كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَضَاءِ لَكَانَ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ مَا دَفَعَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مَسْأَلَةِ مَالِكٍ فِي الَّذِي دَفَعَ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ إلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ لِيَقْتَضِيَ مِنْهَا وَاحِدًا يَخْتَارُهُ فَيَضِيعُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ إلَّا وَاحِدًا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَشُكَّ أَنَّ فِيهَا وَازِنًا وَأَمَّا إنْ جَهِلَ ذَلِكَ وَقَالَ ضَاعَتْ قَبْلَ الْوَزْنِ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا يَكُونُ مُتَقَاضِيًا وَهُوَ مُصَدَّقٌ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ فِيهَا إلَّا وَازِنًا وَلَا وَزَنَهَا حَتَّى ضَاعَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّنَانِيرُ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَشُكُّ أَنَّ فِيهَا دِينَارًا وَازِنًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ خَاصَّةً وَهَكَذَا قَالَ لِي مَنْ كَاشَفْتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالْعَبْدِ الْحَاضِرِ وَالثَّوْبِ وَكَالْمَبِيعِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ جُزَافًا فَإِنَّ ضَمَانَهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ الْمُشْتَرِي خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا: إنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ خِفَافٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ أَخَذَ بِهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَعَمِلُوا بِمُضْمَنِهِ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ مَعْرِفَةِ عَدَالَةِ نَاقِلِيهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ تَلَفُ الْعِوَضِ الْعَيْنُ فِيهِ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ أَصْلُ ذَلِكَ عَقْدُ النِّكَاحِ.

(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ لِعَيْنِهِ وَجِنْسِهِ إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُدَّةً يَجُوزُ لَهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ شَرَطَ رُكُوبَ دَابَّةٍ بَاعَهَا يَوْمًا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ مَا بَقِيَ لَهُ فِيهَا شَرْطٌ سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ وَقَالَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ هِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ مَاتَتْ بِيَدِهِ قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِيَدِ الْبَائِعِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا شَرَطَ رُكُوبَهَا مُدَّةً وَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِضَمَانِهِ إلَى انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَفِّي الْمَبِيعَ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَا شَرَطَ فِيهِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَصْبَغُ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي ضَمَانِهِ، وَمَا شَرَطَ فِيهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ حَقٌّ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا شَرَطَ لِلْبَائِعِ مَنْ يَصِحُّ بِمُدَّتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمُبْتَاعِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ الْمُبْتَاعَ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ أَصْبَغَ فَهَلْ يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِقَدْرِ مَا اسْتَثْنَى مِنْ الرُّكُوبِ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَقَالَهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَسَحْنُونٌ فِيمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى سُكْنَاهَا سَنَةً أَوْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمَيْنِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا اسْتَثْنَى مِنْ الثَّمَنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ بِذِمَّةِ الْمُبْتَاعِ وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ قَدْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْمُبْتَاعِ وَجَعَلَ مَنْفَعَتَهَا مِنْ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ بَعْضَ الثَّمَنِ فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِيفَاءُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ رَجَعَ بِثَمَنِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ شَرَطَ الْبَائِعُ مِنْ الرُّكُوبِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَا يَجُوزُ فَهِيَ مِمَّنْ تَلِفَتْ بِيَدِهِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَلَا يُضْمَنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَقَبْضُ الْمُبْتَاعِ لَهَا قَبْلَ شَرْطِ الْبَائِعِ قَبْضٌ يَضْمَنُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَاضِرًا مُشْتَرًى عَلَى وَجْهِهِ مِثْلُ اللَّبَنِ إذَا حُلِبَ وَالرُّطَبِ يُسْتَجْنَى فَيَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ حُكْمَ هَذَا حُكْمُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ يُتَنَجَّزُ قَبْضُهُ وَهُوَ مَرْئِيٌّ مُشَاهَدٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ جُمْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ اللَّبَنِ إذَا حُلِبَ يُرِيدُ أَنْ يَبْدَأَ اللَّبَنَ فِي الْغَنَمِ وَيَعْرِفَ لَبَنَهَا وَيَسْتَجْنِيَ الرُّطَبَ فَيَنْظُرَ الْمُبْتَاعُ إلَى قَدْرِ مَا يُجْنَى مِنْهُ يَوْمًا فَيَشْتَرِطَ قَبْضَهُ فَيَصْلُحَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، وَمِنْ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ أَخِّرْ عَنْك هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فَمَا جَنَيْته مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ فَأَنَا آخُذُهُ مِنْك ثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَظَرَ إلَى

الصفحة 251