كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى تَوَقَّفَ وَلَمْ يَرَهُ مِثْلَ أَخَذْت نَفْسِي.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَلَّكَهَا عَلَى عِوَضٍ، فَإِنْ مَلَّكَهَا عَلَى عِوَضٍ أَعْطَتْهُ إيَّاهُ فَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ قَالَتْ لَهُ بَرِئْتُ مِنْك أَنَّهَا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ خُلْعٌ، وَهِيَ مِثْلُ الَّتِي لَمْ يَبْنِ بِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا أُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا وَلَّيْتُهَا مِنْ أَمْرِهَا إلَّا وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَلَّكَهَا بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَنَاكَرَهَا فَتَكُونُ بَائِنَةً لِأَجْلِ الْعِوَضِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ قَالَتْ: خَلَّيْتُ سَبِيلَك فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ قَوْلَهَا لَهُ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ فَارَقْتُكَ كَقَوْلِهِ ذَلِكَ لَهَا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ مِنْهُ يُحْمَلُ عَلَى طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ حَتَّى يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا هِيَ فَمُمَلَّكَةٌ فَكَانَتْ إجَابَتُهَا عَنْ الْفِرَاقِ فَهُوَ عَلَى الْبَتَاتِ حَتَّى يُرِيدَ وَاحِدَةً، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَرَى فِي الزَّوْجِ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: خَلَّيْت سَبِيلَك هِيَ ثَلَاثٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الزَّوْجُ لَهَا أَوْ تَقُولَهُ الزَّوْجَةُ لِلزَّوْجِ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ: خَلَّيْتُ سَبِيلَك وَاحِدَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، إنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مَعَ هَذَا الْأَصْلِ بِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْعِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ مِنْهُ مَا شَاءَ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ أَنْ يُفَرِّقَهُ، وَاللَّفْظُ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ أَرَدْت وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَإِنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَلَّكَهَا جَمِيعَ الطَّلَاقِ وَلِذَلِكَ يُسْتَحْلَفُ إنْ نَاكَرَ فَلَمَّا جَاوَبَتْهُ بِالْفُرْقَةِ كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ إيقَاعَ جَمِيعِ مَا مَلَّكَهَا إيَّاهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَأَمَّا إنْ كَانَ لَفْظٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: قَبِلْتُ أَمْرِي، فَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت بِهِ قَبِلْتُ مَا جَعَلَ لِي مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ الْخِيَارِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا ثُمَّ قِيلَ لَهَا: طَلِّقِي بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ رُدِّي، وَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت بِقَوْلِي قَبِلْت أَمْرِي الطَّلَاقَ سُئِلَتْ مَا أَرَادَتْ مِنْ الطَّلَاقِ فَيَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى سُؤَالَيْنِ لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تُسْئَلُ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ قَدْرِ مَا أَرَادَتْ مِنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَا تَلَفَّظَتْ بِهِ يَحْتَمِلُ مِنْ الطَّلَاقِ الْوَاحِدَةَ أَوْ أَكْثَرَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ قَالَتْ قَدْ قَبِلْت لَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ مِنْ الْمَجْلِسِ لَمْ أُرِدْ إلَّا أَنْ أَنْظُرَ وَأَسْتَخْبِرَ كَانَ لَهَا أَنْ تَقْضِيَ الْآنَ بِوَاحِدَةٍ فَتَلْزَمُهُ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهَا الْمُنَاكَرَةُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ قَبِلْت مُحْتَمِلٌ.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ: لَمْ أُرِدْ شَيْئًا لَمْ يُقْبَلْ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَسَوَاءٌ أَضَافَتْ الطَّلَاقَ إلَيْهَا أَوْ إلَيْهِ فَقَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ أَبَنْتُ نَفْسِي أَوْ أَبْنَتُك؛ لِأَنَّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى جِهَةِ الزَّوْجِ كَإِضَافَتِهِ إلَى جِهَةِ الزَّوْجَةِ كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَاهُ كَمَا قَالَتْ يُرِيدُ أَنَّ مَا قَالَتْ يَلْزَمُهُ عَلَى حَسَبِ مَا أَوْرَدَهُ هُوَ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَهَذَا أَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَعَلَّ السَّائِلَ، وَالْمَسْئُولَ قَدْ جَرَى مِنْهُمَا مَا فُهِمَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ بِهَذَا اللَّفْظِ دُونَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ مَا نَوَى مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَالَتْ هِيَ: قَبِلْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ فِيهِ سَلَفٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ قَدْ مَلَّكْتُكِ أَمْرَك، وَأَمْرُك بِيَدِك مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهَا: قَبِلْت نَفْسِي مِنْ كِنَايَاتِهِ مِنْ جِهَتِهَا، فَإِذَا قَالَا جَمِيعًا أَرَدْنَا بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَإِنْ قَالَ الْآخَرُ أَرَدْت الطَّلَاقَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُمَلَّكَةُ ثَيِّبًا مَحْجُورًا عَلَيْهَا أَوْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلِذَلِكَ يَنْفُذُ طَلَاقُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغًا؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ الْبَالِغَ يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ
الصفحة 17
308