كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَلْ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ وَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَيْعِهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِتْلَافِ صِيَاغَتِهَا اقْتَضَى ذَلِكَ بَيْعَهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَذَلِكَ مَعْنَى اتِّخَاذِهَا.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي آنِيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ زِنَتُهَا أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا يُزَكِّي وَزْنَهَا فَجَعَلَ لِلصِّيَاغَةِ قِيمَةً وَذَلِكَ يَقْتَضِي إبَاحَتَهَا وَقَالَ فِي الصَّرْفِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُصَاغُ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ كَالْأَبَارِقِ وَالْمَدَاهِنِ وَالْمَجَامِرِ وَالْأَقْدَاحِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ كَرَاهِيَةَ بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا أَوْ كَرَاهِيَةَ اسْتِعْمَالِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ كَرَاهِيَةَ اتِّخَاذِهَا فَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي تَحْرِيمِهِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا فَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ مَا تَقَدَّمَ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا وَكُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا» يَقْتَضِي مَنْعَ الزِّيَادَةِ فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَيْنِ لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إلَيْنَا وَعَهْدُنَا إلَيْكُمْ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْهُ وَسَوَاءٌ تِبْرُهُ وَمَسْكُوكُهُ وَمَصُوغُهُ وَجَيِّدُهُ وَرَدِيئُهُ فِي وُجُوبِ التَّسَاوِي وَتَحْرِيمِ التَّفَاصُلِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا اعْتِبَارَ بِالسِّكَّةِ وَلَا بِالصِّيَاغَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْمَصُوغَةُ أَدْوَنَ ذَهَبًا وَالتِّبْرُ أَفْضَلَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ تَبَعٌ مَلْغِيٌّ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ كَالْجَوْدَةِ وَلَوْ ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ ذَهَبٌ مَصُوغٌ أَوْ مَسْكُوكٌ فَأَرَادَ أَنْ يَقْبِضَهُ عَنْهُ تِبْرًا أَفْضَلَ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَتْ حَقًّا لَهُ ثُمَّ تَرَكَهَا عِوَضًا عَنْ جَوْدَةِ الذَّهَبِ التِّبْرِ فَدَخَلَ ذَلِكَ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّهُ صِيَاغَةٌ وَذَهَبٌ بِذَهَبٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرَاطَلَةُ فَإِنَّ الصِّيَاغَةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهَا.

(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ أَفْضَلْتُمَا فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَعِلَّةُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّهُمَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عِلَّتُهُمَا الْوَزْنُ وَالدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ الْحَدِيدَ وَالْكُحْلَ فِيهِ الرِّبَا أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ الرِّبَا فِي مَصُوغِهِ لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَصُوغِهِ كَالتُّرَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى إبْطَالِ عِلَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ الْوَزْنَ لَمَا جَازَ أَنْ يُسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَيْنَيْنِ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا لَمْ تُعْلَمْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَسْلِيمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمَوْزُونِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُمَا عِلَّةُ الرِّبَا.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَرُدَّا» أَمَرَهُمَا بِرَدِّ الْبَيْعِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا عَنْ فَوَاتِهِ وَالذَّهَبُ الْمَبِيعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَصُوغٌ وَغَيْرُ مَصُوغٍ فَأَمَّا غَيْرُ الْمَصُوغِ فَإِنَّهُ لَا يَفُوتُ الْبَيْعُ فِيهِ بِوَجْهٍ وَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ فَاسِدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَهُ مِثْلٌ لَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ عَيْنِهِ لِوُجُودِ مِثْلِهِ.
1 -
، وَأَمَّا الْمَصُوغُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ إنْ بَاعَهُ جُزَافًا أَنَّهُ تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَ سَيْفًا عَلَى قَبْضَتِهِ الْأَكْثَرُ لَمْ تُفِتْهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَيُفِيتُهُ الْبَيْعُ وَالتَّلَفُ أَوْ قَلَعَ قَبْضَتَهُ فَيَرُدُّ قِيمَتَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ وَاَلَّذِي حَكَى مُحَمَّدٌ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ تُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحُلِيِّ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحُلِيِّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَفَاتَ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ كَصُبْرَةِ الْقَمْحِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَيْنَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَمَّا كَانَتْ عَيْنُهُ مَوْجُودَةً وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُقَوَّمُ بِهِ وَلَا يُقَوَّمُ هُوَ بِغَيْرِهِ فَلَا تَتَغَيَّرُ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ، وَأَمَّا نَقْصُهُ فَقَدْ غَيَّرَ عَيْنَ الْمَبِيعِ لَمَّا أَدْخَلَ نَقْصًا فَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ.
وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ خَاصَّةً فَإِنْ قُلْنَا إنَّ

الصفحة 258