كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَحُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كُلُّهُمْ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِلَّ وَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَمُوتُ عَنْهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ عِنْدَنَا الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فَدَعَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَجِئْته فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَإِذَا سِيَاطٌ مَوْضُوعَةٌ، وَإِذَا قَيْدَانِ مِنْ حَدِيدٍ وَعَبْدَانِ لَهُ قَدْ أَجْلَسَهُمَا فَقَالَ: طَلِّقْهَا وَإِلَّا وَاَلَّذِي يُحْلَفُ بِهِ فَعَلْت بِك كَذَا، وَكَذَا قَالَ: فَقُلْت هِيَ الطَّلَاقُ أَلْفًا قَالَ فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ فَأَدْرَكْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي فَتَغَيَّظَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ، وَأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك فَارْجِعْ إلَى أَهْلِك قَالَ فَلَمْ تُقْرِرْنِي نَفْسِي حَتَّى أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِي وَبِاَلَّذِي قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ قَالَ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك فَارْجِعْ إلَى أَهْلِك وَكَتَبَ إلَى جَابِرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الزُّهْرِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ أَسْبَابِهِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ فَاسِدَةٌ لِعُرُوِّهَا عَنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْفَسَادُ يُقَارِنُ الْعَقْدَ فَقَطْ فَذَلِكَ الَّذِي يُصَحِّحُهُ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَإِنْ انْقَضَى قَبْلَ الْإِسْلَامِ صَحَّحَهُ الْإِسْلَامُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ تُسْلِمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى بِهَا، وَلَوْ وَطِئَ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى سَنَةٍ لِلْمُتْعَةِ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْأَجَلِ فُسِخَ نِكَاحُهُ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْأَجَلِ ثَبَتَ نِكَاحُهُ بَنَى أَوْ لَمْ يَبْنِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَلَمْ يَخْتَرْ مِنْهُنَّ حَتَّى مَاتَ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْت مَنْ قَالَ: إنَّهُنَّ يَرِثْنَ مِنْهُ الثُّمُنَ مَعَ الْوَلَدِ، وَالرُّبُعَ مَعَ عَدَمِهِ وَمَنْ دَخَلَ بِهَا مِنْهُنَّ فَلَهَا صَدَاقُهَا وَمَنْ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَهَا خُمُسَا صَدَاقِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إلَّا صَدَاقُ أَرْبَعٍ يُقَسَّمُ ذَلِكَ بَيْنَهُنَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا مِنْ الْعَشَرَةِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْعَشْرِ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ طَلَاقَهُ لِلْأَرْبَعِ اخْتِيَارٌ لِمَنْ طَلَّقَ وَبِالطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ فِي نِكَاحٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجَةِ، فَإِذَا وَجَّهَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَقَدْ اخْتَارَهَا زَوْجَةً فَإِذَا اسْتَوْعَبَ أَرْبَعَةً بِالطَّلَاقِ فَقَدْ اسْتَوْعَبَ مَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى سَائِرِهِنَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ كَمَا لَوْ اخْتَارَ أَرْبَعًا ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ.
(ش) : قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ يُرِيدُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الثَّلَاثَ ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَحِلَّ وَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَمُوتُ عَنْهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا الْأَوَّلُ، فَإِنَّهَا عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا يُرِيدُ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الثَّانِي طَلْقَةً، فَإِنَّهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ قَبْلَ الثَّانِي، فَإِنَّهَا إذَا رَجَعَتْ لِلْأَوَّلِ لَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ لَا يَهْدِمُ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا الثَّلَاثَ فَأَمَّا الطَّلْقَةُ، وَالطَّلْقَتَانِ فَلَا يَهْدِمُهَا الزَّوَاجُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَهْدِمُ الطَّلْقَةَ، وَالطَّلْقَتَيْنِ، وَإِذَا رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى جَمِيعِ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ.
الصفحة 123
308