كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 4)

لهم ما دخل دينهم من تحريف، وليؤكدوا ما جاء في القرآن والسنة حول ذلك. ولكن هذا العلم اختفى لفترة معينة في عصور الضعف الإسلامية ولكنه عاد مرة أخرى في عصرنا الحاضر، ومن الذين ألفوا في هذا العلم الدكتور أحمد شلبي في سلسلة مقارنة الأديان بالإضافة إلى بعض العلماء الآخرين الذين كتبوا كتب متنوعة عن الديانات الأخرى مثل كتاب «تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم» للأستاذ محمد عبد الله دروزة وكتاب «محاضرات في النصرانية» للشيخ محمد أبو زهرة، وكتاب «الديانات» لمحمد مظهر وكتاب «الإسلام دين العلم والمدنية» للإمام محمد عبده وغيرهم كثيرون.
وهكذا نرى أن دعوة أهل الكتاب ومجادلتهم والحوار معهم عبر التاريخ الإسلامي كانت تتم على أساس من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن بدون تحدي أو إثارة. فإذا كنا في عصرنا الحاضر جادين في دعوة أهل الكتاب ومجادلتهم، يجب علينا أن نضع نصب أعيننا ما جاء في القرآن الكريم من آيات حددت علاقتنا بأهل الكتاب وحددت طرق دعوتهم ومجادلتهم والحوار معهم. وهنا يقول الشيخ محمد الغزالي في تفسيره لقوله تعالى: "فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة يبننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير" (سورة الشورى: الآية 15) يقول: أن الأمر بالدعوة باقي إلى آخر الدهر لا يبطله شيء، وكذلك النهي عن أتباع الزائفين، ونحن المسلمين نحمل حقائق الوحي كله منذ بعث الله المرسلين، ونعلم أن أهل الكتاب نسوا كثيراً وتاهوا في طرق لا حصر لها، ومهمتنا أن نذكرهم بما نسوا، ونريهم الصراط المستقيم، ووسيلتنا الترفع والتسامح وعدم الانسياق وراء الشحناء والتذكير الدائم بأن المصير إلى الله (¬1).
فالداعية الذي يريد مثلاً أن يدعو أهل الكتاب ويجادلهم، يردهم إلى كتابهم الحق ويذكرهم بأقوال رسولهم ويوضح لهم أن الرسل كلهم أخوان اصطفاهم الله من خلقه وجعلهم سفراء بينه وبين عباده، ويدلل لهم على أن اللاحق منهم يقف على أثر السابق وأن الواجب على الناس جميعاً أن يؤمنوا بكل الرسل بلا استثناء لأن
¬_________
(¬1) جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج - الشيخ محمد الغزالى - ص (68 - 69)

الصفحة 27