كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 4)

سَبَبًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَجْعَلْهُ سَبَبًا لِوُقُوعِهِ لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مَوْكُولٍ إلَى إرَادَةِ الْمُكَلَّفِ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِتَصْمِيمِهِ، وَجَزْمِهِ عَلَى جَعْلِهِ سَبَبًا وَاحْتَرَزَ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُعَلَّقِ نَفْسِهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ إذَا صَرَفَ الْإِرَادَةَ إلَيْهِ فَلَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ فَيُنَجَّزُ.

(ص) أَوْ كَإِنْ لَمْ تَمْطُرْ السَّمَاءُ غَدًا إلَّا أَنْ يَعُمَّ الزَّمَنَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَمْطُرْ السَّمَاءُ غَدًا أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ أَوْ إنْ مَطَرَتْ غَدًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُنْ مَطَرَتْ بِالشَّامِ فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ وَلَا يُنْتَظَرُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِيُنْظَرَ أَيَكُونُ الْمَطَرُ أَمْ لَا وَلَوْ مَطَرَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تُرَدَّ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ مِنْ الْغَيْبِ أَيْ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْهَزْلِ وَكِلَاهُمَا مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ وَهَذَا مَا لَمْ يَعُمَّ الزَّمَنَ فَإِنْ عَمَّهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَمْطُرْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَسَوَاءٌ عَمَّ أَوْ سَمَّى بَلَدًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَمْطُرَ فِي زَمَنٍ مَا وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَخَمْسِ سِنِينَ أَيْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ.

(ص) أَوْ يَحْلِفُ لِعَادَةٍ فَيُنْتَظَرُ (ش) أَيْ وَكَذَا لَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لِعَادَةٍ اعْتَادَهَا كَمَا إذَا رَأَى سَحَابَةً وَالْعَادَةُ فِي مِثْلِهَا أَنْ تَمْطُرَ السَّمَاءُ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَمْطُرْ السَّمَاءُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتُنْتَظَرُ السَّحَابَةُ هَلْ تَمْطُرُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَتَبِعَ الْمُؤَلِّفُ مَا قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَاَلَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْتَظَرُ فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَقِيلَ: يُطَلَّقُ عَلَيْهِ وَقِيلَ: لَا وَقِيلَ: إنْ حَلَفَ لِغَالِبِ ظَنِّهِ لِأَمْرٍ تَوَسَّمَهُ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ فِي الشَّرْعِ لَمْ يُطَلَّقْ عَلَيْهِ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُ بِكِهَانَةٍ أَوْ عَلَى الشَّكِّ طُلِّقَ عَلَيْهِ (ص) وَهَلْ يُنْتَظَرُ فِي الْبِرِّ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ يُنَجَّزُ كَالْحِنْثِ تَأْوِيلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ وَقَعَ خِلَافٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ مُؤَجَّلٍ بِأَجَلٍ قَرِيبٍ لَا لِعَادَةٍ كَقَوْلِهِ إنْ مَطَرَتْ السَّمَاءُ غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ هَلْ يُنْتَظَرُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ يُنَجَّزُ كَالْحِنْثِ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ تَأْوِيلَانِ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لِعَادَةٍ وَقَرُبَ الزَّمَنُ كَشَهْرٍ مَثَلًا كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْقُوفًا إلَخْ وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الْفِيشِيَّ ذَكَرَ مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إذَا صَرَفَ الْإِرَادَةَ إلَيْهِ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَصْرِفُهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُنَجَّزُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ إنْ لَمْ تَكُنْ مَطَرَتْ بِالشَّامِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي هَذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا مَضَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مَطَرَتْ بِالشَّامِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنْ لَمْ تَمْطُرْ طَلَقَتْ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُنْتَظَرُ أَيْ سَوَاءٌ صِيغَةُ الْبِرِّ وَصِيغَةُ الْحِنْثِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ مَطَرَتْ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ أَوْ إنْ مَطَرَتْ غَدًا لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَهَلْ يُنْتَظَرُ فِي الْبِرِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ عَمَّ) أَيْ جَمِيعَ الْأَمْكِنَةِ أَوْ سَمَّى بَلَدًا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ أَجَلًا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَمَّ جَمِيعَ الْأَمْكِنَةِ أَوْ سَمَّى بَلَدًا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي عب وَنَصُّهُ وَمِثْلُ مَا إذَا عَمَّ الزَّمَنَ إذَا قَيَّدَ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ كَخَمْسِ سِنِينَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِمَكَانٍ فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْتَظَرُ وَالْأَحْسَنُ مَا فِي شَارِحِنَا كَمَا يُفِيدُهُ عج وَفِي شَرْحِ شب قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ " خَمْسِ سِنِينَ " لَا مَفْهُومَ لَهُ وَالْمُرَادُ زَمَنٌ لَا يَتَأَخَّرُ الْمَطَرُ فِيهِ عَادَةً.

