كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 4)

بِأَنْ وَصَلَتْ إلَى حَالَةٍ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ لَمَاتَتْ فَإِنَّهُ يَسُوغُ لَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا مَنْ يَزْنِي بِهَا لَكِنَّ صَبْرَ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الْقَتْلِ وَلَا يَكْفُرُ بِاَللَّهِ وَلَا يَسُبُّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا يَقْذِفُ الْمُسْلِمَ وَلَا تَزْنِي الْمَرْأَةُ أَجْمَلُ أَيْ أَفْضَلُ لَهُ وَأَكْثَرُ ثَوَابًا.

(ص) لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَقَطْعُهُ وَأَنْ يَزْنِيَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَوْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ رِجْلِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَوْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا بِذَاتِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ مُكْرَهَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالٌ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ فَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِي فِعْلٍ وَأَمَّا بِطَائِعَةٍ وَلَا زَوْجَ لَهَا فَيَجُوزُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ.

(ص) وَفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى لُزُومِ طَاعَةٍ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَوْ نَحْوِهِمَا أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ لَا يَغُشُّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ تِلْكَ الْيَمِينُ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ حَبِيبٍ أَوْ لَا تَلْزَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَوْلَانِ أَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى يَمِينٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِمُبَاحٍ لَمْ تَلْزَمْهُ اتِّفَاقًا.

(ص) كَإِجَازَتِهِ كَالطَّلَاقِ طَائِعًا (ش) تَشْبِيهٌ فِي الْقَوْلَيْنِ وَهُمَا لِسَحْنُونٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مُكْرَهًا مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِمْ ثُمَّ أَجَازَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ كَأَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى اللُّزُومِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي لُزُومِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَالْأَحْسَنُ الْمُضِيُّ) فَقَوْلُهُ كَإِجَازَتِهِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَالطَّلَاقِ بِمَعْنَى " مِثْلِ " أَيْ كَإِجَازَةِ الْمُكْرَهِ - بِالْفَتْحِ - عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوُهُ الطَّلَاقُ طَائِعًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الطَّلَاقِ الْأَهْلُ وَأَشَارَ لِنَوْعٍ مِنْ الْقَصْدِ بِقَوْلِهِ لَا بِسَبْقِ لِسَانِهِ وَيَأْتِي أَنَّهُ أَشَارَ لِنَوْعٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَصَدَهُ بِ " اسْقِنِي الْمَاءَ " أَوْ بِكُلِّ كَلَامٍ لَزِمَ ثُمَّ أَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ.

(ص) وَمَحَلُّهُ مَا مَلَكَ قَبْلَهُ وَإِنْ تَعْلِيقًا كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ: هِيَ طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا أَوْ إنْ دَخَلْت وَنَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا (ش) أَيْ وَشَرْطُ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ قَبْلَ نُفُوذِ الطَّلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْكُهُ حِينَ التَّلَفُّظِ بِهِ مِلْكًا مُحَقَّقًا كَزَوْجَتِهِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ أَوْ تَعْلِيقًا سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى إنْ تَزَوَّجَهَا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَنَوَى إنْ دَخَلَتْهَا بَعْدَ نِكَاحِهَا أَوْ بِالْبِسَاطِ كَقَوْلِهِ عِنْدَ خِطْبَةِ امْرَأَةٍ هِيَ طَالِقٌ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ إنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّ وُقُوعَ هَذَا الْكَلَامِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ سَدُّ رَمَقِ صِبْيَانِهَا إنْ لَمْ تَجِدْهُ إلَّا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ " أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ " وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا تَجِدُ عَدَمُ جَوَازِ إقْدَامِهَا عَلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ مَيْتَةٍ تَسُدُّ رَمَقَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَمَّا الذَّكَرُ فَلَا وَلَوْ أَدَّى إلَى هَلَاكِهِ فَلَا يُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ كَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ لِشِدَّةِ أَمْرِ اللِّوَاطِ كَذَا قَالَ اللَّقَانِيِّ وَأَمَّا عج فَنَظَرَ فِيهِ وَأَمَّا الرَّجُلُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ إلَّا أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ تُعْطِيهِ مَا يَسُدُّهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ نَظَرًا لِانْتِشَارِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنْ يَزْنِيَ كَذَا فِي عب وَفِيهِ قُصُورٌ بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ عَنْ سَحْنُونَ وَالشَّيْخِ سَالِمٍ.

