كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 4)

إنْ دَخَلْتَ أَنْتِ عَلَى ضَرَّتِي أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ نَحْوَهُ مِنْ كُلِّ مُحْتَمَلٍ غَيْرِ غَالِبٍ فَإِنَّهَا تُوقَفُ فَتَخْتَارُ الطَّلَاقَ أَوْ الْبَقَاءَ وَلَا تُمْهَلُ وَلَا يُلْتَفَتُ لِشَرْطِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَعُورِضَتْ بِمَا قَبْلَهَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَالَفَتْ وَأَخَذَتْ بَعْضَ حَقِّهَا وَهُوَ الْوَاحِدَةُ فِي الْأُولَى وَفِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فِي هَذِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّتِي قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ تَضَمَّنَ قَضَاؤُهَا إبْطَالَ مَا بَقِيَ لَهَا مِنْ الثَّلَاثِ كَمَنْ أَبْطَلَ مَا لَا يَتَبَعَّضُ فَوَجَبَ بُطْلَانُهُ كَعَافٍ عَنْ بَعْضِ الدَّمِ، وَالثَّانِيَةَ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا عَلَى وَصْفٍ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهَا فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا وَلَمَّا اخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي سُقُوطِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ بِانْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ وَبَقَائِهِمَا بَعْدَهُ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْقَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ (ص) وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى بَقَائِهِمَا بِيَدِهَا فِي الْمُطْلَقِ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ كَمَتَى شِئْتِ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالسُّقُوطِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا مَلَّكَهَا تَمْلِيكًا مُطْلَقًا أَوْ خَيَّرَهَا تَخْيِيرًا مُطْلَقًا أَيْ عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُمَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ تُوطَأْ أَوْ تُمَكِّنْ مِنْ ذَلِكَ طَائِعَةً قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ قَبِلْتُ أَمْ لَا بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا يَبْقَى ذَلِكَ بِيَدِهَا فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ وَثَبَ حِينَ مَلَّكَهَا يُرِيدُ قَطْعَ ذَلِكَ عَنْهَا لَمْ يَنْفَعْهُ، وَحَدُّ ذَلِكَ إذَا قَعَدَ مَعَهَا قَدْرَ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا تَخْتَارُ فِي مِثْلِهِ وَلَمْ يَقُمْ فِرَارًا وَإِنْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ وَعَلِمَ أَنَّهُمَا قَدْ تَرَكَا ذَلِكَ وَخَرَجَا إلَى غَيْرِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَقَدْ رَجَعَ مَالِكٌ آخِرًا إلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ مَاتَ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَقْتَضِي عَدَمَ رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْوَاجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى ذَلِكَ الرَّاجِحِ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ " تُوطَأْ " تُمَكِّنْهُ طَائِعَةً مِنْ التَّمَتُّعِ عَالِمَةً لَكَانَ أَحْسَنَ لِيُفْهَمَ مِنْهُ أَحْرَوِيَّةُ الْوَطْءِ بِالْفِعْلِ وَقَوْلُهُ كَمَتَى شِئْتِ تَشْبِيهٌ فِي الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ أَنَّهُمَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ.

(ص) وَفِي جَعْلِ إنْ شِئْتِ أَوْ إذَا كَمَتَى أَوْ كَالْمُطْلَقِ تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ إنْ شِئْتِ وَإِذَا شِئْتِ هَلْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ بِاتِّفَاقٍ كَمَتَى شِئْتِ أَوْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا كَالتَّمْلِيكِ وَالتَّخْيِيرِ الْمُطْلَقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا وَيَأْتِي الْخِلَافُ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فَالتَّرَدُّدُ فِي إنْ وَإِذَا مَعًا لِأَنَّ إذَا وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الزَّمَانِ بِجَوْهَرِهَا فَقَدْ دَلَّتْ إنْ عَلَيْهِ بِوَضْعِهَا وَتَضَمُّنِهَا لِأَنَّهَا وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مَاضٍ صَرَفَتْهُ لِلِاسْتِقْبَالِ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ أَيْ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ الْمَاضِي فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الِامْتِدَادِ وَضْعًا وَكَلَامُ الْبِسَاطِيِّ غَفْلَةٌ عَنْ هَذَا (ص) كَمَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَبَلَغَهَا (ش) تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ التَّرَدُّدِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْ الْمَجْلِسِ وَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَهَلْ يَبْقَى مَا جَعَلَ لَهَا بِيَدِهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَحَكَى عَلَيْهَا الِاتِّفَاقَ أَوْ يَجْرِي الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْحَاضِرَةِ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمُ وَهِيَ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ.

