُ (وَلَدِي فُلَانٌ وَفُلَانَةُ) وَأَوْلَادُهُمْ الْحَافِدَ (أَوْ) قَوْلُهُ وَلَدِي (الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَأَوْلَادُهُمْ الْحَافِدَ) مَفْعُولُ تَنَاوَلَ، وَالْحَافِدُ وَلَدُ الْبِنْتِ أَيْ تَنَاوَلَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَدَ الْبِنْتِ، وَإِنْ سَفَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ فِي مَسَاجِدِ الْجَوَامِعِ إنْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ لَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إذْ لَيْسَتْ الضَّرُورَةُ فِيهَا كَالْجَوَامِعِ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: فَالصُّوَرُ سِتٌّ) سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَوْسِيعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِبَعْضٍ مِنْهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ سِتُّ صُوَرٍ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ بَهْرَامَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ إنْ جَازَ أَنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ فِي بَعْضٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يُهْدَمُ لِضِيقِ مَقْبَرَةٍ، أَوْ طَرِيقٍ وَيُدْفَنُ فِيهِ إنْ اُحْتِيجَ لِذَلِكَ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالْجَوَازُ وَاسْتَظْهَرَ هَذَا الثَّانِيَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا جُبِرَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْبَيْعِ فِي الْوَقْفِ لِأَجْلِ تَوْسِعَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَالْجَبْرُ عَلَى بَيْعِ الْمِلْكِ لِأَجْلِ تَوْسِعَتِهَا أَحْرَى.

(قَوْلُهُ: وَأُمِرُوا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَقْفَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا بِثَمَنٍ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَوَّاقِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ الْمِسْنَاوِيُّ أَنَّ فِي فَتْوَى أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ أَنَّ مَا وُسِّعَ بِهِ الْمَسْجِدُ مِنْ الرِّبَاعِ لَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّضَ فِيهِ ثَمَنٌ إلَّا مَا كَانَ مِلْكًا أَوْ حَبْسًا عَلَى مُعَيَّنٍ وَأَمَّا مَا كَانَ حَبْسًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَلَا يَلْزَمُ تَعْوِيضُهُ أَيْ دَفْعُ ثَمَنِ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِمُعَيَّنٍ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأَجْرِ لِوَاقِفِهِ إذَا أُدْخِلَ فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ مِمَّا قَصَدَ تَحْبِيسَهُ لِأَجْلِهِ أَوَّلًا اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ هَدَمَ وَقْفًا إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْهَادِمُ وَاقِفَهُ، أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنَ وَقَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ وَلَا تُؤْخَذُ قِيمَتُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَبَيْعِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ الْحَاجِبِ وَابْنَ شَاسٍ وَأَصْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْهَادِمَ إعَادَتُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَهْدُومُ بَالِيًا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْهَادِمَ ظَالِمٌ بِتَعَدِّيهِ وَالظَّالِمُ أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَمَفْهُومُ " وَقْفًا " أَنَّهُ لَوْ هَدَمَ مِلْكًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لَا إعَادَتُهُ وَمُقَابِلُهُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُقْضَى فِي الْمُتْلَفَاتِ كُلِّهَا بِمِثْلِهَا وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْهَادِمَ لِلْمَالِكِ إعَادَتُهُ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ تَعَدِّيًا أَنَّهُ لَوْ هَدَمَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا إذَا هَدَمَهُ يَظُنُّهُ غَيْرَ وَقْفٍ فَعَلَى غَيْرِ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَدْمِهِ تَعَدِّيًا، أَوْ خَطَأً مِنْ لُزُومِ الْقِيمَةِ وَأَمَّا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَيَلْزَمُهُ فِي الْخَطَأِ الْقِيمَةُ وَفِي الْعَمْدِ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْهَدْمِ وَحِينَئِذٍ فَالْعَقَارُ الْمَوْقُوفُ يُقْضَى عَلَى مُتْلِفِهِ بِالْمِثْلِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ فَلَوْ أَعَادَهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ حُمِلَ عَلَى التَّبَرُّعِ إنْ زَادَهُ، وَإِنْ نَقَصَ فِيهِ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَةُ النَّقْصِ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ الْبِسَاطِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَهَّرَهُ عِيَاضٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ) أَيْ وَتُجْعَلُ تِلْكَ الْقِيمَةُ فِي عَقَارٍ مِثْلِهِ يُجْعَلُ وَقْفًا عِوَضًا عَنْ الْمَجْهُولِ. (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ) أَيْ الْمُقَوَّمَةِ، أَوْ الْمُرَادُ غَيْرُ الْمِثْلِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالنَّقْضُ بَاقٍ إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَنْقَاضُ بَاقِيَةً لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا الْهَادِمُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ قَائِمًا وَقَوْلُهُ فَيُقَوَّمُ قَائِمًا إلَخْ أَيْ فَإِذَا قُوِّمَ قَائِمًا بِعَشَرَةٍ وَمَهْدُومًا بِأَرْبَعَةٍ أَخَذَ نَاظِرُ الْوَقْفِ مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ سِتَّةٌ وَأَخَذَ الْأَنْقَاضَ لِيُعِيدَهَا.

(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ عُمُومٍ، أَوْ خُصُوصٍ. (قَوْلُهُ: وَوَلَدِي) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ لِلْإِضَافَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِيَاءَيْنِ مُثَنًّى مُضَافٌ لِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَفَلَ) يَعْنِي إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَرَادَهُ الْوَاقِفُ فَإِذَا كَرَّرَ التَّعْقِيبَ لَدَخَلَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي انْتَهَى إلَيْهَا الْمُحَبِّسُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ.
وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا السَّيِّدِ مَا نَصُّهُ: (فَرْعٌ) إذَا قَالَ وَقْفٌ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانَةَ كَانَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِمَا بِخِلَافِ فُلَانٌ وَصِيٌّ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَفُلَانَةَ فَإِنَّ غَيْرَ مَنْ سَمَّى مِنْ أَوْلَادِهِ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَلَهُ غَرَضٌ فِي نَفْعِ الْبَعْضِ لِفَقْرِهِ اهـ وَفِي عبق. (فَرْعٌ) إنْ قَالَ حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ.

الصفحة 92