كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 4)

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَمَلِهَا الْقَضَائِيُّ - وَهُوَ مِصْرُ وَنَوَاحِيهَا كَجَزِيرَةِ الْفِيلِ وَبُولَاقَ وَبِرْكَةِ الْحَجِّ وَمِصْرَ الْعَتِيقَةِ وَطُرَى وَمُعَيْصَرَةَ لَا السُّلْطَانِيُّ إذْ يَبْعُدُ مِنْ قَصْدِ الْحَالِفِ الْخُرُوجَ عَنْ الْإِقْلِيمِ بِالْمَرَّةِ (ص) وَلَهُ الْمُوَاعَدَةُ بِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ فِي مِصْرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَاعِدَهَا عَلَى التَّزْوِيجِ فِي مِصْرَ وَيَخْرُجَ بِهَا عَنْ الْعَمَلِ إنْ نَوَى وَإِلَّا فَخَارِجَ الْمَحَلِّ الَّذِي تَلْزَمُ مِنْهُ الْجُمُعَةُ وَيَعْقِدَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ لَا بِمَوْضِعِ الْمُوَاعَدَةِ.

(ص) لَا إنْ عَمَّ النِّسَاءَ أَوْ أَبْقَى قَلِيلًا كَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَّا تَفْوِيضًا (ش) هَذَا مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ كَأَنْ أَبْقَى كَثِيرًا وَمَعْنَى عُمُومِ النِّسَاءِ أَنْ يَقُولَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُعَلَّقًا أَوْ لَا كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْ الْيَمِينُ وَإِنْ كَانَ أَبْقَى لِنَفْسِهِ التَّسَرِّيَ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ أَضْبَطُ لِمَا لَهُ مِنْ السُّرِّيَّةِ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إذَا أَبْقَى قَلِيلًا كَقَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ إلَّا مِنْ الْقَرْيَةِ الْفُلَانِيَّةِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ لِأَنَّ تَبْقِيَةَ ذَلِكَ الْقَلِيلِ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّعْمِيمِ وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إلَّا تَفْوِيضًا فَهِيَ طَالِقٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا تَفْوِيضًا فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ عَمَّ النِّسَاءَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْكِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَيَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ الَّذِي عُلِّقَ مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِيهِ اخْتِصَاصُهُ بِاَلَّتِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا فَلِذَا لَزِمَ وَفِي غَيْرِهِ تَعْمِيمُ التَّحْرِيمِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (ص) أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ، صَغِيرَةٌ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى وَالْأَحْسَنُ فِي " صَغِيرَةٌ " الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَوْ قَالَ مِنْ قَرْيَةِ كَذَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ إذْ لَيْسَ " صَغِيرَةٌ " مِنْ جُمْلَةِ مَقُولِهِ وَالصَّغِيرَةُ هِيَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا يَتَزَوَّجُ أَيْ لَا يَجِدُ فِيهَا عَدَدًا يَتَخَيَّرُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ.

(ص) أَوْ حَتَّى أَنْظُرَهَا فَعَمِيَ (ش) يَعْنِي إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ أَنْ أَنْظُرَ إلَيْهَا طَالِقٌ فَعَمِيَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ لِأَنَّهُ كَمَنْ عَمَّ النِّسَاءَ وَمِثْلُهُ حَتَّى يَنْظُرَهَا فُلَانٌ فَعَمِيَ أَوْ مَاتَ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَخْشَى الْعَنَتَ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَسَرَّى بِهِ وَحَتَّى هُنَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُقَدَّرٌ أَيْ إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهَا أَيْ إلَّا أَنْ أَنْظُرَ إلَيْهَا فَالطَّلَاقُ مُعَلَّقٌ عَلَى التَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ كَلَامَهُ ظَاهِرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِعِبَارَةٍ: يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ " حَتَّى " جَارَّةً أَيْ إلَى أَنْ أَنْظُرَهَا أَيْ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَى أَنْ يَنْظُرَهَا وَأَنْ تَكُونَ تَعْلِيلِيَّةً أَيْ لِأَجْلِ أَنْ أَنْظُرَهَا وَأَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافِيَّةً.

