كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 4)

والثقافية، لا سبيل إلى إلغائه، ولكن الإسلام لا يريد لهذه الخصوصيات أن تمنع التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب والتعاون فيما بينها (¬1).
ومن ينظر إلى العقيدة الإسلامية يجد أنها عقيدة تتسع لجميع الناس لا تريد أن تلغي الآخر بل هي تعترف أن هناك آخر، هناك مَن يخالفها في العقيدة وهناك مَن يخالفها في الشريعة وهناك مَن يخالفها في السياسة وهناك ... ولكن أهم الخلافات هي الخلافات العقائدية والقرآن قرر أن هذا الاختلاف واقع بمشيئة الله، ومشيئة الله لا تنفصل عن حكمته، أي الحكمة الإلهية والمشيئة الإلهية اقتضتا أن يكون الناس مختلفين في الدين، لأن الله سبحانه وتعالى لو أراد الناس أن يكونوا على دين واحد وعلى نهج واحد لخلق الإنسان على غير هذه الصورة. ومادام لكل إنسان عقله وإرادته فلابد أن يتغير الناس في اتجاهاتهم الدينية وغير الدينية وهذا ما يقرره القرآن بوضوح حيث يقول الله تعالى (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) أي على دين واحد وعلى منهج واحد (ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} مختلفين {إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولِذَلِكَ خَلَقَهُمْ). المفسرون يقولون ولذلك أي وللاختلاف خلقهم .. خلقهم ذوي عقول مختلفة وإرادات مختلفة وملكات مختلفة ولهذا لابد أن تتغير أديانهم وتختلف فهذا واقع ولذلك خلقهم. ولذلك مَن يريد أن يلغي الآخرين ويريد أن يجمع الناس على دين واحد أو على نهج واحد هذا يخالف المشيئة الإلهية.
فالتنوع مطلوب حسب نص القرآن الكريم، وهو من آيات الخلق السامية، كما في قوله تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين). فليس من هدف الإسلام حمل الناس على ملة واحدة أو عقيدة مشتركة، بل إن إختلافهم مطلوب مقصود (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم). ويبين القرآن الكريم الحكمة من الإختلاف بأنها (التعارف) و (التعاون على البر و التقوى) و (التسابق إلى الخير)، بما فصلته الآية الكريمة: (ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا و لو شاء الله
¬_________
(¬1) الإسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري-حسن عزوزي- http://www.scienceislam.net/article.php3?id_article=567&lang=ar

الصفحة 19