كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 4)

مَطَرَتْ بَعْدَ شَهْرٍ لِعَادَةٍ تَوَسَّمَهَا اُنْتُظِرَ قَطْعًا وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ كَخَمْسِ سِنِينَ نُجِّزَ اتِّفَاقًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ قَيَّدَ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ وَلَمْ يَحْلِفْ لِعَادَةٍ قَوْلُهُ كَالْحِنْثِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَحَلَّ التَّنْجِيزِ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ حَيْثُ قَيَّدَ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ وَلَمْ يَحْلِفْ لِعَادَةٍ.

(ص) أَوْ بِمُحَرَّمٍ كَإِنْ لَمْ أَزْنِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ قَبْلَ التَّنْجِيزِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَتَجَرَّأَ وَيَفْعَلَهُ فَلَا يُنَجَّزَ عَلَيْهِ قَالَ فِيهَا وَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ بِاَللَّهِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا أَوْ لَيَقْتُلَنَّهُ إلَخْ فَلْيُكَفِّرْ وَلْيَمْشِ أَوْ لِيُطَلِّقْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ أَوْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إنْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ اجْتَرَأَ فَفَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّظَرِ فِيهِ زَالَتْ أَيْمَانُهُ فِيهِ فَقَوْلُهُ أَوْ بِمُحَرَّمِ أَيْ أَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِ مُحَرَّمٍ.

(ص) أَوْ بِمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَمَآلًا (ش) أَيْ وَكَذَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إذَا عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ لَا نَعْلَمُهُ حَالًا وَلَا مَآلًا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَدُيِّنَ إنْ أَمْكَنَ حَالًا وَادَّعَاهُ) كَحَلِفِهِ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ - وَالسَّمَاءُ مُطْبِقَةٌ بِالْغَيْمِ - لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ لَا لَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ كَمَا سَبَقَ إلَيْهِ قَلَمُ بَعْضٍ إذْ لَا يَكُونُ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.

(ص) فَلَوْ حَلَفَ اثْنَانِ عَلَى النَّقِيضِ كَإِنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِينًا طَلَقَتْ (ش) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَدُيِّنَ إنْ أَمْكَنَ حَالًا وَادَّعَاهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَأَى رَجُلَانِ طَائِرًا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غُرَابٌ وَحَلَفَ الْآخَرُ عَلَى النَّقِيضِ وَهُوَ أَنَّ الطَّائِرَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِغُرَابٍ وَتَعَذَّرَ التَّحْقِيقُ فَإِنْ ادَّعَيَا يَقِينًا أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ فَإِنَّهُمَا يُدَيَّنَانِ أَيْ يُوكَلَانِ إلَى دِينِهِمَا وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمَا وَلَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا يَقِينًا أَيْ اعْتِقَادًا جَازِمًا بِأَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَوْ فِي ثَانِي حَالٍ فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِمَا الطَّلَاقُ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا يَقِينًا عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ فَلَا حِنْثَ عَلَى مَنْ ادَّعَى الْيَقِينَ وَيَحْنَثُ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِينًا طَلَقَتْ أَيْ طَلَقَتْ امْرَأَةُ مَنْ لَمْ يَدَّعِ الْيَقِينَ سَوَاءٌ كَانَ كُلًّا مِنْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا أَيْ مَعًا أَوْ عَلَى الْبَدَلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا تَطْلُقُ إلَّا زَوْجَةُ مَنْ لَمْ يَدَّعِ الْيَقِينَ وَقَدْ تَسَامَحَ فِي إطْلَاقِ الْيَقِينِ عَلَى الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ تَبَعًا لِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْيَقِينَ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ وَعَدَمُ الشَّكِّ، وَلَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ إلَّا الِاعْتِقَادُ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ فَرَأَى طَائِرًا فَقَالَ إنْ كَانَ هَذَا غُرَابًا فَزَيْنَبُ طَالِقٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَزَّةُ طَالِقٌ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ طَلَقَتَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَعْوَى التَّحْقِيقِ فِي الْحَالَتَيْنِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا يُنَجَّزُ فِيهِ شَرَعَ فِيمَا لَا يُنَجَّزُ فِيهِ أَعَمَّ مِمَّا لَا شَيْءَ فِيهِ حَالًا وَلَا مَآلًا أَوْ حَالًا لَا مَآلًا فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (ص) وَلَا حِنْثَ إنْ عَلَّقَهُ بِمُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ كَإِنْ لَمَسْت السَّمَاءَ أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمَسْت السَّمَاءَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ أَوْ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ مُمْتَنِعٍ وُجُودُهُ وَالشَّرْطُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَقَوْلُهُ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا كَإِنْ جَمَعْت بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَادَةً كَإِنْ لَمَسْت السَّمَاءَ أَوْ إنْ حَمَلْت الْجَبَلَ أَوْ شَرْعًا كَإِنْ شَرِبْت الْخَمْرَ.