(قَوْلُهُ: أَوْ يَحْلِفُ لِعَادَةٍ لِيُنْتَظَرَ) وَالْفَرْضُ أَنَّهُ قَيَّدَ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ وَالْمُرَادُ عَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى حَصَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَيُمْنَعُ مِنْهَا فِي صِيغَتَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ لِأَنَّ فِي إرْسَالِهِ عَلَيْهَا إرْسَالًا عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا وَالظَّاهِرُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْتَظَرُ) سِيَاقُ كَلَامِهِ فِي الْعَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِكَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ الْحَاكِمِ بِالتَّنْجِيزِ وَكَأَنَّهُ قَالَ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ حَالًا إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ فَأَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ وَمُفَادُ بَهْرَامَ أَنَّهَا أَقْوَالٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ بَهْرَامَ لَا يُسَلَّمُ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَحِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ يَقُولُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ فَإِنْ غَفَلَ وَلَمْ يَطَّلِعْ فَأَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ فَالْأَوْلَى أَنَّ الشَّارِحَ يَذْكُرُ " انْتَهَى " آخِرًا لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَلِذَا قَالَ الْفِيشِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورَ مَا نَصُّهُ: قَالَ بَعْضٌ فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَنْ غَفَلَ عَنْهُ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ ابْتِدَاءً وِفَاقًا لِعِيَاضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ كَإِنْ لَمْ تَمْطُرْ حَقُّهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ بِمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَيُعْلَمُ مَآلًا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: " أَوْ كَإِنْ لَمْ تَمْطُرْ السَّمَاءُ وَقَيَّدَ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ كَشَهْرٍ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَيُنْتَظَرَ فَإِنْ أَطْلَقَ فِي الزَّمَنِ فَلَا حِنْثَ وَإِنْ خَصَّهُ بِبَلَدٍ كَأَنْ قَيَّدَ بِخَمْسِ سِنِينَ أَوْ كَإِنْ مَطَرَتْ وَقَيَّدَ بِالْبَعِيدِ وَإِنْ خَصَّهُ بِمَكَانٍ فَإِنْ قَيَّدَ بِالْقَرِيبِ وَحَلَفَ لِعَادَةٍ اُنْتُظِرَتْ وَإِلَّا فَهَلْ كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ يُنَجَّزُ؟ تَأْوِيلَانِ " لَوَفَّى بِالْمُرَادِ، وَقَوْلُهُ كَأَنْ قَيَّدَ بِخَمْسِ سِنِينَ تَشْبِيهٌ تَامٌّ كَذَا قَالَ عج وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ عج اعْتِمَادُ كَلَامِ عِيَاضٍ لَا كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ وَالْعَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَأَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» قَالَ الْحَطَّابُ قَوْلُهُ: بَحْرِيَّةً كَذَا رَأَيْته مَضْبُوطًا بِالْفَتْحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي " نَشَأَتْ " الْعَائِدِ لِلسَّحَابَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ وَغُدَيْقَةٌ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍ مَفْتُوحَةٍ - أَيْ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَهُوَ تَصْغِيرُ تَعْظِيمٍ، وَالْغَدَقُ - بِفَتْحِ الدَّالِ -: الْمَطَرُ الْكِبَارُ وَغَدَقٌ اسْمُ بِئْرٍ بِالْمَدِينَةِ فِيهِ وَرُوِيَ بِرَفْعِ " بَحْرِيَّةً " وَبِتَكْبِيرِ " غُدَيْقَةٌ " أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ وَقَوْلُهُ: تَشَأَّمَتْ أَيْ إذَا طَلَعَتْ السَّحَابَةُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَمَالَتْ إلَى جِهَةِ الشَّأْمِ فَتِلْكَ السَّحَابَةُ غَزِيرَةُ الْمَطَرِ (قَوْلُهُ: تَوَسَّمَهُ) أَيْ تَفَرَّسَهُ أَيْ أَدْرَكَهُ لِعَادَةٍ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْمَطَرِ (قَوْلُهُ: بِكِهَانَةٍ) هِيَ الْإِخْبَارُ بِالْمُسْتَقْبِلَاتِ مُعْتَمِدًا عَلَى إخْبَارِ الْجِنِّ الَّذِينَ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ وَأَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ قَوْلَ الْمُنَجِّمِ

الصفحة 58