كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَا عَنْ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ وَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا فَقَالَا لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَلَمْ تُفَارِقْهُ وَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَذَلِكَ مَعَ طُولِ الْغَيْبَةِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْوِلَايَةَ بَاقِيَةٌ لِلْأَبِ لَا تَسْقُطُ بِغَيْبَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ مَعَ انْقِطَاعِ النَّفَقَةِ وَمَعْدُومٌ مَعَ إدَامَتِهَا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ رَأَتْ غَيْرَ هَذَا أَوْ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَدْ كَانَ وَكَّلَ مَنْ يَعْقِدُ هَذَا النِّكَاحَ فَعَقَدَ عَلَى أَدْنَى مِنْ الْمَهْرِ الَّذِي كَانَ يَعْتَقِدُ هُوَ أَنْ يُبْذَلَ لِمِثْلِهِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَعْقِدُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ دُونَ تَعْيِينٍ إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ التَّعْيِينِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبِكْرَ ذَاتَ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُعَيِّنْ الزَّوْجَ وَظَنَّ أَنَّهُ يَعْدِلُ بِهِ عَنْ مِثْلِ الْمُنْذِرِ إلَى مِثْلِ عُرْوَةَ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ مِمَّنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْمُنْذِرِ فَلِذَلِكَ أَنْكَرَ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ مِثْلَ هَذَا أَوْ يُفْتَاتَ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ الْمُنْذِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ لَازِمًا لَمَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَرَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدَ لِنِكَاحِ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخُوهُ أَوْ ابْنُهُ إنْ كَانَ قَائِمًا بِأَمْرِهِ فَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ أُخْتَهُ الْبِكْرَ وَأَبُوهُ غَائِبٌ إنْ كَانَ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ فَأَجَازَهُ أَبُوهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا جَازَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ النَّاظِرَ فِي عِيَالِ أَخِيهِ أَوْ أَبِيهِ، وَالْقَائِمَ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ الْمُفَاوِضَ لَهُ فِي أُمُورِهِ فَتَغَيَّبَ الْأَبُ فَتُزَوَّجُ ابْنَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ بِوَجْهِ الصِّحَّةِ، وَالنَّظَرِ لَهُنَّ إذَا أَجَازَهُ الْغَائِبُ إذَا قَدِمَ جَازَ وَثَبَتَ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْغَيْبَةَ، إنَّمَا جَازَ أَنْ يُجَوِّزَهُ الْأَبُ بَعْدَ طُولِ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ عَاقِدُ نِكَاحِ حَفْصَةَ ابْنًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ أَخًا لَهُ إنْ كَانَ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عَصَبَتِهَا مِمَّنْ كَانَ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ، وَالنَّاظِرَ لَهُ، فَإِنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ إذَا أَجَازَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْأَخُ، وَالْجَدُّ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ كَمَا زَوَّجَتْ عَائِشَةُ بِنْتَ أَخِيهَا فَرَضِيَ قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ وَكَّلْت عَائِشَةُ رَجُلًا عَلَى الْعَقْدِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ، إنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ فِي ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهَا أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ سَخِطَ بَعْضَ الْأَمْرِ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ لِيُزِيلَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْمَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ إبْطَالِ النِّكَاحِ تَسْلِيمًا لِمَا رَأَتْهُ عَائِشَةُ وَاخْتَارَتْهُ وَقَوْلُهُ مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إضَافَةِ الْأَمْرِ إلَيْهَا لِمَا كَانَ مِنْهَا مِنْ تَوَلِّيهِ وَتَقْرِيرِهِ.
(ش) : كَرَّرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلَ وَكَثَّرَ مِنْ الْآثَارِ لِمُخَالَفَةِ رَبِيعَةَ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُ أَنَّ رَدَّ الْمُمَلَّكَةِ التَّمْلِيكَ لَا يَقْتَضِي طَلَاقًا قَالَ وَلَا يُوجِبُهُ، وَلَوْ أَوْجَبَهُ لَكَانَ نَفْيُ التَّمْلِيكِ يَقْتَضِيهِ وَلَمَا وَجَبَ أَنْ تُسْئَلَ الْمَرْأَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَضِي مِنْهَا قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ وَتَرَكَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ حُكْمَ السَّاكِتَةِ الَّتِي لَمْ تَقْبَلْ وَلَمْ تَرُدَّ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ مِنْ الْقَوْلِ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ إذَا مَلَّكَهَا زَوْجُهَا أَمْرَهَا ثُمَّ افْتَرَقَا وَلَمْ تَقْبَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا) .
1 -
(ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُمَا إذَا افْتَرَقَا وَلَمْ تَقْبَلْ فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ هَذَا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنَّ لَهَا ذَلِكَ وَيُوقِفُهَا السُّلْطَانُ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ
الصفحة 25
308