(ص) أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَةُ الْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهِ (ش) صُورَتُهَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ شَاءَ الطَّلَاقَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْتَ: تَقَدَّمَ مَسْأَلَةُ التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ فَإِنَّهُ يُنَجَّزُ إذْ لَمْ تُعْلَمْ الْمَشِيئَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَهَذَا يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ قَيَّدَ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ) وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِعَادَةٍ أَوْ لَا أَنْ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ هُنَاكَ عَادَةً (ثُمَّ أَقُولُ) ذَكَرُوا أَنَّ الْبَعِيدَ خَمْسُ سِنِينَ وَالْقَرِيبَ مَا دُونَهَا الشَّهْرُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّنَةَ مِنْ حَيِّزِ الْبَعِيدِ فِي صِيغَتَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ قَيَّدَ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ وَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إنْ قَيَّدَ بِهَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ بَلْ يَسْتَحِيلُ بِبَلَدِنَا وَنَحْوِهِ عَادَةً أَنْ تَمْضِيَ سَنَةٌ وَلَا يَحْصُلَ فِيهَا مَطَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَشْهُرُ الَّتِي لَا يَتَخَلَّفُ الْمَطَرُ فِيهَا عَادَةً كَالتَّقْيِيدِ بِزَمَنٍ بَعِيدٍ فَيَفْتَرِقُ فِيهَا صِيغَةُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِمُحَرَّمٍ) أَيْ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ بِتَنْجِيزِ الْحَاكِمِ لَا بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ لِئَلَّا يُنَاقِضَ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَإِنْ لَمْ أَزْنِ) وَمِثْلُهُ كَإِنْ لَمْ يَزْنِ زَيْدٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَعَادَهُ إلَخْ) قَالَ الْبِسَاطِيُّ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ حَالَةٌ يُمْكِنُ تَعَلُّقُ عَمَلِنَا بِهِ كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ وَمَا لَا يُعْلَمُ حَالًا وَلَا مَآلًا لَهُ خَارِجٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعْلَمَ مِنْ غَيْرِ خَبَرٍ كَزَيْدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَحَاصِلُ جَوَابِ الْبِسَاطِيِّ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ لَا تُعْلَمُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَكَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْلَمُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ جَوَابٌ بَعِيدٌ.

(قَوْلُهُ: عَلَى النَّقِيضِ) أَيْ جِنْسِ النَّقِيضِ إذْ حَلِفُ اثْنَيْنِ عَلَى النَّقِيضَيْنِ أَوْ التَّقْدِيرُ كُلٌّ عَلَى النَّقِيضِ (قَوْلُهُ: وَلَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ أَحَدُهُمَا أَوْ هُمَا فَيَحْنَثَ أَيْضًا مَنْ بَانَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ) وَأَوْلَى إذَا تَوَهَّمَ تَبَيُّنَ شَيْءٍ بِصِدْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِكَوْنِهِ حَالَ الْيَمِينِ غَيْرَ جَازِمٍ عَلَى مَا حَلَفَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي ثَانِي حَالٍ) بِأَنْ كَانَ جَازِمًا حِينَ الْيَمِينِ ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْتَبَسَ الْحَالُ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ شَيْءٌ عَمِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضٌ.

(قَوْلُهُ: مُمْتَنِعٍ إلَخْ) أَيْ فِي صِيغَةِ بِرٍّ لَا فِي صِيغَةِ حِنْثٍ فَيُنَجَّزُ كَإِنْ لَمْ أَزْنِ أَوْ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ أَوْ إنْ لَمْ أَجْمَعْ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ.
(قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِسَحْنُونٍ مِنْ الْحِنْثِ ثُمَّ إنَّهُ عُورِضَتْ هَذِهِ بِلُزُومِ طَلَاقِ الْهَزْلِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ فَمَشَى فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى قَوْلٍ وَأُجِيبَ بِجَوَابٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَجَرُ

الصفحة 59