(ص) وَإِنْ عَيَّنَ أَمْرًا تَعَيَّنَ (ش) أَيْ وَإِنْ عَيَّنَ الزَّوْجُ أَمْرًا كَخَيَّرْتُكِ أَوْ مَلَّكْتُكِ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الْجُمُعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقَ نَاجِزًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فَإِنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهَا فِي هَذِهِ أَيْضًا وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِتَأْخِيرِ ذَلِكَ لِلدُّخُولِ عَلَى ضَرَّتِهَا وَإِلَّا أُمْهِلَتْ (قَوْلُهُ: كَعَافٍ عَنْ بَعْضِ الدَّمِ) كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَسَقَطَ إنْ عَفَا رَجُلٌ كَالْبَاقِي (قَوْلُهُ: اخْتَارَتْ نَفْسَهَا) أَيْ فَلَمْ تُسْقِطْ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا أَيْ فَهُوَ جَوَابٌ بِالْمَنْعِ (قَوْلُهُ: أَيْ عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) أَيْ فَهُوَ غَيْرُ الْمُطْلَقِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ قَبِلْتُ أَمْ لَا) أَيْ قَبِلَتْ الَّتِي يُطْلَبُ مِنْهَا تَفْسِيرُهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَثَبَ) أَيْ قَامَ (قَوْلُهُ: يُرِيدُ قَطْعَ ذَلِكَ عَنْهَا) أَيْ يُرِيدُ أَنَّهَا لِقَطْعِ خِيَارِهَا وَلَا تَقْضِي بِشَيْءٍ وَقَوْلُهُ: وَحَدُّ ذَلِكَ أَيْ وَحَدُّ الزَّمَنِ الَّذِي لَا تَقْضِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ) الْمَدَارُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي جَعْلِ إنْ شِئْتِ أَوْ إذَا كَمَتَى أَوْ كَالْمُطْلَقِ تَرَدُّدٌ) الرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ كَمَتَى شِئْتِ لِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ عج (قَوْلُهُ: بِجَوْهَرِهَا) فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نُونٌ أَيْ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَادَّةُ زَمَنٍ وَقَوْلُهُ " وَتَضَمُّنِهَا " الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلتَّعْلِيقِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الزَّمَانُ (قَوْلُهُ: فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الِامْتِدَادِ وَضْعًا) أَيْ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَضْعًا تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَإِذَا تَأَمَّلْت فِي الْحَقِيقَةِ تَجِدُ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ رَدٌّ لِقَوْلِ أَصْبَغَ كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْبِسَاطِيِّ غَفْلَةٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْبَغَ قَدْ قَالَ إنْ قَالَ إنْ شِئْتِ كَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَقْطَعُهُ الْوَطْءُ وَإِنْ قَالَ إذَا شِئْتِ كَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا حَتَّى تُوقَفَ، وَلَا يَقْطَعُهُ الْوَطْءُ اهـ قَالَ الْبِسَاطِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ وَأَصْبَغَ وَهَذَا الْخِلَافُ لَيْسَ جَارِيًا عَلَى اللُّغَةِ وَلَا عَلَى اصْطِلَاحِنَا الْيَوْمَ وَلَعَلَّهُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ شَارِحِنَا أَنَّ الْبِسَاطِيَّ يَقُولُ بِالتَّرَدُّدِ فِي " إذَا " فَقَطْ لَا " إنْ " لِأَنَّهَا لَا تُعْطَى حُكْمَهَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهَا مِثْلُهَا لِأَنَّ " إذَا " وَ " إنْ " دَلَّتْ إلَخْ وَظَهَرَ لَكَ مِمَّا قُلْنَا أَنَّ الْبِسَاطِيَّ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِسَاطِيَّ اهـ أَرَادَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْخِلَافِ لَا يَأْتِي عَلَى اصْطِلَاحِ اللُّغَةِ وَلَا عَلَى اصْطِلَاحِنَا وَهُوَ تَفْرِقَةُ أَصْبَغَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ التَّرَدُّدِ) إنَّمَا قَالَ فِي مُطْلَقِ التَّرَدُّدِ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَرَدُّدٌ فِي الْحُكْمِ وَهُنَا اخْتِلَافُ طُرُقٍ (قَوْلُهُ: أَوْ يَجْرِي الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْحَاضِرَةِ) وَيُرَادُ بِالْمَجْلِسِ هُنَا مَجْلِسُ عِلْمِهَا..

الصفحة 75