كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ طَرِيقُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى مِنْ إدْبَارِ الْبُيُوتِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَا سُكْنَى لَهَا فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا زَوْجُهَا قَالَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الْبِنَاءِ حُكْمُ الْبِنَاءِ فِي عِدَّةٍ وَلَا كَمَالِ صَدَاقٍ وَلَا وُجُوبِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى فَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ نَهَارًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الَّذِي تَضَمَّنَهُ النَّصُّ الْإِسْكَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] ، وَالْخُرُوجُ بِالنَّهَارِ لَا يُنَافِي السُّكْنَى فَلَمْ تُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهَا مِنْ التَّصَرُّفِ إضْرَارٌ بِهَا فَلَيْسَ كُلُّ النِّسَاءِ لَهَا مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: فَنَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ يُرِيدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ اتَّقِ اللَّهَ وَرُدَّ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا إنْكَارًا مِنْهَا لِانْتِقَالِهَا مِنْ بَيْتِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَائِشَةَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَبَتْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا: رُدَّ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا، وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ، وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْمُقَامِ فِي بَيْتِ سُكْنَاهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ لَمَا خَاطَبَتْ بِذَلِكَ مَنْ إلَيْهِ حُكْمُ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تُخَاطِبُ بِهِ الْمَرْأَةَ فِي خَاصَّتِهَا وَتُعْلِمُهَا أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ انْتِقَالَهَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا خَافَتْ الزَّوْجَةُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا سُقُوطَ الْمَبِيتِ أَوْ كَانَتْ بِقَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمُونَ وَتَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا اللُّصُوصَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا فَلَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَتَحَوَّلُ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ فَخَافَتْ جَارَ سُوءٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تَنْتَقِلُ إلَّا لِأَمْرٍ لَا تَسْتَطِيعُ الْقَرَارَ عَلَيْهِ، وَالْمَدِينَةُ بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَدِينَةَ فِيهَا مَنْ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَيْهِ وَيَكْفِيهَا مَنْ تَتَّقِيهِ مِنْ الْجَارِ السُّوءِ وَغَيْرِهِ، وَالْقَرْيَةُ فِي الْغَالِبِ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ وَلَا يُمْنَعُ الْمُتَعَدِّي مِنْ التَّعَدِّي فَإِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا انْتَقَلَتْ عَنْهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا اعْتَرَضَ مَرْوَانُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَانْتِقَالِهَا إلَى مَنْزِلِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ: لَا يَضُرُّك أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ تُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ فَاطِمَةَ غَيْرُ حُكْمِ هَذِهِ لَمَّا اعْتَقَدَتْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ إنَّمَا انْتَقَلَتْ؛ لِأَنَّ مَنْزِلَهَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَاعْتَقَدَ مَرْوَانُ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ خُرُوجُهَا لِمَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَذَوِيهِ مِنْ الشَّرِّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ لَسِنَةً فَلِذَلِكَ قَالَ: إنْ كَانَ بِك الشَّرُّ فَحَسْبُك مَا بَيْنَ هَذَيْنِ إنَّ أَبْلَغَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ هَذَيْنِ مِنْهُ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ.
وَقَدْ أَنْكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى بِنْتِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ انْتِقَالَهَا حِينَ طَلَّقَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرَ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ انْتِقَالَهَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِذَا انْتَقَلَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَأَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَوْضِعٍ وَأَرَادَتْ هِيَ غَيْرَهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنْ كَثْرَةِ كِرَاءٍ وَلَا سُكْنَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا الَّتِي تَخْتَصُّ بِالسُّكْنَى فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا تَخْتَارُهُ ضَرَرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهِ الْإِضْرَارِ بِهَا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لِلزَّوْجَةِ، وَإِنَّمَا عَلَى الزَّوْجِ أَدَاءُ الْكِرَاءِ كَسَائِرِ النَّفَقَاتِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَحُكْمُ الْمَنْزِلِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ حُكْمُ الَّذِي انْتَقَلَتْ مِنْهُ مِنْ مُلَازَمَتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الدَّارِ الَّتِي انْتَقَلَتْ عَنْهَا فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ مَوْضِعِ عِدَّتِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ انْتَقَلَتْ أَجْبَرَهَا السُّلْطَانُ عَلَى الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ، وَالْوَلَدِ الْمُرْتَقَبِ، وَقَدْ تُغَلَّظُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إسْقَاطُهُ.
(ش) : قَوْلُهُ: طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَسْكَنِ حَفْصَةَ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ حَفْصَةَ أَوْ فِي دَارٍ
الصفحة 102
308