كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ الْحَائِطَ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ النَّخْلِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَالْكَبِيسِ وَالْعِذْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ التَّمْرِ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ تَمْرُ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخَلَاتِ يَخْتَارُهَا مِنْ نَخْلَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَنَعَ ذَلِكَ تَرَكَ تَمْرَ النَّخْلَةِ مِنْ الْعَجْوَةِ وَمَكِيلَةُ تَمْرِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَأَخَذَ مَكَانَهَا تَمْرَ نَخْلَةِ مِنْ الْكَبِيسِ وَمَكِيلَةُ تَمْرِهَا عَشَرَةُ أَصْوُعٍ أَوْ أَخَذَ الْعَجْوَةَ الَّتِي فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَتَرَكَ الَّتِي فِيهَا عَشَرَةُ أَصْوُعٍ مِنْ الْكَبِيسِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَجْوَةَ بِالْكَبِيسِ مُتَفَاضِلًا. قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ يَدَيْهِ صُبَرٌ مِنْ التَّمْرِ قَدْ صَبَّرَ الْعَجْوَةَ فَجَعَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْكَبِيسِ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ وَجَعَلَ صُبْرَةَ الْعِذْقِ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا فَأَعْطَى صَاحِبَ التَّمْرِ دِينَارًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ مِنْهُ بِالذِّمَّةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ اسْتِعْجَالِ قَبْضِهِ مَا فِيهِ مِنْ حَقِّ التَّوْفِيَةِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَكْثُرُ فَيَحْتَاجُ فِي كَيْلِهِ إلَى الْمُدَّةِ وَيَحْتَاجُ إلَى إعْدَادِ مَكَان يُجْعَلُ فِيهِ أَوْ سَفِينَةٍ فَإِذَا شَرَعَ فِي ذَلِكَ وَاتَّصَلَ الْعَمَلُ فِي الِاسْتِيفَاءِ جَازَ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ أَشْهَبُ وَشَهْرًا إذَا اتَّصَلَ ذَلِكَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَبْقَى بِيَدِ الْبَائِعِ لِمَنْفَعَةِ اسْتِخْدَامٍ أَوْ لِتَوَثُّقٍ إلَى أَنْ يُشْهِدَ أَوْ يَبْقَى بِيَدِهِ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ فَإِنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِ شَرْطٍ، وَأَمَّا إنْ شَرَطَ حَبْسَهَا لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَلَا أَفْسَخُ بِهَا الْبَيْعَ.

(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَإِنْ وَقَعَ فِي بَيْعِهِمَا أَجَلٌ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحِلُّ فِيهِ تَأْخِيرٌ وَلَا نَظْرَةٌ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ أَوْ لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ التَّأْخِيرَ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَبْرَأُ بِالْعَقْدِ فَعَادَ إلَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَيَدْخُلُهُ التَّأْجِيلُ فِي الْمُعَيَّنِ وَهُوَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلَا فِي غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا يُرِيدُ أَنَّ الْأَجَلَ وَالتَّأْخِيرَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ بَيْعٌ إلَّا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيَكُونُ الْبَيْعُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَصْلُحُ فِيهِ طَوِيلُ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ سَلَامَتَهُ إلَيْهِ فَيُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ أَوْ لَا يُسَلَّمُ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ وَمَا كَانَ حَاضِرًا وَلَا يَتَيَقَّنُ صِحَّةَ تَسْلِيمِهِ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعِ فِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ سَلَامَتَهُ إلَى أَجَلٍ أَنَّ ذِمَّتَهُ الْمُتَعَلِّقَةَ بِمَالِهِ بَاقِيَةٌ بَعْدَهُ تَنُوبُ عَنْهُ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُعَيَّنُ الْمَبِيعُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِفَوَاتِهِ بَدَلٌ يَنُوبُ مَنَابَهُ فَافْتَرَقَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَا قَرُبَ مِنْ الْأَجَلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُعَيَّنَ إلَيْهِ وَيَشْتَرِطَ بَقَاءَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي لَا يَتَغَيَّرُ مِثْلُهُ إلَيْهَا غَالِبًا وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ لِوَجْهِ مَنْفَعَةٍ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبُ أَوْ إمْسَاكِهِ عَلَى وَجْهِ التَّزَيُّنِ بِالْإِشْهَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ إذْ الْغَالِبُ مِنْ الْبَائِعِ بَقَاءُ صِفَتِهِ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فَإِذَا اشْتَرَطَ بَقَاءَهُ لِغَيْرِ عِوَضٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالْمُدَّةُ الَّتِي يَجُوزُ بَقَاءُ الْأَرْضِ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ اشْتِرَاطُ السَّنَةِ فِي الدَّارِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَكُرِهَ مَا يَبْعُدُ عَنْ ذَلِكَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا رُكُوبُ الدَّابَّةِ فَجَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ اسْتِثْنَاءَ رُكُوبِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ تَجْوِيزَ رُكُوبِهَا يَوْمَيْنِ فِي السَّفَرِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ رُكُوبَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّابَّةَ يُسْرَعُ إلَيْهَا التَّغَيُّرُ وَلَا سِيَّمَا دَوَابُّ الْكَدِّ وَالْعَمَلِ فَإِنَّهَا تَدْبَرُ وَتَتَغَيَّرُ وَتَضْعُفُ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ دَوَابِّ الْجِمَالِ وَالرُّكُوبِ خَاصَّةً لَجَازَ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ سَفَرًا.

الصفحة 253