(قَوْلُهُ: لَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ) وَلَوْ رَقِيقًا وَلَا يَجُوزُ لِخَوْفِ الْقَتْلِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ الْإِكْرَاهُ بِفِعْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِمَخْلُوقٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ قَالَ عج: وَقُرِّرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا هُنَا لَا مَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَقَطْعُهُ أَيْ قَطْعُ مُسْلِمٍ غَيْرَهُ وَلَوْ أُنْمُلَةً فَيُمَكِّنُ مِنْ قَتْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَقْطَعُ أُنْمُلَةَ الْغَيْرِ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُبَاحُ لَهُ لِخَوْفِ قَتْلِهِ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ) وَفِي عب: وَأَمَّا بِطَائِعَةٍ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ فَيَجُوزُ مَعَ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ الْحَقَّ حِينَئِذٍ لِلَّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي هَذَا بِالْقَتْلِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ) هَذَا نَفْيٌ (قَوْلُهُ: فَهَلْ تَلْزَمُهُ تِلْكَ الْيَمِينُ) مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ إذَا كَانَ مُتَعَلَّقُ الْيَمِينِ مُسْتَقْبَلًا فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ لَمْ تَلْزَمْهُ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا كَانَ مُتَعَلَّقُهَا مُسْتَقْبَلًا فَتَرْكُهُ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ بِأَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى فَإِنَّهُ إكْرَاهٌ عَلَى الْيَمِينِ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْحِنْثِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَحْسَنُ الْمُضِيُّ) وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَأَحْكَامُ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ الْوُقُوعِ لَا مِنْ يَوْمِ الْإِجَازَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُرْسَلًا عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِكْرَاهِ أَمَّا إنْ كَانَ مُرْسَلًا عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِكْرَاهِ ثُمَّ أَجَازَ فَالْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الْإِجَازَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ ذَكَرَهُ الْمَرَاغِيُّ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ لِنَوْعٍ مِنْ الْقَصْدِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ انْتَفَى الْقَصْدُ بِجَمِيعِ أَوْجُهِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَشَارَ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَاقِ كَفَى.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعْلِيقًا) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَخِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَيْ ذَا تَعْلِيقٍ أَوْ مُعَلَّقًا (قَوْلُهُ: عِنْدَ خِطْبَتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ فَقَالَ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ عِنْدَ خِطْبَتِهَا هِيَ طَالِقٌ كَانَ أَحْسَنَ وَقَوْلُهُ: أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَيْ أَوْ قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَقَدْ حَذَفَهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ وَنَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَطْ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ هِيَ طَالِقٌ إذْ لَوْ رَجَعَ لَهُ لَمَا اُحْتِيجَ لِقَوْلِهِ عِنْدَ خِطْبَتِهَا (قَوْلُهُ: قَبْلَ نُفُوذِ الطَّلَاقِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ وَإِنْ عَادَ عَلَى الطَّلَاقِ يَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ نُفُوذِهِ (قَوْلُهُ: الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ) مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِصَامِ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ وَمِنْهُ عِصْمَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْمَرْأَةُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ غَيْرِ زَوْجِهَا فَلَهُ عِصْمَةٌ تَذْهَبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبِالْخُلْعِ وَبِالثَّلَاثِ وَبِالْوَفَاةِ، وَالْمُضِيُّ فِي الْعِدَّةِ لَيْسَ امْتِنَاعًا لِلزَّوْجِ بَلْ لِحَقِّ النَّسَبِ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ) أَيْ إنَّهُ حِينَ خِطْبَتِهَا شَرَطُوا عَلَيْهِ شُرُوطًا فَكَرِهَهَا فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْلِيقَ إمَّا بِالْبِسَاطِ أَوْ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِاللَّفْظِ وَالْمُصَنِّفُ تَكَلَّمَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ وَتَرَكَ الثَّالِثَ لِظُهُورِهِ ثُمَّ إنَّهُ اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُمْ عَرَّفُوا الْمِلْكَ بِأَنَّهُ اسْتِحْقَاقُ

الصفحة 36