كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 4)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي تَمِيمٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ بَيْعٍ فَاسِدٍ.
فَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ فَرْعُ الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْأَوَّلُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الصِّحَّةِ لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي فَوَجَبَ نَقْضُهُمَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَفُتْ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَصُوغَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا» يُرِيدُ إيجَابَ التَّسَاوِي وَتَحْرِيمَ التَّفَاضُلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِجِنْسِهِ وَبَدَلُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا وَزْنًا وَالثَّانِي عَدَدًا فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا التَّسَاوِي وَلَا تَجُوزُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى وَجْهٍ مَعْرُوفٍ وَلَا بِمُسَامَحَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ الْآخَرَ يُقَسَّطُ عَلَى الذَّهَبِ وَالزِّيَادَةِ الَّتِي مَعَهَا فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي دَارَ السِّكَّةِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِمْ فِضَّةً وَزْنًا وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ وَزْنًا دَرَاهِمَ وَيُعْطِيهِمْ أُجْرَةَ الْعَمَلِ فَقَالَ مَرَّةً أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَى الدَّرَاهِمِ وَتَعَذُّرِ الصَّرْفِ إلَّا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى الِاسْتِعْجَالِ وَانْحِفَازِ الْمُسَافِرِ لِلْمُرُورِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الِانْفِرَادِ وَيَخَافُ إنْ غَابَ عَنْهُ ذَهَبُهُ أَنْ لَا يُعْطَاهُ وَيُمْطَلَ بِهِ وَالضَّرُورَةُ الْعَامَّةُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ صَارَ الضَّرْبُ بِكُلِّ بَلَدٍ وَاتَّسَعَ الْأَمْرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً فَإِنْ كَانَ بَيْعًا فَفِيهِ التَّفَاضُلُ فِي الذَّهَبِ وَإِنْ كَانَ إجَارَةً فَهُوَ إجَارَةٌ وَسَلَفٌ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَأَمَّا الصَّائِغُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَهُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي وَاضِحَتِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْمُبَادَلَةُ بِالْعَدَدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَوْزَنَ مِنْ بَعْضٍ فِي الدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْمَعْرُوفِ وَالتَّفَضُّلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّفَاضُلِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَبْنِيَا عَلَى الْوَزْنِ وَلِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ تَقْدِيرَانِ الْوَزْنُ وَالْعَدَدُ فَإِنْ كَانَ الْوَزْنُ أَخَصَّ بِهِ أَوْلَى فِيهِ إلَّا أَنَّ الْعَدَدَ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَمِلَ فِيهِ عَلَى الْعَدَدِ جُوِّزَ يَسِيرُ الْوَزْنِ زِيَادَةً عَلَى سَبِيلِ الْمَعْرُوفِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ مِنْ الْمُكَايَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ فَيَمْنَعُ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَرِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ لَمَّا كَانَ لِلثَّمَرَةِ تَقْدِيرَانِ أَحَدُهُمَا الْكَيْلُ وَالْآخَرُ الْخَرْصُ وَالتَّحَرِّي جَازَ الْعُدُولُ عَنْ أَوَّلِهِمَا إلَى الثَّانِي لِلضَّرُورَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا سَوَاءً فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاضِلَةً فِي الْجَوْدَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْوَازِنَةُ أَدْنَى ذَهَبًا أَوْ أَفْضَلَ فَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فَضْلَ صَاحِبِهِ فِي زِيَادَةِ وَزْنِ ذَهَبِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَازِنَةُ أَفْضَلَ ذَهَبًا فَإِنَّ مَالِكًا كَرِهَهُ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ إنَّمَا جَازَتْ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَعْيَانُهَا وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ كَالْعَرِيَّةِ لَمَّا كَانَ طَرِيقُهَا الْبَدَلَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا غَيْرُ مِثْلِ الثَّمَرَةِ لَا أَفْضَلَ وَلَا أَدْوَنَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْبُعْدُ عَنْ التُّهْمَةِ لِكَوْنِ فَضْلِ الْجَوْدَةِ وَالْوَزْنِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ غَيْرَ مُجَرَّدِ التَّفَضُّلِ.
(فَرْقٌ) فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عِنْدَ الْجَدَادِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْعَرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْقِدَا الْبَيْعَ عَلَى ذَلِكَ وَفِي مَسْأَلَتِنَا عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ فَوِزَانُهُ أَنْ يَعْقِدَا بَيْعَ الْعَرِيَّةِ عَلَى غَيْرِ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ أَبْضَعَ مَعَ رَجُلٍ دِينَارًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَدِّلَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ عَيْنًا وَوَزْنًا قَالَ وَيُعْلِمُ صَاحِبَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ

الصفحة 259