كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 4)

للناس كونوا عباداً لي من دون الله " (سورة آل عمران: الآية 79) وعلى أثر هذه المجادلات والمناقشات أسلم نفر من النصارى.
وهكذا لاحظنا كيف أن الرسول (ص) كان يجادل ويحاور أهل الكتاب بلين ورفق وبالتي هي أحسن لكي لا يتعرض أو يسيء إلى أنبيائهم وكتبهم، التي جعل الإسلام الإيمان بها أصل من أصول الإيمان والعقيدة، بل انه سمح لوفد النصارى القادم من نجران لزيارته بالإقامة في مسجد المدينة المنورة. وفي المساء، وعندما رغب النصارى بأداء صلاتهم، سمح لهم النبيّ بذلك. وقد سار المسلمون في أيام الرسول ص وفيما بعد على هدي هذا الطريق السليم في حوارهم ومجادلتهم لأهل الكتاب، مما أدى إلى ظهور علم جديد لدى المسلمين هو علم مقارنة الأديان. هذا العلم الذي يعد من مفاخر المسلمين، لأنه من الطبيعي أن لا يظهر هذا العلم قبل الإسلام لأن الأديان قبل الإسلام لم يعترف أي منها بالآخر، وكان كل دين يعد ماعداه من الأديان هرطقة وضلالاً، فجاء الإسلام وكان موقفه من الأديان الأخرى ينضوي تحت اتجاهين:
فمن الناحية النظرية يعلن الإسلام أنه الحلقة الأخيرة من سلسلة الأديان وأنه بالتالي ورث أهم ما في الأديان من حسنات وأضاف إلى ذلك ما تحتاجه البشرية في مسيرتها إلى يوم الدين، أما من الناحية الواقعية فيعترف الإسلام بالوجود الفعلي لجماعات غير مسلمة ويتحدث عن أهل الكتاب وأهل الذمة وينظم حقوقهم وواجباتهم (¬1). ومن هنا كان اهتمام المسلمين بهذا العلم، فألفوا فيه الكثير من الكتب التي تبين عظمة الإسلام وفساد العقائد الأخرى وما دخل عليها من تحريف وتوضح ايضاً ان الإسلام جاء ليكمل الدين للعالمين ويعيد اصحاب الديانات الاخرى إلى الطريق القويم الذى ضلوا عنه مع الزمن. وقد كانت الوسيلة لذلك هي كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق اظهار نقاط الاتفاق بين الإسلام وهذه الديانات وتوضيح ان المسلمون يؤمنون بهذه الديانات ورسلها ويعظمونهم ويجلونهم، وان الإسلام جاء ليكمل هذه الديانات. ويجب أن نشير هنا إلى أن هذا العلم لم يكن لدى المسلمين وسيلة للحط والاستهزاء بالأديان الأخرى، بل أنه كان
¬_________
(¬1) د. أحمد شلبى: مقارنة الأديان - ج 1 - ص 45

الصفحة 25