(ص) أَوْ الْأَبْكَارِ بَعْدَ كُلِّ ثَيِّبٍ وَبِالْعَكْسِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلُّ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ وَكُلُّ بِكْرٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْأَبْكَارِ وَيَلْزَمُهُ فِي الثَّيِّبَاتِ لِتَقَدُّمِهِنَّ فِي يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ كُلُّ بِكْرٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ كُلُّ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الثَّيِّبَاتِ وَيَلْزَمُهُ فِي الْأَبْكَارِ لِتَقَدُّمِهِنَّ فِي يَمِينِهِ فَقَوْلُهُ " أَوْ الْأَبْكَارِ " أَيْ وَلَا يَلْزَمُ فِي الْأَبْكَارِ بَعْدَ كُلِّ ثَيِّبٍ كَمَا لَا يَلْزَمُ فِي الثَّيِّبَاتِ بَعْدَ كُلِّ بِكْرٍ فِي الْعَكْسِ لِدَوَرَانِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ مَعَ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِطْلَاقِ مِصْرَ عَلَى الْقَاهِرَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَمَلِهَا الْقَضَائِيُّ) أَيْ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِ قَاضِي الْعَسْكَرِ الَّذِي بِمِصْرَ وَأَمَّا الصَّعِيدُ وَالْبُحَيْرَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ عَمَلِهَا الْقَضَائِيِّ لِأَنَّ قُضَاةَ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ مِنْ إسْتَانْبُولَ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ الْعَمَلُ السُّلْطَانِيُّ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَيْهِ فَإِنْ نَوَى الْعَمَلَ انْصَرَفَ لِلسُّلْطَانِيِّ مَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِخِلَافِهِ فَإِذَا جَرَى عُرْفٌ بِخِلَافِهِ عُمِلَ عَلَيْهِ وَكَذَا يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ إذَا لَمْ يَنْوِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ الْمُوَاعَدَةُ) إنَّمَا جَازَتْ هُنَا وَمُنِعَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ الْخِطْبَةِ وَالْمُوَاعَدَةُ لَيْسَتْ مِنْ التَّزَوُّجِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَالَهُ تت.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ) وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا فَقَدْ أَبْقَى قَلِيلًا أَيْ لِأَنَّ شَأْنَهُ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ فَمَعْرِفَتُهُ عِنْدَ قَوْمٍ لَا تُعْتَبَرُ وَغَيْرُهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ لِقِلَّةِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ (قَوْلُهُ: وَيَخْتَصُّ) أَيْ الْحِنْثُ بِالْمِلْكِ الَّذِي عَلَّقَهَا أَيْ بِالْعِصْمَةِ الْمَمْلُوكَةِ الَّتِي عَلَّقَ عَلَيْهَا أَيْ فَإِذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ وَقَدْ طَلَّقَ الْمَحْلُوفَ لَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا وَبَعْدَ زَوْجٍ فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلَا يَحْنَثُ فِي الْعِصْمَةِ الثَّانِيَةِ بَلْ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا تَزَوَّجَ فِي الْعِصْمَةِ الْأُولَى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا دَقِيقٌ) وَجْهُ الدِّقَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ ذَلِكَ فِيهِ اخْتِصَاصُهُ بِاَلَّتِي يَتَزَوَّجُهَا أَيْ وَيُمْكِنُهُ فِرَاقُهَا فَيَخْرُجُ عَنْ الضِّيقِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ بِخِلَافِ مَنْ عَمَّمَ فَلَا طَرِيقَةَ لَهُ يَخْرُجُ بِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ " صَغِيرَةٌ " إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَالْأَحْسَنُ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا أَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ تُفِيدُ التَّعْيِينَ وَالصَّغِيرَةُ دُونَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ إلَخْ) وَتَكُونُ اسْتِثْنَائِيَّةً وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مُقَدَّرٍ ظَهَرَ أَنَّ كَلَامَهُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا لَوْ لَمْ تُجْعَلْ لِلِاسْتِثْنَاءِ بَلْ جُعِلَتْ غَايَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ يَنْحَلُّ الْمَعْنَى: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ الطَّلَاقُ إلَى أَنْ يَنْظُرَهَا فَإِذَا نَظَرَهَا ارْتَفَعَ الطَّلَاقُ إلَى أَنْ يَنْظُرَهَا فَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا غَيْرَ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا آخَرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ أَيْضًا فِي ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالَةِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ " حَتَّى " جَارَّةً إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُفِيدُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْفِعْلِ وَاسْتِمْرَارَهُ إلَى النَّظَرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَكَذَا جَعْلُهَا تَعْلِيلِيَّةً وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ عِلَّةً لِلطَّلَاقِ فَالْمُنَاسِبُ الْأَخِيرُ وَهُوَ جَعْلُهَا اسْتِثْنَائِيَّةً وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي

الصفحة 39