كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ «سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ سَعْدٌ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ فَقَالُوا نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] .
وَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْعَامِلَ بِرَدِّ بَيْعِهِ وَإِنْ كَانَ رَوَى أَمْرَهُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْهُ قَالَ «كَانَ عِنْدِي تَمْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْت تَمْرًا أَخْيَرَ مِنْهُ فَاشْتَرَيْت صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَأَتَيْت بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا هَذَا فَقُلْت لَهُ اشْتَرَيْته صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَقَالَ رُدَّهُ وَرُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا» .
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ «رُدَّهُ وَرُدَّ عَلَيْنَا تَمْرَنَا» فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْمَرْ هَذَا بِرَدِّ بَيْعِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَيْعُهُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ لِلسَّامِعِ مَنْ يَسْتَحِلَّهُ وَيَرَى اسْتِدَامَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَامَلَ بِذَلِكَ كِتَابِيَّانِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ أَنْ تَقَابَضَا فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ بِيَاعَاتِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا رَجَّعَ النِّسَاءَ عَلَيْهِمْ بِمُهُورِهِنَّ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَقَبْلَ قَبْضِ الثَّانِي فَكَانَ الَّذِي أَسْلَمَ مَنْ لَهُ الْفَضْلُ لَمْ يَأْخُذْ لَهُ إلَّا مِثْلَ مَا أَعْطَى وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الرِّبَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «وَضَعَ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» .
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ أَسْلَمَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِ إلَّا مَا أَخَذَ أَخَاف أَنْ أَظْلِمَ الذِّمِّيَّ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ بِالرِّبَا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دِينَارَانِ سُلِّمَ إلَيْهِ فِيهِمَا دِينَارٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالدِّينَارَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا وَجَبَ إسْقَاطُ الرِّبَا وَتَرَاجَعَا غَيْرَهُ، وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ تَعَامُلَهُمَا حِينَ الْعَقْدِ لَمْ يَمْنَعْهُ الْإِسْلَامُ وَاَلَّذِي لَهُ الْحَقُّ مُسْتَدِيمٌ اسْتِبَاحَتَهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْعَقْدِ لَا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ يُرَاعَى وَقْتُ التَّعَامُلِ وَوَقْتُ الْأَدَاءِ فَهُوَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَيَجِبُ أَنْ يَغْلِبَ فِيهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ.
(فَصْلٌ) :
وَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ بِلَالٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالرَّدِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ التَّحْرِيمِ وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَا وَقَعَ مِنْهُ الْيَوْمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ وَقَعَ مِمَّنْ عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ جَهِلَاهُ جَمِيعًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْجَنِيبُ: الْكَبِيسُ، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الْمِصْرِيُّ الْجَنِيبُ: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خِلْطٌ وَالْجَمْعُ الْمُخْتَلِطُ وَقَالَ كُرَاعٌ فِي الْمُنَظَّمِ الْجَنِيبُ مِنْ التَّمْرِ: هُوَ الْمَتِينُ.

(ش) : الْبَيْضَاءُ هِيَ الْمَحْمُولَةُ وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يَكُونُ بِمِصْرَ وَالسَّمْرَاءُ نَوْعٌ آخَرُ يَكُونُ بِالشَّامِ وَهِيَ أَفْضَلُ جَوْدَةً مِنْ الْمَحْمُولَةِ فَسُؤَالُ سَعْدٍ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فِي السُّلْتِ بِالْمَحْمُولَةِ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَفْضَلَ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقَدْرِ وَفِي الْمُزَنِيَّة سَأَلْته عَنْ كَرَاهِيَةِ سَعْدٍ الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ هَلْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فَقَالَ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنْ كَانَ الْمَسْئُولُ قَدْ جَاوَبَ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ خَاصَّةً فَقَدْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى التَّفَاضُلِ فِي الصِّفَةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفْضَلَ فِي الْقَدْرِ يَعْنِي بِذَلِكَ أَكْثَرَ كَيْلًا وَفِي هَذَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى سَعْدٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنَّ الْحِنْطَةَ أَفْضَلُ عَيْنًا مِنْ السُّلْتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْتَدَلَّ سَعْدٌ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرُّطَبِ

الصفحة 242