كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
مَا يَبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي جَعَلْت أَمْرَ امْرَأَتِي فِي يَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَرَاهُ كَمَا قَالَتْ فَقَالَ الرَّجُلُ لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنَا أَفْعَلُ أَنْتَ الَّذِي فَعَلَته)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَالْأَفْعَالِ، وَالْعِبَادَاتِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلِي وَاشْرَبِي مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، إنَّمَا يَقَعُ بِمَا قَارَنَ النِّيَّةَ مِنْ اللَّفْظِ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ كُلِي أَوْ اشْرَبِي إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، إنْ كَانَ قَدْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ لَفْظٌ قَصَدَ بِهِ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا تَلَفَّظَ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ.
[مَا يَبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ]
(ش) : التَّمْلِيكُ الْمَذْكُورُ هُوَ أَنْ يُمَلِّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا قَدْ مَلَّكْتُك أَمْرَك أَوْ يَقُولَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ قَدْ مَلَّكْتُك، إنْ لَمْ يَقُلْ: أَمْرُك وَلَا نَفْسُك، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: طَلَاقُك إلَيْك أَوْ بِيَدِك قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت فَهَذَا كُلُّهُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّائِلُ الَّذِي سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ جَعَلْت أَمْرَ امْرَأَتِي فِي يَدِهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا جَاوَبَتْهُ تَقُولُ: طَلَّقْت نَفْسِي إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسْئَلُ عَمَّا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا تُسْئَلُ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ فِي التَّمْلِيكِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُسْئَلُ لِئَلَّا تَدَّعِيَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَتُنَاكِرُ أَوْ تَمْضِي، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا إنْ ادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَتْ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الْوَاحِدَةِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهَا أَنَّهَا أَرَادَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْنَافُ دَعْوَى مِنْهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَتْ أَرَدْتُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَزْيَدَ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ.
(فَرْعٌ) : وَهَكَذَا كُلُّ لَفْظٍ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُسْئَلُ عَمَّا أَرَادَتْ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُمَلَّكَةِ تَقُولُ قَدْ طَلَّقْتُك هِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّهَا تُرِيدُ الْمَرْأَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لَهَا ذَلِكَ فَثَبَتَ الْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ قَالَتْ: قَبِلْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا أَوْ بِنْتُ مِنْك أَوْ حَرُمْت عَلَيْك أَوْ بَرِئْت مِنْك، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا تُسْئَلُ الْمَرْأَةُ عَمَّا أَرَادَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: أَرَدْت أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لَمْ تُصَدَّقْ فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَهَذَا فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الطَّلَاقَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهَا: أَنَا مِنْكَ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ، وَأَنَا عَلَيْك حَرَامٌ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا، فَأَمَّا قَبِلْت نَفْسِي وَحَمَلَهَا عَلَى الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبُولَهَا لِنَفْسِهَا قَبُولُهَا لِمِلْكِ نَفْسِهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بِثَلَاثٍ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلِذَلِكَ حَمَلَ مِنْ قَوْلِهَا عَلَى الثَّلَاثِ فَلَمْ تُصَدَّقْ بَعْدَ الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ وَاحِدَةً.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ لَهَا تَفْسِيرَ ذَلِكَ بِالْوَاحِدَةِ بِمَنْزِلَةِ قَبِلْت أَمْرِي وَلَا يَرَاهُ طَلَاقًا
الصفحة 16
308