كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

ص (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَصْلُحُ التَّسْلِيفُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا يُسْلِفُ فِيهِ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْمُسَلَّفُ مَا سُلِّفَ فِيهِ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إلَى صَاحِبِهِ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوْ الرَّاحِلَةَ أَوْ الْمَسْكَنَ أَوْ يَبْدَأُ فِيمَا اشْتَرَى مِنْ الرُّطَبِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ إلَى صَاحِبِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا أَجَلٌ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أُسْلِفُك فِي رَاحِلَتِك فُلَانَةَ أَرْكَبُهَا فِي الْحَجِّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ أَجَلٌ مِنْ الزَّمَانِ أَوْ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْكَنِ فَإِنَّهُ إذَا صَنَعَ ذَلِكَ كَانَ إنَّمَا يُسْلِفُهُ ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ تِلْكَ الرَّاحِلَةَ صَحِيحَةً لِذَلِكَ الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّى لَهُ فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ وَإِنْ حَدَثَ فِيهَا حَدَثٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ رَدَّ عَلَيْهِ ذَهَبَهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ عِنْدَهُ.
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا فَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ الْقَبْضِ مِنْ قَبْضِ مَا اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَكْرَى فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْغَرَرِ وَالسَّلَفِ الَّذِي يُكْرَهُ وَأَخَذَ أَمْرًا مَعْلُومًا وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ فَيَقْبِضَهُمَا وَيَنْقُدَ أَثْمَانَهُمَا فَإِنْ حَدَثَ بِهِمَا حَدَثٌ مِنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ أَخَذَ ذَهَبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَ مِنْهُ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ فِي بَيْعِ الرَّقِيقِ.
قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ أَوْ تَكَارَى رَاحِلَةً بِعَيْنِهَا إلَى أَجَلٍ يَقْبِضُ الْعَبْدَ أَوْ الرَّاحِلَةَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَقَدْ عَمِلَ بِمَا يَصْلُحُ لَا هُوَ قَبْضُ مَا اسْتَكْرَى أَوْ اسْتَأْجَرَ وَلَا هُوَ سَلَفٌ فِي دَيْنٍ يَكُونُ ضَامِنًا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمْرُ الْحَائِطِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ التَّمْرِ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ تَمْرًا مُعَيَّنًا فَلَمَّا عُدِمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا اشْتَرَى اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَجِبُ تَأْخِيرُهُ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ مِنْ تَمْرِ ذَلِكَ الْحَائِطِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَمٌ فِي تَمْرِ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَفَسَخَ مَا وَجَبَ لَهُ عَنْ دَيْنِ الْغَيْرِ فِي دَيْنِ تَمْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِمَا بَقِيَ لَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَكِيلَةِ الَّتِي فَسَخَ فِيهَا الْبَيْعَ أَوْ أَقَلَّ يُتَنَجَّزُ أَخْذُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَاحِلَتَهُ أَوْ يُؤَاجِرَهُ عَبْدَهُ الْخَيَّاطَ وَيَقْبِضَ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَمُوتَ الرَّاحِلَةُ أَوْ الْعَبْدُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ وَلَا يَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى قَلِيلِ مَا اسْتَوْفَى وَكَثِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ بِالِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضِ فَسَوَاءٌ اسْتَوْفَى أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ.

(ش) : قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُسْلِفَ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ عِنْدَ دَفْعِهِ الذَّهَبَ مَا سُلِّفَ فِيهِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ الرَّاحِلَةِ أَوْ الْمَسْكَنِ أَوْ يَبْدَأَ بِأَخْذِ مَا سَلَّمَ فِيهِ مِنْ الرُّطَبِ لَا يَصْلُحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَلَا أَجَلٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّأْخِيرَ الْبَيِّنَ الَّذِي يَكُونُ فِي مِثْلِهِ الْغَرَرُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُ الْعَبْدِ الْأَيَّامَ الَّتِي لَا غَرَرَ فِيهَا، وَأَمَّا التَّمْرَةُ مِنْ الْحَائِطِ الْمُعَيَّنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَضُرَّ بِالْقَبْضِ ذَلِكَ أَجَلًا وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَرِيبٌ.
(فَصْلٌ) :
وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُسْلِفَ الرَّجُلُ فِي الرَّاحِلَةِ الْمُعَيَّنَةِ يَحُجُّ عَلَيْهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ أَجَلٌ مِنْ الزَّمَانِ وَقِيلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْكَنِ أَوْ الْعَبْدِ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا يُسْلِفُهُ ذَهَبًا عَلَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَتْ تِلْكَ الرَّاحِلَةُ صَحِيحَةً عِنْدَ الْأَجَلِ فَهِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْكِرَاءِ وَإِلَّا رَدَّ عَلَيْهِ ذَهَبَهُ وَكَانَتْ سَلَفًا عِنْدَهُ خَصَّ هَاهُنَا الْمَنْعَ بِالنَّقْدِ دُونَ الْعَقْدِ.
وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ النَّقْدَ فِي رَاحِلَةٍ اكْتَرَاهَا بِعَيْنِهَا لِيَرْكَبَهَا بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ وَالْأَمْرِ الْقَرِيبِ فَإِنْ تَبَاعَدَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا بَأْسَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ يَكْتَرِيَهَا لِيَرْكَبَهَا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ مَا لَمْ

الصفحة 255